عزيز والإسلاميين (2)/ عباس ابرهام |
السبت, 08 مارس 2014 20:03 |
استعاد الجنرال عزيز لحافه الطائعي وعاد إلى سياسة المحافظة على تأخير أقدام منافسيه عن الالتحاق به بـ: 1-منعهم من ورد الماء؛ 2-تجميع الدعاية الدينية-البيروقراطية ضدهم؛ 3-مضايقتهم إعلاميا. والحقيقة أن هذه الأشياء صميمية في نظام الريعية السياسية الذي هندسه - بكل عبقرية- العقيد ولد الطايع. وتكمن قيمة هذا النظام في إقرار الريع السياسي وقفاً للدولة وآلية خاصة بها. بعد قرابة عقد من رحيل ولد الطايع كانت دولته الكبيرة قد بدأت تتضعضع وتتفكك: 1-لم تعد مسيطرة إعلاميا، فمنذ 2003 والمبادرات الجماعية والفردية المُعارِضة، بل وحتى الأعمال الخصوصية- تسيطر على الإعلام من خلال تحكمها في أكثر المواقع الإخبارية تأثيراً ومن خلال نبوغ كتاب الرأي المعارِضين (ليس هنالك كاتب رأي كبير في جهة النظام غير ولد الشدو، الذي يعود آخر مقال له في دعم النظام إلى أكثر من عام). 2-انقسمت وحدة المال والأعمال بعد ولد الطايع وتجلت في صراع قوي بين رأس المال المصرفي والتجاري وما اعتبرته أقلام عصبوية التفكير صراعاً داخيلياً في المال الآدراري ضد التحالف المصرفي بمحور إنشيري-لعصابة؛ غير أن هذا الاصطفاف سُرعان ما تطوّر إلى صراع بين رأس المال المصرفي ضد مال وأعمال الرئاسة-البنك المركزي-البيروقراطية: يعرف هذا بصراع عزيز-بوعماتو. وهو في حقيقة الأمر ترجمة لاقتصاد سياسي جديد صارت فيه الدولة مالكاً لخزان مالي من خلال زراعة وسائط لها في تجارة الرخص التنقيبية، بدل أن تكون مؤمناً لاستثراء رجال الأعمال مقابل تمويلها. 3-مع تحطم وحدة رجال الأعمال ضعفت القبلية السياسية لأن النظام لم يعد يستثمر فيها كلها كما في السابق ولأانها توسعت بدرجة لم تعد فيها السلطة قادرة على مكافأة كل الأطراف القبلية المتنابزة. ومن الواضح أن العودة إلى قانون النسبية الانتخابية في الولايات الكبيرة فاقم من نسبة تذمر القبائل وخروجها من عباءة الدولة. بهذه الدولة المتضعضة دخل الجنرال عزيز انتخابات 2013، التي غابت عنها المعارِضة وفشل حزب "تواصل" لأسباب قاعدية- هي نفس الأسباب التي تمنعه اليوم من الرد على استفزازات النظام- في مقاطعتها. ورغم أن هذا الحزب ضعف بشكل مثير في المدن إلا أنه، بقدراته التمويلية، صار جاذباً للقبلية السياسية خارج العاصمتين، وقد سجّل أولى اختراقات الخزان الانتخابي للنظام في الحوضين ولعصابة بعد الاستثناء التاريخي المعروف بالطينطان. لقد أصبح خطراً على نظام لا قوة له إلا السيطرة على عقول شيوخ القبائل في المناطق الجهوية. مع 2014 اختار الجنرال عزيز حربه ضد الإسلاميين بهدوء، فهو أراد العودة إلى الاستيراتيجية الطائعية القاضية بتقليم قوة خصومه ومنعهم من أي تمدد في القبلية السياسية بتقليم مالهم السياسي. لقد صار هذا مطلباً أمنياً-سياسياً للنظام. ولكنه بدأ تكتيكاته بشكل محير: فهؤلاء، برغم حراكهم النشط في مؤتمر المعارضة قبيل الرئاسيات، ليست عندهم مطالب رئاسية. وهذا يعني أن مالهم السياسي لن يلعب ضد الجنرال. ولكن الأمر ليس محيّراً جداً كما نعتقد: الجنرال يخشى مشروعاً بوعماتياً يقوم بتفتيت الخزان الانتخابي في الشرق ضده بين مترشحين كبار متوزعين بين القبائل الكبيرة وممولين جيداً. وفي عملية كهذه سيكون لمكاسب الإسلاميين في لعصابة ولعيون والطينطان وكرو دورٌ مهم. لا نعرف ما هي الأحداث الكواليسية التي سبقت هذا، وهل حاول لنظام عقد محور مع الإسلاميين وفشل فيه فانتقل إلى مرحلة المواجهة أم أن الأمر يتعلق بتكتيك استباقي. لقد حلّل معظم "المحللين" الاتجاه الجديد لصراع عزيز مع الإسلاميين في إطار موجة جديدة من المواجهة السعودية-القطرية، غير أن ضعف النفوذين، السعودي والقطري، (مثلاً قبل 2013 كان المال الكويتي أكثر مالٍ عربي تمويلاً لموريتانيا، وفقط مع 2013-2014 صعد الاستثمار السعودي) في موريتانيا (فمالهما ليس إلا مالاً مساعداً وليس تأسيسياً في الاقتصاد السياسي الموريتاني، كما أن ما هو مؤثر منه يأتي من جماعات الزكاة وتمويل الإسلام السياسي، التي هي غالباً جماعات حل وعقد ومجتمع مدني وليست مالاً سياسياً أو ليست مالاً سياسياً دولتياً على الأقل) يجعلنا لا نميل إلى المبالغة القاضية بنسف السياسة الداخلية على حساب نزوات خارجية. ولا يعني هذا أنه ليست هنالك نزوات خارجية في السياسة الموريتانية، بل إن هذه النزوات تترجم إلى سياسة داخلية واصطفافات داخلية. ويبدو أن أقرب سببية يجب اعتبارها هي المنعرج الجديد الذي أخذته علاقة الإسلاميين بالنظام من خلال: 1-انتقام الشيخ الددو من النظام بعيد السكوت عن ضربه من قبل سلفي طائش، فردّ الشيخ بفتاوي تمنع الدولة من قمع المظاهرات ضد النظام (كانت الدولة تقمع المتظاهرين وتقتلهم دوماً دون أي فتوى من الشيخ)؛ 2-دخول الإسلاميين، جمهوراً وقياديين وإعلام، بقوة في التظاهرات المصحفية، التي تحولّت إلى أعمال شغب ضد النظام. ولكن إذا كانت هذه أسباب مباشرة فهي ليست إلا أسباب لأن يكشف النظام عن نواياه اللاديمقراطية ويلجأ إلى نهب ممتلكات خصومه ومنعهم من رأس مالهم السياسي، الذي تسعى أي ديمقراطية لتأمينه كشرط للعملية الديمقراطية. إن هذه فرصة مهمة لمؤتمر المعارضة الذي يجب أن تكون سياسته هي، بعكس سياسة الإسلاميين، ليست السكوت، وإنما التصعيد إما من أجل دخول انتخابات مشحونة سياسياً أو إيصال الأزمة السياسية إلى مرحلة كسر العظم وتعجيل إسقاط النظام سياسياً. |