دفاعا عن مفكر يستحق/ سيدي ولد سيد احمد
الاثنين, 28 أبريل 2014 15:30

طبيعي جدا أن تأخذ كتابات المفكر والسياسي الهادئ محمد يحظيه ولد أبريد الليل الكثير من وقت القراء والمدونين , مثلما تفعل عادة مع السياسيين وصناع القرار والمعنيين بالأمن العام - علي قلتهم - في بلد يراوح مكانه المضطرب منذ صبيحة الاستقلال الذي حمل إلي معاصريه - ومن غير كبير جهد منهم - نبأ قيام دولة حديثة في هذه الربوع ,

 تلك الدولة التي صارت منذ ذلك التاريخ مجالا لصراع هويات لا يتوقف إلا ليبدأ من جديد , فالرجل لا يعرفه العامة إلا عن طريق الكتابة فهو لا يخرج للتظاهرات السياسية , ونادرا ما يشارك في المهرجانات , وهو قليل الظهور في وسائل الإعلام ولا يجري مقابلات صحفية , وقطعا أن للرجل مبرراته التي تخصه ويستطيع لا شك الدفاع عنها .

وطبيعي كذلك - بل هو الطبيعة ذاتها - أن يكون من بين من يقرأ للرجل مؤيدون ومناهضون , فالاختلاف سمة الحياة وعلامة حيويتها , لكن ما يثير الاستغراب ويدعو للتوقف هو تلك الدرجة العالية من الحدة التي تصل حد البذاءة والتي يقابل بها بعض محترفي السياسة والاعلام مقالات الرجل حتي ولو فهم من بعض ايحاءاتها قدر من السلبية اتجاه من يفترض أنهم خصومهم ولو في الظاهر والمعلن فقط , حتي كأن الموقف الذي يتخذه هؤلاء إنما يتعلق بشخص الرجل لا برأيه وفكره , وكأن هؤلاء - من فرط حقدهم - هم ضد ما كتبه وضد ما سوف يكتبه , ومثل هذه الحدة لا يقابل بها أي سياسي آخر لا من معاصري ولد أبريد الليل من السياسيين الكبار ولا من ملحقي الساسة ممن يملأون - علي ضعف في الرؤية وسطحية في التحليل - الساحات العامة في هذا الزمن الرديء ... ومن الأمثلة الدالة علي هذا التعاطي المنافي لأبسط قيم الموضوعية والاعتراف بحق الاختلاف ما يرد عادة من تدوينات مختصرة علي صفحة الإعلامي وديعة التي جاء فيها بمناسبة مقال ولد أبريد الليل الأخير فمثل هذا الكلام لايمكن أن يفهم ضمن أية سياقات نقدية تحترم ذاتها وتحترم مثل الموضوعية وحق الاختلاف , وهو كلام لا يصدر إلا عن نفس منهكة بالحقد والثأر حيث لم يتوجه النقد لمضمون المقال ولم يعن بتوقيته بل اهتم بما ظنه صفات شخصية لو نوقشت بدقة لوجد أن في الواصف منها أكثر مما في الموصوف ... وفي اعتقادي أن هذا الكلام مقطع من أرشيف قومي زنجي يعود لعهد التيارية الساخنة التي عرفها هذا البلد خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن المنصرم ..... ومن أمثلته كذلك التعليق المنسوب للكاتب سيد ولد محمد الأمين والذي أنهاه - علي مافيه من تهافت وتحامل - بهذه العبارة وكأنه - علي طريقة كهنة العصور الوسطي - يمتلك كامل الحق في توزيع حق الإقامة كما كانوا يوزعون صكوك الغفران ... فالتابوت مكان مناسب فقط لدعاة الإ قصاء ومروجي ثقافة الثأر والانتقام . 

ومن أمثلة هذا التعاطي السلبي كذلك الفهم السقيم الذي يبدو أنه كان مقصودا لحاجة في جيب ( دراعية ) صاحبه , والذي أراد به محمد الأمين ولد الفاضل التشويش علي فرضية التغيير غير المتوقع والتي تعتبر إحدي فرضيات العمل السياسي الواعي .

هذا التحامل الموجه والمتناغم في كثير من شبه تحليلاته و كأنه يصدر عن جهة واحدة - بالاضافة إلي كثير من السب الصادر عن غوغاء لا نهتم لشأنها _ تدفع إليه في نظري عدة اعتبارات : 

أولها يتمثل في أن الرجل بعثي والبعث تكرهه فرنسا وأمريكا و قطر والسعودية وتركيا وعن هذه البلدان تصدر نفقات الأقلام ومنها يأتي تمويل المواقع وفيها يتم التكوين والتدريب وعنها تصدر الدعوات للمهرجانات والمؤتمرات و ثاني هذه الاعتبارات أن الرجل إذا كتب صرف الأنظار عن تحليلات الشيوخ وهرطقات المريدين وجاءت تحليلاتهم مجرد هوامش تنقصها الدقة والأمانة .

وثالثها أن الرجل يكتب بالعقل ولأهل العقول الذين تعودوا ممارسة التفكير وهو ما لا يحتمله خريجوا نوادي الكارتيه والمسرح ومرتادوا الساحات العامة ممن لا يستطيعون الصبر علي التفكير , ومنهم غالبية غوغاء السياسة ومحترفي الإعلام المؤدلج .

أما الاعتبار الرابع فهو أن الرجل يكتب للوطن والتاريخ ولبعض هؤلاء خصومة مع الوطن وبعضهم يطالب التاريخ بثأر فلا يعجبهم أي كلام يتعالي علي الفئوية والعرقية . 

والاعتبار الرابع أن كثيرا من هؤلاء لايفهم مايعنيه الرجل , ففهمه يحتاج ثقافة سياسية وتاريخية وإيمانا عميقا بقيم النزاهة الفكرية والتحليل الموضوعي وهو ما لايكتسب في النوادي والساحات , وما يكتبه الرجل لا يدرك بالقراءة الأولي ولا الثانية ولا الثالثة و صلاحيته لا ترتبط بحدث آني بل بتاريخ وواقع وطن برمته , ففي المقال الذي حسبه أهل الفهم السلبي دعوة للانقلاب علي الشرعية أدرك الرجل بحسه السياسي المرهف وبحكم علاقاته الواسعة عمق الأزمة , و بحكم معرفته لطبيعة علاقات القوة في المجتمع أدرك النهاية المتوقعة للنظام واقترح عليه حلا متعارفا عليه في السياسة والديمقراطية وهو إجراء انتخابات سابقة لأوانها , كانت ستؤدي لو تمت إلي منع العسكر من تسلم السلطة , لكن قصيري النظر المحجوبين بالانتفاع حالوا بين الشيخ غير السياسي وطبقة السياسيين الوطنيين , فقد جاء في خاتمة ذلك المقال :  

فلنتأمل كيف كان سيكون وضع العسكر المهيئين للانقلاب لو أن الرئيس وقتها امتلك الشجاعة الكافية والتجرد من المصلحة الخاصة ودعا إلي انتخابات سابقة لأوانها .... فهذه هي خلاصة المقال الذي عده المتنطعون تنظيرا للانقلاب ... حقا إنهم لا يقرأون وإذا قرأوا لايفهمون .