الإعلام بين خطابي الكراهية والوحدة الوطنية | 28 نوفمبر

الفيس بوك

إعلان

الإعلام بين خطابي الكراهية والوحدة الوطنية

أحد, 10/16/2016 - 17:53
الإعلام بين خطابي الكراهية والوحدة الوطنية

ريم خليفة

تطورت وسائل الإعلام بشكل عام في السنوات الأخيرة، ليصبح لها منافس حالي يتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي، التي تقود منافسة مع جميع وسائل الاعلام التقليدية كالفضائيات والصحف وذلك بسبب قدرتها السريعة على نقل ونشر المعلومة. لكن المعلومة التي تنتشر كثيرٌ منها لا يتعدى سوى التحشيد عبر استخدام خطابات الكراهية المناهضة للوحدة الوطنية. وهذا الخطاب تسمعه أيضاً على منابر خطب صلاة يوم الجمعة، وتقرأه فيما يكتبه دعاة الكراهيَّة، وتشاهده على شبكات التواصل الاجتماعي وصولاً إلى ما تبثُّه المنظَّمات الإرهابيَّة من التلذُّذ بتعذيب وقتل البشر الذين يختلفون معهم.

وعليه، فإنَّ الإشكاليَّة التي تواجهها المجتمعات العربية ومنها المجتمع البحريني وخاصة من بعد أحداث العام 2011 وحتى اليوم، تتمثَّل في كيفيَّة التفريق بين حريَّة الرأَي، الوحدة الوطنية، وخطاب الكراهيَّة في لغة الإعلام المحلي. فحريَّة الرأي المنصوص عليها في المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيَّة والسياسيَّة، لها حدود وضعتها المادة (20) من العهد الدولي، والتي تنصُّ على “الحظر بالقانون أيَّة دعوة إلى الكراهيَّة القوميَّة أو العنصريَّة أو الدينيَّة التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف”.

ويعتبر ذلك محرَّماً في العهد الدولي، ويجب على الدول التي صادقت على العهد (والبحرين إحدى تلك الدول) أنْ تمنع مثل هذا الخطاب وتعاقب عليه. والمنع هنا يجب أن يشمل الجميع، بمعنى ألا تتمُّ معاقبة جهة دون أخرى، ولا يفسح المجال لنوع معيَّن من الأشخاص والجماعات فيما يعاقب آخرون إذا ارتكبوا الخطأ ذاته. فالممنوع دوليّاً وإنسانيّاً هو ما يجب أن يكون ممنوعاً على الجميع من دون استثناء.

وهو ما يؤثر على خطاب الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي لأنه يكون ليس دقيقاً في نقل ما يجري في العالم، فهو يأخذ بأيَّ خبر، ويقلبه رأساً على عقب، ليقول إنَّ في بلدان أخرى تتمُّ تصفية المعارضين، مثلاً، وبالتالي يكرّر كلاماً غير علميّ وغير صحيح، يتم تسويقه بصورة لا تخلو من “البطش” من أجل تقسيم المجتمع وتجيّره لخدمة أجندات خاصَّة.

إن الإعلام الحر والمحترف يحتاج إلى بيئة مساندة، وثقافة داعمة، لكي يمكن اعتماد مواثيق شرف لضبط المهنة ذاتياً مهما كان ذلك ممكناً. ولنأخذ مثلاً مدونة قواعد السلوك للصحافيين المحترفين التي تعتمدها جمعية الصحافيين المحترفين الأميركية، فهذه المدونة تطرح دليلاً إرشادياً لمن يعملون بالصحافة ويتحملون المسئولية عن المعلومات التي يقدمونها، بغض النظر عن وسيلة النشر.

وبحسب جمعية الصحافيين المحترفين، فإن التنوير الذي يضطلع به الصحافيون هو عمل ريادي يهدف لتحقيق العدالة وتثبيت الأسس الديمقراطية، ولذلك يجب أن تكون الصحافة أخلاقية أيضاً، وأن تسعى جاهدة لضمان التبادل الحر للمعلومات الدقيقة والنزيهة والشاملة. كما أن الصحافي الأخلاقي يجب أن يتصرف دائماً بنزاهة. وقد طرحت الجمعية المذكورة أربعة مبادئ كأساس للصحافة الأخلاقية، وهي: ضرورة تقصي الحقائق وكتابة التقارير عنها، تقليل الضرر، التصرف بشكل مستقل، والعمل بمسئولية وشفافية.

وينبغي على الصحافيين شرح الخيارات والإجراءات المتبعة للجمهور، وتشجيع الحوار المدني بشأن الممارسات الصحافية والتغطية والمحتوى الإخباري، مع ضرورة الاستجابة السريعة للأسئلة بشأن دقة التغطيات الخبرية ووضوحها وضمان الإنصاف في إعدادها. إضافةً لذلك، يجب الاعتراف بالأخطاء وتصحيحها على وجه السرعة وبشكل بارز، ويلزم شرح التصحيحات والتوضيحات بعناية ووضوح. وهو ما يعني أن الصحافة الأخلاقية هي مشعل التنوير في المجتمعات المتحضرة من خلال بث المبادئ التي تدعو وتستخدم لغة الوحدة الوطنية لأن من خلالها تصبح المقياس الحقيقي الذي تساق إليه الحياة العامة مع معايير الديمقراطية والتعددية واحترام الآخرين والاعتراف بكراماتهم المتأصلة والتي لا يجوز التعدي عليها تحت أي عذر كان.

ولذا هناك ضرورة وحاجة في البحرين إلى وقفة صادقة؛ لمناصرة المادة (19) من العهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنيَّة والسياسيّة، ولتفعيل المادة (20) من العهد ذاته، بصفته الإلزاميَّة. وخاصة في ظل غياب ميثاق شرف حقيقي وتنويري للأخلاقيات العمل الصحافي الذي ترى فيه بعض الحكومات نوعاً من التدخل، أو أن الصحافة عليها خطوطٌ حُمْرٌ من كل جانب قد تخنق مسيرتها وتحوّلها إلى مجرد صحافة وإعلام علاقات عامة.

مراقبون مثل أستاذ اللسانيات والفيلسوف الأميركي نعوم تشومسكي قال قبل ثلاثة أعوام في منتدى بون للإعلام إن “إدخال قوانين أكثر تقييداً في معظم بلدان العالم، له تأثير خطير على حرية التعبير وغيرها من الحقوق (…)، كما أن مثل هذه التدابير قصيرة النظر أياً كان مسماها، قد تنزلق إلى مطب الاستفراد بالرأي الواحد الذي يقصي الطرف الذي لا يريد هذا الرأي وبالتالي يقضي على التعددية وتماسك المجتمع الواحد”. وهو ما يعني أن التعددية في الإعلام هي انعكاس لتعددية داخل المجتمع وهي لابد أن تكون جزءاً مكمّلاً من تطوّر المجتمعات، وهذا لن يتحقق – كما قال تشومسكي – إلا من خلال وجود إعلام حر ومستقل ينقل الرأي الآخر بسلاسة ولا يعتدي على الرأي المختلف.

كاتبة وإعلامية بحرينية

Reem [email protected]