التسول السياسي ... / حدامي محمد يحي |
السبت, 12 أكتوبر 2013 18:11 |
التسول ظاهرة سيكولوجية وسيسيولوجية، يعاني منها المجتمع، وذمها الإسلام، فحث على العمل والإكتساب، والتعفف عن الناس، وسؤال رب الناس، حتى بايع صلى الله عليه وسلم أصحابه ثم قال: ولاتسألوا أحدا، فكان الرجل يسقط سوطه فينزل ليأخذه بنفسه ولا يسأل أحد أن يناوله إياه. وفي عصرنا اليوم أضحى التسول حرفة ومهنة لدى كثير من الناس ، ووسيلة للكسب ، وتجارة رابحة ، بل إن البعض اتخذ التسول كمؤسسة مدرة للدخل ، يوظف فيها من شاء من أبناء جلدته ليعينوه في مسألته ، ويتقاسموا معه الدخل اليومي . في الشارع ، في السوق ، في المسجد ، في البيوت ، متسولون أحاطت بهم الكوارث والبلابل ، في كل يوم ينسجون قصة ، مرة يدعي مرض نفسه أو أمه أو أخته أو فصيلته . والأطرف من ذالك كله أن أحدهم صدمته سيارته من حيث لايدري وهو يتسول ، فلما اجتمع عليه الناس رحمة به وبضعفه ، أشار بطرفه على السائق إشارة محزون ولم يتكلم . إنهم المتسولون ، ضرب عليهم الفقر خيامه ، وسكن بحيهم فلا يبغي عنهم حولا ، فراشهم التراب ، ولباسهم الحر والقر ، وظلهم الشمس ، يمدون أيديهم إلى المخلوق يريدون عطاءه فهم في فقر دائم مادامت نفوسهم التي باعوها بالدرهم والدريهم . وقديما قال الأعرابي : أبا مالك لاتسأل الناس والتمس بكفيك فضل الله والله أوسع ولو سئل الناس التراب لأوشكوا إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا لكنهم يتسولون كما يتنفسون ، يريدون مافي يد الغير ، فلا يرون إلا الإملاق والضنك . هؤلاء هم متسولوا الشوارع ، أما (المتسولون السياسيون) فهم متسولوا القصور والدور الذين لبسوا أحسن الثياب وركبوا السيارات الفارهة يحملون حقائبهم الكبيره ، ويتسولون بأقلامهم وبأفكارهم ، يبتغون من فضل ساستهم ، فهم في سفر دائم ونفاق وتملق قل نظيره ، يسميه البعض (بالنفاق السياسي) وهو التسول بعينه فلماذا لانسمي الأشياء بأسمائها ؟ لافرق بين متسول الشارع والمتسول السياسي ، وجههم واحد ، وثوبهم واحد ، غير أن : "المتسول السياسي "ولد قبل الآخر بألفي عام ، فهو خبير بتاريخ وجغرافية النفاق والتملق. يظنه البعض حاملا لهموم المجتمع والوطن والأمة ، والحقيقة أنه لايحمل سوى هم بطنه طولا وعرضا ، يبكي على منصبه ، ويضحك عند سيده الذي يجود له أحيانا ، ويمسك عنه أحايينا ... ففي كل المنسابات السياسية منافقون متسولون يضربون طبول الساسة ، ويغنون لهم بأصواتهم الخشنة التي ملها الشعب ، وملها الوطن المكلوم الذي أضحى كعكعة بين تافهين : (لصوص الوطن – وقطط الوطن ) . لقد نذر المتسول السياسي القطيعة مع الكرامة والشهامة والأنفة ، وكأنه تسول في بطن أمه قبل أن يولد ... و لو وضع في صحراء لا أنيس فيها لأوشك أن يسأل الريح والشجر . تجري المذلة في جسمه كما يجري دمه ، لاصوت له سوى صوت المال ، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض . ويحسب التافهون أن الذي يلهث وراء المال كما يلهث الكلب ، أنه مناضل سياسي وماهو إلا رقيق للأوقية ومملوك للدينار ، يحمل قدحه بين أحزابه السياسية عسى وعسى ... إن هذ ه الظاهرة ظاهرة غريبة ومشينة ، قتلت الهمم ، وجعلت أصحاب القلوب الصناعية ساجدين راكعين للأحزاب الحاكمة أو غير الحاكمة ، قصد سد فراغ الجيوب ، وكسب لقمة العيش . ويبقى السؤال المطروح أين أصحاب الحجا؟ أين عظماء النفوس ؟ ألا بعدا لعالم كهذ يصبح المرء متسولا ، ويمسي شريفا – كما يحسب نفسه - ، يبيع نفسه ووجه بعرض من الدنيا . |