رحلة الصحافة الموريتانية.../ الطالب عبد الودود |
الأربعاء, 12 مارس 2014 17:07 |
ظلت الصحافة المرآة التي ترى فيها الحكومات في البلدان الديموقراطية نفسها ومدى نجاعة سياساتها وبلوغ أهدافها للمستوى المنشود، وهو أمر ضروري جدا من الناحية النظرية أن ترى الأنظمة نفسها من خلال أي شيء بإمكانه أن يعكس صورا واضحة لتكون قادرة على قياس درجة قبحها أو جمالها ، نظافتها أو قذارتها ولكن هناك أنظمة وحكومات لم ترى أبدا بشاعتها لأنها لا تؤمن أصلا بشيء اسمه مرآة الصحافة. أنظمة قذرة وحكومات بائسة صدعت رؤوسنا ليل نهار بالتشدق بالشعارات الفارغة و حرية التعبير ولسان حالها يقول: قولوا ما تشاؤون وسنفعل نحن ما نشاء. وعدت الأنظمة والحكومات الموريتانية مرات لا تحصى بإصلاح قطاع الصحافة في البلاد خصوصا بعد تزايد عدد الصحف والمواقع الإلكترونية ، والقنوات التلفزيونية الخاصة مؤخرا ومحطات الإذاعة ، ووسائل الإعلام الحكومية حيث أصبح الصحفيين عالقون في وضع مالي حرج بالإضافة الى المخاطر التي تحيط بهم وتعرضهم للمضايقات وعقوبة التغريم والسجن الذي يطال بعضهم من حين لآخر رغم ادعاء الحكومة لتحريمه. كل هذه العقبات دفعت الصحفيين الموريتانيين إلى التكتل في روابط و مجموعات منفصلة لكل واحدة منها وسائلها و طرقها الخاصة ولكن آلامهم ظلت دائما دائما أكثر من مكاسبهم. فيهم المهنيون وفيهم من هم دون ذلك من مرتزقين يشوهون الاعلام ويطمسون وجه الحقيقة. بدأت الصحافة الحرة في موريتانيا بالإعلام المكتوب في بداية التسعينات وتعرض رواد الاعلام آنذاك لكثير من القمع والتضييق من قبل نظام معاوية ولد سيد أحمد الطايع ووصل القمع ذروته بالتحديد في العام 1992 الذي شهد ولادة الصحافة الحرة –المكتوبة- في البلاد . ظهرت حينها قامات صحفية سامقة من أمثال المرحوم حبيب ولد محفوظ ورفاقه وكتاب كبار آخرون شكلوا صداعا مزمنا لنظام ولد الطايع ونواة ما يعرف في موريتانيا اليوم بالصحافة الحرة. كتبوا عن هموم و معاناة المواطن البسيط الذي يعيش في الدولة الفاسدة. ألقي القبض على بعضهم و سجنوا و لم يسلموا من الضرب والتعذيب من قبل الشرطة أثناء تأدية واجبهم في الأماكن العامة. وكانت تتم مصادرة صحفهم مرارا أثناء السحب عند المطبعة الوطنية وأحيانا أخرى تتم الاغارة على مقراتهم والعبث بمحتوياتها لكنهم أعطوا مثالا يحتذى به في الصمود وواصلوا نضالهم رغم العقبات التي لا تعد ولا تحصى. ظلت اشكالية حرية التعبير دائما العائق الأبرز أمام وسائل الإعلام الحر المتنامية في البلد ولم تكن لدى نظام ولد الطايع الارادة لتقبل الاعلام الحر في تلك الفترة الحالكة و ظلت الصحافة الحرة تصارع الخطوط الحمراء التي شلت حركتها في بلد لا توجد فيه حتى هذه الساعة مراكز لترقية الاعلام أو تدريسه ويعاني الصحفيين الموريتانيين من نقص الوسائل و المساعدة التقنية و التدريب المهني لذلك مازال الكثير منهم يعتمد على أدوات ووسائل بدائية لا تتماشى مع روع التقنية في العصر الحاضر . بعد انقلاب 3 أغسطس 2005 بدأت فصول مسرحية جديدة وبدأت أحداثها تتكشف واكتظت