بلا قناع: عولمة.. وعسكر.. ورأسمالية متوحشة
الثلاثاء, 11 فبراير 2014 04:04

ali-kanan55قال أحد المفكرين يوما في حديث عن العولمة: إن هذه الفكرة قديمة من أيام الإغريق والرومان والمسلمين الأوائل وحتى الشيوعية، جميع هذه الأيديولوجيات كانت ذات توجه عالمي في مرحلة ما، ويمكننا وصفها بنمط من العولمة في زمن صعودها، 

وإن بدت العولمة المعاصرة طاغية ولها أبعاد اقتصادية كارثية، ولا يمكن أن تنتشر إلا باستباحة الاستقلال الوطني وزراعة حقول من الألغام لتدجين الإرادة الشعبية واختراق السيادة الوطنية… لكن طاعون العولمة، بقيادة الإمبريالية الأميركية، كما تعبر عن نفسها على امتداد العالم، لا تقتصر على التجارة والاقتصاد والشركات العابرة للقوميات والقارات.

وقبلها تمادت الإمبراطورية البريطانية، وتوجت مخازيها باغتصاب فلسطين لصالح العنصرية الصهيونية، وكانت نمطا عتيقا ومتخلفا من العولمة أيضا. لكن انتشار القواعد الأميركية، من غوانتينامو على الأرض الكوبية المغتصبة حتى جزيرة أوكيناوا في الجنوب الياباني، جعل هذه العولمة المسلحة بأهوال جهنمية من وسائل الدمار الشامل، نوويا وكيميائيا وبيولوجيا.. وحتى وراثيا، أخطر ما مر على سطح هذا الكوكب من كوارث عالمية في تاريخه المديد. ولا يمكن أن ننسى أسلحة الإعلام، رديفة المؤسسات المخابراتية، بشتى قذائفها الهجومية وجراحاتها التجميلية ومخدراتها القاتلة.

لا ننسى أن سقوط الأحلام الاشتراكية أدى إلى بروز الرأسمالية المتوحشة، بجميع أشكالها وألوانها وأبخرتها السامة، ومنها سرطان العولمة والقواعد العسكرية وشبكاتها الاستخبارية. وفي أواخر القرن الماضي، بلغ الصراع بين إحدى شركات التصوير اليابانية ونظيرتها الأميركية حدا دفع إحدى الصحف هناك أن تشير إلى “حرب” اقتصادية بين البلدين، مع أن كلمة “الحرب” محذوفة من التداول في اليابان، ولها وقع مرعب محظور ومستنكر بين الجميع. كل حماقة أميركية، سواء تجاه أوربا “العجوز″ وقد تناسوا أنها “جدتهم”، أو تجاه الشعوب الأخرى، تذكرنا بملايين السكان الأصليين الذيبن جرت إبادتهم في ذلك العالم الجديد، كما تذكر بمجازر أخرى. وهيروشيما ما زالت مثلا فظيعا لا يمكن أن ينسى.

ويوم زرتها وشاهدت بقايا آثار القنبلة، بدءا من القبة التي مازالت هيكلا عظميا مروعا.. إلى فتات الباص المتفحم في الساحة، وعلى مقربة منه مقعد حجري ما زال ظهره يحتفظ بلونين: فاتح في وسطه يشير إلى جذع الفتاة التي كانت مستندة إليه، وقد حمته من الاحتراق وتبخرت، بينما احترق الحجر حولها من طرفيه وما زال بلونه الداكن يشكل لعنة أبدية صارخة في وجه الطغاة والطغيان. وهناك أشياء أدهى، أتمنى ألا أتذكرها.. كما أحاول ألا أرى ما يجري في بلادي، ولكن الغطاء لا بد أن ينكشف يوما، وخاصة أن الدبلوماسية السرية وجرائم المخابرت تجيد التخفي تحت زوابع الإعلام الغوغائي الموبوء، ولو إلى حين… إن معظم الغربيين الذين تلتقي بهم في اليابان يرون أن الأميركان حمقى، لأنهم فتحوا لأولئك الأقزام جامعاتهم ومصانعهم حتى تفوقوا عليهم. ويبدو أن الأحقاد لدى غيلان الرأسمالية الغربية ضد ذلك الشعب الطيب المسالم بلغت أقصاها، حتى إن أحدهم قال لي: “لو كنت مكان الأميركان لقصفت هؤلاء بأربع قنابل ذرية”!

ولما سمع استنكاري لهذه الفكرة الجهنمية، قال: “أنت هنا جديد، لا تعرفهم… ألا ترى الحرب الاقتصادية بينهما؟ لقد بلغ الخلل التجاري 25 ضعفا في إحدى القطاعات”.

وكانت تلك نهاية الحوار. ويكفي أن ننظر اليوم إلى ما يجري في هذا التابوت الإسلامي المترامي من باكستان حتى المغرب، مرورا بجيرانه من غير المسلمين، سواء في أفريقيا.. أو أوكرانيا. إن الوحشية الأميركية، عولمة وعسكرة واستخبارا، قد بلغت حدودا من الضراوة الدموية لا تطاق.

لن أذكر ما جرى في ليبيا ولا ما يجري في سوريا والعراق.. ولكن يكفي هنا أن أشير إلى ما قاله لي باحث صديق قادم من بؤرة الغرب ورأسماليته المتوحشة، وقد سألته رأيه، فقال: يكفي أن ننظر إلى جرائم البنتاغون وضحايا الطائرات بلا طيار في اليمن وباكستان، لو أنهم شقوا طرقا أو بنوا مدارس وأقاموا معامل أدوية أو حليب للأطفال في تلك المناطق.. أما كان أجدى وأنفع وأسلم؟ إنهم مصرون على القتل والتدمير وتكريس الجهل وتعميق الحقد وحب الانتقام حتى النهاية، فالنهب الاستعماري الجديد لا يتحقق إلا بهذه الطريقة…

علي كنعان

راي اليوم