الانقلابي التائه في موريتانيا
الجمعة, 21 فبراير 2014 16:34

قبل عام فرضت ثورات الربيع العربي نفسها على مؤتمر موريتانيا الشعري، الذي خصص يومه الثالث -الأخير- لدعم الثورات العربية فحلق الشعراء بالجمهور في فضاءات استثنائية حفلت بها تلك المناسبة في بلد المليون شاعر حيث لا يزال للشعر مكان ومكانة..

سياسة بطعم الشعر وشعر مغرق في السياسة, والشعر مفتاح رئيسي لقلوب أهل موريتانيا التي قصدها وزير الثقافة المصري قبل أسبوع باحثا عن فضاء يخفف من عقدة العزلة -على الأقل الأفريقية- التي يعيشها النظام الحاكم بعد الانقلاب، لكن السياسة طاردت الثقافة وكان ما كان.

جمد الاتحاد الأفريقي عضوية مصر بعد الانقلاب مكرسا التراجع الإقليمي لها في أهم آفاقها الجغرافية التي طالما كانت أقرب المجالات إليها حيث سجلت مصر الستينيات دورا رائدا وملهما ومساندا لثورات التحرر الشعبي في القارة السمراء.

ارتدت موريتانيا "العمامة الأفريقية" رئيسا دوريا للاتحاد الأفريقي فتذكرت القاهرة "الثقافة" أحد أدوات "الدبلوماسية الناعمة" التي أهملتها وأرسلت بوزيرها إلى نواكشوط لافتتاح أسبوع ثقافي وفني مصري هناك فقاطع الشباب الموريتانيون كلمته هاتفين ضد الانقلاب رافعين شعار رابعة والذي رسموه على ملابسهم.

 

شرعي وانقلابي

ما حدث كان مفاجأة للوزير المصري، لكنه لم يكن كذلك بالنسبة للكثيرين في موريتانيا التي يحفل تاريخها بالرقم القياسي للانقلابات العسكرية في قارة طالما ارتبط عدد لا يستهان من دولها به، لكنها لم تعرف هذا القدر من الدماء الذي لطخ وجه مصر، وما أعقبه من انتهاكات غير مسبوقة بشهادة المنظمات الحقوقية الدولية.

وعلى عكس ما كان عليه حال زيارة الوزير المصري نواكشوط كانت الحفاوة الشعبية التي قوبل بها هناك بعد نحو أسبوعين وفد "التحالف الوطني لدعم الشرعية في مصر" والذي عقد أمس الأربعاء لقاءات مع الأحزاب السياسية الموريتانية والمنظمات الحقوقية.

بقدر قدرتهم على تذوق الشعر وقرضه ونقده لفرز الغث من السمين، وذاكراتهم التي يحسدون عليها في هذا الشأن، بقدر حسهم السياسي الذي يدفعهم للغيرة على الشرعية والانحياز إليها والتحسس من حديث الانقلاب خصوصا إذا تلطخ بالدماء، فعلى الرغم من الانقلابات العسكرية التي عرفتها بلادهم إلا أنهم لم يعرفوا هذا النوع من العنف.

لم يكن غريبا أن يستنكر نفر غير قليل من أهل موريتانيا التعاطي مع سلطات الانقلاب في مصر، ويرون أن أيديها ملطخة بالدماء وتطالب المبادرة الطلابية الموريتانية لمناهضة الاختراق الصهيوني و"الدفاع عن القضايا العادلة" الهيئات الموريتانية التي تعاملت مع هؤلاء "بالانحياز إلى الشرعية وإلى جماهير الشعب المصري الذي يقتل بالمئات يوميا بأيدي هؤلاء".

أما رئيس تنسيقية المعارضة الديمقراطية بموريتانيا أحمد ولد داداه فيرى وجها للشبه بين الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ووزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي من حيث وقوفهما "ضد الديمقراطية"، ويؤكد دعم تكتله المعارض للرئيس المصري المعزول محمد مرسي.

بدون رابعة:

لكن ما يميز ولد عبد العزيز وانقلابه في أغسطس/آب 2008 على محمد ولد الشيخ عبد الله أول رئيس شرعي منتخب في موريتانيا، عن السيسي وانقلابه في يوليو/تموز 2013 على محمد مرسي أول رئيس شرعي منتخب في مصر هو أن انقلاب الأول جرى من دون "رابعة" ودمائها وما لحقها من مطاردات ومصادرات ومحاكمات وانتهاكات.

أودع ولد عبد العزيز الرئيس الذي انقلب عليه رهن السجن لمدة ثلاثة أشهر ثم خرج ولد الشيخ عبد الله إلى قريته في البادية ليجلس هناك مرتاح البال بعيدا عن وجع وهموم السياسة، بينما وضع السيسي الرئيس مرسي -الذي سبق واختاره وزيرا للدفاع- في السجن وليمثل لاحقا أمام محكمة متهما بقائمة اتهامات قد تقود حال ثبوتها إلى حبل المشنقة.

 

 

التيه بالصحراء:

استطاع ولد عبد العزيز إعادة إنتاج نفسه رئيسا منتخبا، متخليا عن البذلة العسكرية في زمن قياسي، وأسس حزبا سياسيا (الاتحاد من أجل الجمهورية)، ونال اعترافا إقليميا ودوليا، واستعاد عضوية بلاده في الاتحاد الأفريقي وامتد به الأجل ليتولى رئاسته الدورية.

كان المال الخارجي حاضرا لمساعدة ولد عبد العزيز في ترتيب أوضاعه، فقد وجد الرجل ضالته في العقيد الليبي الراحل معمر القذافي الذي كان خير معين له. وساعده لاستعادة عضوية موريتانيا في الاتحاد الأفريقي، وبلغ الأمر بالقذافي أن هتف بـ"ستة ستة" وهو موعد حدده ولد عبد العزيز ورفضته المعارضة لإجراء الانتخابات الرئاسية عام 2009.

ويبدو أن ما حققه ولد عبد العزيز لنفسه في أرض شنقيط أملا للسيسي في أرض الكنانة، لكن التجربة الموريتانية مع الانقلابات ليست النموذج الأمثل ليقرأ فيها السيسي طالعه، وإن بالغت حكومته في تقدير الموقف والمراهنة على دور موريتانيا لإنهاء تجميد عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي فموريتانيا ليست الجزائر أو جنوب أفريقيا، وأي مراهنة على ذلك سيكون مصيرها التيه في صحراء موريتانيا الواسعة.

 

مجدي مصطفى/ الجزيرة