الساحة بالصحفيين من مشارب مختلفة من الإعلام الوطني بشقيه الحكومي والخاص "الحر" على حد سواء وسادت بين الجميع حالة من التفاؤل غير مسبوقة نابعة من الخطاب المعسول للمجلس العسكري للعدالة والديمقراطية بزعامة العقيد أعل ولد محمدفال وسادت حالات أخرى في نفوس الشعب. ليس الصحفيين وحدهم من استبشروا خيرا بالانقلاب فالكل كان يحلم بظروف حياة أفضل بعد معاناة طويلة في فترات الأنظمة السابقة. قامت الحكومة الانتقالية كإجراء رسمي لتنظيم قطاع الصحافة المكتوبة - قبل ما سيعرف لاحقا بــ "تحرير الفضاء المعي البصري" و ظهور القنوات الفضائية والمحطات الاذاعية الحرة لاحقا- بإنشاء HAPA (الهيئة العليا للصحافة والسمعيات البصرية) سنة 2005 لتعمل على الإشراف على وسائل الإعلام في البلاد وفي بداية العام 2008، أطلقت HAPA مجموعة من التحقيقات الرامية إلى معرفة الجرائد التي تصدر بانتظام و التي تلبي شروط و متطلبات مؤسسة. تم اختيار 43 صحيفة حيث قالت "الهابا" أنها توفرت على المعايير المطلوبة (مكاتب وموظفين ومعدات) وتم استبعاد أكثر من 200 صحيفة كانت على اللائحة بحجة أنها لم تكن منتظمة وبعضها ظهر مرة واحدة في العام وبرر أصحابها عدم استمراريتهم بسبب الأزمة المالية وحالة الافلاس التي يعانون منها في ظل غياب الدعم. أطلقت وزارة الثقافة والاتصال في ذلك الوقت سلسلة من الزيارات لمقرات الصحف التي تم اختيارها رسميا من قبل "الهابا" و كان ينظر إلى الخطوة بأنها محاولة نحو إصلاح واحد من أهم القطاعات في الدول الديمقراطية وهو الصحافة والاعلام. شاب تلك الاجراءات كثير من الشوائب لأن لجان الاشراف لم تكن مؤهلة للقيام بتلك المهام وبالتالي لم تتحقق وعود الحكومة كالعادة ولم يحصل الصحفيين على الدعم المالي الذي تم اعلانه بالإضافة الى مبالغ مالية أعطاها الاتحاد الأوروبي كدعم للصحافة الموريتانية ولم يتم إصدار البطاقة الصحفية "الغير قابلة للتزوير" والتي سيظهر في فترة لاحقة أنها مهزلة ولا تختلف عن البطاقات التي يقوم الصفيين الموريتانيين عادة بإصدارها لأنفسهم . وفجأة انقشعت سحابة الحماس تلك التي أظلت الصحفيين الموريتانيين منذ انقلاب 2005 مرورا بـوعود 2008 ووجد الجميع أنفسهم في المربع الأول. لم يتغير شيء، وظلت أزمة الصحافة الوطنية تراوح مكانها و احباطها الدفين في حالة غير مسبوقة من خيبة الأمل. الدعم الحكومي فضلا عن الدعم المالي للاتحاد الأوروبي اختفى كل ذلك في أروقة وزارة الاتصالات التي لم تبقي أي وثيقة يمكن من خلالها تتبع خيوط لغز صندوق دعم الصحافة المحير، فقد كان الدعم المزعوم القشة التي قصمت ظهر الاعلام الوطني . مع مرور الوقت وأتساع صلاحيات "الهابا" وتزايد أعداد القنوات الفضائية والمحطات الاذاعية الحرة بالإضافة الى المواقع الإلكترونية والمدونات والاعلام الاجتماعي مازال الحال على ما كان عليه. من الواضح أن لدى نظام ولد عبد العزيز خطة تسعى الى تكبيل وتدجين الاعلام الموريتاني والايقاع ببعض الاعلاميين والمدونين الناشطين على الشبكات الاجتماعية بشكل خاص والفضاء الافتراضي بشكل