القارة السمراء والتدخلات العسكرية الفرنسية واقع ودوافع |
الخميس, 10 أبريل 2014 21:36 |
عبدالقادر يوسف* تسعى فرنسا بخطى حثيثة للحفاظ على مصالحها متخذة من مبدأ (مكافحة الإرهاب) ذريعة للتدخل والإحتلال المباشر لمستعمراتها, من جديد.. وذلك بعد أن ظهر لفرنسا الدور الكبير للشركات الصينية في عموم القارة الإفريقية، واستبدال مصطلح “فرنسا أفريقيا” بــ”الصين أفريقيا” الذي رسخه الإستعمار بالقوة حتى الآن. وكانت فرنسا مقتنعة بأن إفريقيا السمراء هي حق لها, دون غيرها بحكم الإستعمار!, وتبعاً لذلك فهي أولى بوضع اليد عليها واستغلال ثرواتها ولو بالقوة.. من باب (كنز في بيتنا نحن أولى به). وهذا الأمر يعد من الأعراف العامة المتفق عليها في هذا العالم الذي يسوده نظالم غالب ومغلوب, على قاعدة (البقاء للأقوى). ولذلك نجد الولايات المتحدة، قد التفتت وانتبهت هي كذلك إلى القارة السمراء بعد أن سبقتها الصين بعد فرنسا التي وإن غادرت مستعمراتها سياسياً إلا أنها لم تغادرها اقتصادياً.. والكل يعرف المشاكسة الاقتصادية بين الصين وبين أمريكا في منقطة شرق آسيا. وبما أن أمريكا تدرك أن فرنسا وإن كانت معها ضمن حلف الناتو ليس من السهل عليها أن تتخلى عن مستعمراتها السابقة، فالقوى الثلاث تدرك أن هذه القارة مصدر مهم وغني بالثروات المعدنية، لاسيما اليورانيوم والذهب والماس إضافة إلى النفط. والشركات الأمريكية العملاقة شغلها الشاغل البحث عن الموارد لمزيد من الأرباح.. ومن هنا استشعرت واشنطن أهمية وضع قدمها في قارة غنية بالثروات يتصارع ذئاب كثيرون فكان من الطبيعي استيلاء الأقوياء ووضع اليد عليها.. فكان إنشاء قوة ” أفريكوم”، يُعتبر من أحسن الأساليب, وهي قوات موحدة مقاتلة تحت إدارة وزارة الدفاع الأمريكية، مسئولة عن العمليات العسكرية الأمريكية وعن العلاقات العسكرية مع 53 دولة أفريقية .. ولكن هذا الوجود الأمريكي في القارة الإفريقية لابد له من تبرير منطقي معقول ومقبول، فكانت (صناعة القاعدة) الإنتاج الأفضل! فظهرت (قصة تنظيم القاعدة ) في الشرق وسُخرت لها وسائل نقل إلى المغرب العربي وإقليم أزواد فوق العادة !!. وأخذ الإعلام يرسخ هذا المفهوم، فلما انتقل الأمر من مرحلة التخيل والإفتراض إلى مرحلة التنفيذ.. استلزم الأمر إيجاد عناصر بشكل مجموعات أو أفراد ممن لهم صلة بالمنطقة يقومون ببعض الأعمال الإرهابية لإقناع الشعوب أنهم مصدر الإرهاب؛ وبالتالي سوف يتقبلون بعد ذلك كل الإجراءات التي تتخذ لمكافحته.. وكان إقامة قاعدة عسكرية مشتركة لطائرات بدون طيار وغيرها في المنطقة والتي بدأت بتنفيذ عملياتها باستهداف الرعاة العزل هناك بمباركة وترحيب من دول المنطقة بعد أن استنكفت عن قبولها في السابق كثيراً أُولى ثمار هذا التخطيط الإستراتيجي .. صرح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في 14 يناير/كانون الثاني 2013 لتبرير الهجوم على (أزواد): ” لقد كانت المصالح الأساسية بالنسبة لنا ولأوروبا ولأفريقيا على المحك ، لذلك كان علينا التحرك بسرعة “. وكذلك الحال في تدخل فرنسا في إفريقيا الوسطى, فبعيد تبني مجلس الأمن الدولي قرارا بدعوى حماية المدنيين والتصدي للجماعات المسلحة في أفريقيا الوسطى, قال هولاند الرئيس الفرنسي:” لقد قررت التصرف حالا لحماية المدنيين وإعادة الأمن إلى البلاد “. هذه هي الأهداف المعلنة لتبرير التدخلات القتالية في إفريقيا. ولكن ماهو ظاهرعلى أرض الواقع يبرهن على أن للتدخلات العسكرية الفرنسية وحلفائها في افريقيا أهدافاً حقيقية غير معلن عنها يمكن إجمالها في حماية الشركات الفرنسية العاملة هناك, وخاصة مجموعة (أريفا) الفرنسية والتي تعمل في مجال الطاقة النووية من خلال استخراج اليورانيوم في المنطقة بلا منازع.. وخاصة إذا علمنا أن حكومة النيجر قامت مؤخرا بمنح تراخيص للتنقيب لشركات هندية وصينية وأميركية وكندية وأسترالية, وأن الذاكرة الشعبية سوف تتقبل تلك الشركات بشيء من الود والترحيب, بخلاف الفرنسية التي تعيد إلى الذاكرة أيام الإستعمار.. برهن على ذلك قول “بول ميرفي” عضو البرلمان الأوربي من إيرلندا من خلال الجلسة الخاصة بنقاش التدخل في أزواد: “ما يقوم به الاتحاد الأوروبي والقوات الفرنسية على وجه الخصوص، هو حماية مصالحهم في مالي. حماية المصالح الاقتصادية، وخاصة اليورانيوم. ولكن من أجل هذه المصالح الاستراتيجية المتعلقة بالموارد الطبيعية، يتم التعامل مع القوات الحكومية التي ثبت إدانتها من قبل العديد من التقارير الدولية عن انتهاكات خطيرة جدا في مجال حقوق الإنسان، التعذيب، الاغتصاب، والقتل خارج نطاق القضاء”. فهذه شهادة جديرة بالمصداقية ؛ لأنها من باب “وشهد شاهد من أهلها”. ولم يبق شك في أن التدخل الفرنسي في إفريقيا عامة , وأزواد على وجه الخصوص ليس لأجل مكافحة (الإرهاب الفردي) وإنما لما صرح به “بول ميرفي”، عضو البرلمان الأوربي , بصريح العبارة في كلامه السابق. فكان صناعة التوتر والإرهاب ومكافحته سبباً واقعاً ومفروضاً للتدخلات المباشرة في مناطق كثيرة. كما أن الحفاظ على المصالح الاقتصادية ووضع اليد على مزيد من الموارد الطبيعية سبب ٌودافع حقيقي للتدخلات تلك بلا تعارض. *كاتب وباحث. |