الشمس و الغربال في الزمن الرديء |
الثلاثاء, 29 أبريل 2014 16:32 |
مؤسف جدا أن يصبح جسم الإنسان غربالا يرشح ممنه عقله في أكثرمن موضع , و من المحزن أين يستسلم المرء لتوبيخ الزمن الرديء , فيجلس حيث طوحت به سقطاته معتجرا بكومة الهواجس الظلامية المتراكمة في ذهنه من مخلفات الخلط و الجهل , و كأن الدنيا لم تخلق إلا لنوايا الشياطين و أهواء الخونة و مراكب الغدر المتربصة!!! نعم سيدي الكريم لا يمكن حجب الشمس بغربال , و لكن أيضا لا يمكن أن يحل الغربال محل الشمس و لا يجوز أن تغيب الشمس خلف أوهام المتسكعين بين جداول السراب الهمجي , و لا أن يضل القمر ليلة البدر عن كبد السماء . من الواضح جدا أن جميع حراكات الشرائح التي أضحت موضة في الآونة الأخيرة و التي تحركها عوامل و شخوص مختلفة في حالة من ذوبان الحس الوطني العام لحساب الإرتكاس الضيق للوقف أمام مرآت اللون الواحد و فصيلة الدم الملوث بشهوة الظهور و إستراق مواضع و ألسنة الخلق , إنما تجسد مدى طغيان العوامل الجسدية و الهياكل الفولاذية العاجزة على نعومة الفكر الواعي المندمج المتدرج في إختراق شرايين الزمن للوصول للمبتغى دون تكسير السواعد حرصا على الأغلال!!!!! إن ما نعيشه اليوم من فوران لم يكن ليقع على هذا النحو لولا إسراف الدولة في فتح الأبواب حتى أمام الغرباء و كأن الحرية لا تضبط بقواعد المصلحة الوطنية , فإما حالة الكبت و الضرب على أيدي المتنفسين او حالة التسيب و الفلتان و الفوضوية حيث لا رقيب و لا حسيب!!!! و لما كانت الحالة الأخيرة تعكس واقعنا أضحت البلاد حلبة للمصارعة و سوقا سوداء للتنافس و المتاجرة و إستعراض الخيانات و لوحة قاتمة لمآلات الأهواء الرديئة. لا يخفى على أحد حجم التحولات الكبرى التي شهدتها البلاد في شتى المجالات في الفترة الأخيرة خاصة في مجال الحريات و تحرير الفضاء السمعي البصري الذي أحدث موجة كبيرة من التطاول شملت المحرم و المقدس مرورا بالضروري و اللازم قاطعة شوطا نحو صناعة الموت التي لا تعدو المسافة الفاصلة عنها في مثل هذه الظروف مسافة الميل الذي تكتحل به العين , فقد سرعت وسائل الإعلام الإرتجالية و موادها المتناثرة على حواف السقوط من إبتعاث لغة الجسد الفولاذي على حساب ثقافة الدولة العمومية , فكانت المحرقة اللئيمة التي قام بها المدعو "بيرام" و تطاوله على كل ما له صلة بالمقدسات , و عزفه على وتر الإساءة و الخوض بجهالة الحذاء في شأن الحقوق التي لا تراعي حرمة مقدس و لا قدسية ثوابت الدين الحنيف فتعالت صيحات الخزي المدوية في وديان التسيب الرجيم , حيث تدفقت متتالية الزمن الرديء ليصطلي منها كل هارب إلى الخلف و كل حفار و نباش و لاقط و ملقوط , فأرتسمت لوحة قاتمة باهتة تخفي برمادها نار الويلات السوقية المسكوبة على زيت القبيلة و العشيرة و الفئة و اللون و اللسان و طول القامة و قصرها , فظهر ما يسمى حراك "لمعلمين" كحالة منتفضة على الماضي بعد فوات الأوان مكللة بالإساءة للنبي صلى الله عليه و سلم و إستباحة أعراض الصحابة الكرام , ثم أخطر الدعوات التي يمكن أن تحل بأي أرض جدباء جرداء مقفرة ليخرج علينا المهاجر العائد بصولة الحقد و الضغينة "تيام صمبا" و جلده المحشي بالكراهية , فيطلب تفكيك الدولة و إقتطاع كيانها و تفكيك بنيتها لا لشيء إلا لأن عقله البدائي لم يفهم من مصلحة البلاد و العباد أبعد من مدى أنفه. قد يكون للدولة كسلطة مصلحة ما في حالة التموج و الحلزونية السائدة في التعاطي مع هذه المعطيات , لكن على الحكماء في هذا البلد من كل الفئات أن لا يسمحوا بتنامي محاولات الإنفكاك و دعوات التفكك , لأن ما نعيشه اليوم من ردة إجتماعية أساسه ضعف اليقين بالوطن , و سهولة إعتناق دين المنفعة اللحظية , لأن المجتمع الموريتاني وصل في العهد القريب إلى مرحلة متقدمة من إندراس التفاوت الطبقي حتى كاد ينسى تلك الميكانيزمات الأبجدية المتناغمة من الموروث التقليدي الذي طمرت مغريات المدينة جانبا كبيرا منه , و سارت في طريقها لطمس ما تبقى. لكن و مع ظهور هذه الحراكات العنصرية و التجمعات الشرائحية و تلك الدعوات الإنفصالية و إبتعاث النعرات العرقية و إحياء الغرائز الحيوانية على شاكلة التصادم و السحق و المحق , و تبني لغة الثأر الظلامي , بدى جليا أننا سرنا في فلك الإنتكاس لما قبل نقطة الإنطلاق من حيث التموضع الفئوي و العاطفة الصناعية المطرزة بالأكاذيب المحفوفة بمخاطر التناحر التي يمكن أن يلمسها الإنسان البسيط في التجمعات و الحوارات و البيانات و حتى في طبيعة الخطاب الفردي لأي كائن إنتهازي من الكائنات السائبة على هذا الأديم. هذه الحراكات لا تخدم الإنسجام الإجتماعي بقدر ما تخلق من ردائة الزمن في ثوب النفاق و الشقاق , و إبتعاث لغة التعالي و التفاخر و التنابز بالالقاب , و تهييج الإصطفاف تمهيدا للمواجهة بين أكوام اللحم و الدم على حساب التدرج العقلي نحو التكامل و العدل و المساواة الذي يكفله التدرج و الأخذ بناصية العلم و التعاضد و التماسك و السير الحثيث في المطالبة بدولة مدنية تكفل حق الجميع بغض النظر عن الإنتماء الفئوي الضيق و المتاجرة و إمتطاء صهوة النفور و الخيانة. حمزه ولد محفوظ المبارك. |