عام وستكون HAPA السكين التي يمسك بمقبضها النظام للإجهاز على النمو الغير مسبوق للإعلام المستقل في موريتانيا. فقد اجتمع مجلس الوزراء الموريتاني يوم الخميس 3 أكتوبر، 2013 ووافق على مشروعي قانونين بشأن ما أسموه "مجتمع المعلومات الموريتاني" وتعطي تلك القوانين الجديدة الـــ HAPA"السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية" الضوء الأخضر للسيطرة على محتويات المواقع الاخبارية الموريتانية و منشورات النشطاء والمدونين على الشبكات الاجتماعية. الهدف من هذه القوانين هو محاولة النظام تكميم أفواه النشطاء والمدونين والحقوقيين وإسكات صوت وسائل الإعلام المستقلة تحت حجج واهية. هذه القوانين الجديدة ستمنح الحكومة الحق في ممارسة جميع أشكال الرقابة على الاعلام والآراء. عندما تدخل تلك القوانين حيز التنفيذ، سيتم ارتكاب كل التجاوزات في حق الصحفيين والمدونين تحت ذريعة "المحافظة على النظام العام والأخلاق الفضيلة" وستشكل مقولات وشعارات فضفاضة أساس الحكم الذي سيتم استهداف النظام لبعض الصحفيين والمدونين والنشطاء في البلد من خلاله وآمل أن يأخذ الصحفيين والمدونين والنشطاء هذه القوانين على محمل الجد وأن يكونوا يقظين من الآن قبل فوات الأوان لأن الغرض منها هو حشرهم في الزاوية. ان جميع العقبات لم تمنع وسائل الإعلام الوطنية المكتوبة في الحقب السابقة من لعب دور مهم على الصعيد الوطني قبل أن تتراجع قبل سنوات مع ظهور بعض وسائل الإعلام الحديثة المرتبطة بشبكة الأنترنت كالمواقع الإلكترونية بحيث أصبحت المصدر الرئيسي للأخبار في البلاد ويعتمد عليها الكثير من الصحف لدرجة أنم بعض أصحابها يزعم أن مواقعهم تمثل غذاء الصحف .المواقع الاخبارية الموريتانية هي الأخرى تعاني من نفس حالة الفوضى السائدة في الصحافة المكتوبة الناتجة عن عدم المهنية وانعدام الدقة في نقل الخبر والافتقار الى الخبرة اللازمة لمزاولة مهنة المتاعب. القنوات الفضائية والمحطات الاذاعية الجديدة ليست بمنأى عن تلك الممارسات التي تفقد المصداقية وتعبث بقدسية الرسالة الاعلامية جاعلة منها وسيلة للتكسب وجمع المال. وفيما يتعلق باستخدام التقنيات الجديدة في التصميم والربط بالأنترنت و الخدمات الإلكترونية الأخرى والطباعة، فان الاعلام الوطني بشقيه العمومي والمستقل يعتمد على برامج ووسائل غير متطورة مقارنة بالمستوى الذي وصلت اليه التكنولوجيا في العصر الحالي. الطريقة التي تتم بها اعداد الصحف الموريتانية وحتى شكلها وحجمها والبرامج المستخدمة في ذلك مثل برنامج Correl وبعض الوسائط الأخرى قد توقف استخدامها في العالم في حقبة السبعينات. الصحف الوطنية لا تزال تعتمد على آلات للطباعة متهالكة عفى عليها الزمن عند "المطبعة الوطنية التي تملكها الدولة وتبخل عليها بتجهيزات جديدة غير تلك الماكنات العتيقة التي أهدتها المانيا الشرقية لموريتانيا قبل عقود. الصحافة الموريتانية بشكل عام تحتاج الى الكثير من الخبرة والاحتراف من أجل أن تكون قادرة على الخروج من حقبة الصحافة الصفراء التي مازالت تتخبط فيها حتى الآن. |