لعبــة الكــراسـي
الخميس, 01 مايو 2014 21:40

السلطة و الجاه، و المنصب نعمة و نغمة و تكليف لا تشريف، مسؤولية بــة الكــراسـيو امتحان و أمانة قل من يؤديها حق أدائها بصدق و وفاء لأنهم قلة من يدركون سنة الحياة  (السلطة لو دامت لغيرك ما وصلت إليك ) القليل منا من يؤمن أن البقاء في السلطة و الوظيفة ليس قضاء و قدر، و مغادرتها ليست مصيبة أو حسرة قليلون من 

يمكنهم وصف ما في الكرسي من طعم و لذة، أعني هنا الكرسي الكبير ( كرسي الرئاسة ) و زعامة البلاد في العالم الثالث فالكرسي تشريف ما فوقه تشريف يمنح لصاحبه و لحاشيته المال و البنين و زينة حياة الدنيا من الامتيازات، و حلاوة الأشياء، لا يشعر بها إلا من ذاق طعمها   أو أقترب منها و ترتفع الشهية، كلما شعر الجالس على الكرسي، بقرب الابتعاد عنه أو شعر الطامح بإمكانية الجلوس عليه و قد ورثت الشعوب العربية و الإفريقية عقدة الحسد و الحقد على (الجالس) حتى ولو كان حاكما عادلا أو راشدا أو كما قال الأديب السوري المرحوم محمد ماغوط( في روايته إبليس في بلاد الغرائب ) «أن العربي يحسد الجالس سواء كان على كرسي الرئاسة أو الوزارة أو الإدارة أو في الحافلة أو على كرسي متحرك .......»

أزمة الكرسي في بلداننا، أنه لم يعد كرسيا و إنما جمع تكسير (كراسي ) فالذين يدافعون عن كراسيهم في الوزارات و المديريات العامة  أو الولايات أو النيابيات أو البلديات أو الشركات فهم أ كثر استبدادا من صاحب (فخامة الكرسي الأول ) فإذا كان هو يجاهد و يتلقى الانتقادات  و المسيرات و التنديدات و يصاب كرسيه بالهزات و يتحمل المشكلات، فإن أصحاب الكراسي ينعمون بكراسيهم(وظائفهم ) بقرارات سلطوية يمارسون خلالها اختلاسهم و شجعهم في إمبراطوريات صغيرة مخفية بعيدة عن الأنظار بل يجبرون صاحب الكرسي الأكبر ( فخامة رئيس المرحلة ) و حامي حمى المصالح و المنافع  

 

 

والذي لا يأتيه النقص من بين يديه و لا من خلفه، على البقاء في كرسيه حتى يأتيه اليقين(الخير جان بمجيكم )  ليبقوا هم على كراسيهم المتحركة و الثابتة .

مشكلة(كرسي الرئاسة ) أن الذين لم ينعموا بالجلوس عليه يعملون و يتصرفون و يصدرون الأوامر و النواهي و يوزعون المزايا و الامتيازات بمنطق "الجالسين " الذين ينقشون أسماؤهم عليه فهذا ما وجدوا عليه أبائهم و هم على آثارهم مقتدون.

فقد حكم المدنيون موريتانيا عشرين سنة باسم تأسيس الدولة و البناء و التنمية و الدفاع عن  الحوزة الترابية فكان الاستبداد و القتل و الحرب الأهلية، و حكم العسكر في موريتانيا واحد و أربعون سنة باسم "الخلاص  "  " الإنقاذ " التصحيح " و موريتانيا الجديدة "...إلخ

وحكم معمر القذافي ليبيا فعاث فسادا و ظلما هو حاشيته و عشيرته الأقربين و حول ليبيا إلى إمبراطورية فحكم ثلاث و أربعين سنة و حكم عمر بانكو الكابون اثنين و أربعين سنة  باسم محاربة الأعداء و الإمبريالية و حكم بالحديد و النار، ماذا قدم هؤلاء لبلدانهم سواء نموذجا من الحكم و لد حبا جنونيا للكراسي، و قد جعل هذه البلدان مثالا للدكتاتوريات المستبدة إلى الأبد، تزول بزوال الرجال، و لأن الذين أرادوا كرسي بشار الأسد كان أحرص الناس على الكرسي منه ، أبانوا أنهم مستعدون لتدمير سوريا شعبا و حضارة و  فعلوا ذلك من أجل هذا الكرسي الذي مات عليه الحافظ الأسد، و ورثوه لإبنه كما يورث المال الخاص، و حفاظا على مصالحهم و منافعهم .

 ولعبة توريث الكراسي تتنوع في عالمنا العربي و الإفريقي من بلد إلى بلد و تتكرر اللعبة في انتخابات الجزائر (فالجنرالات) يدفعون الرئيس المقعد ليجلسوه على الكرسي الثابت و ينجح بأصوات الشعب و هو على الكرسي المتحرك و يؤدي اليمين الدستوري و هو على الكرسي المتنقل ، و يتحركون هم على الكرسي الرئاسي و في مفاصيل الدولة يسرحون و يمرحون إن هؤلاء و أولاء لم  يساهموا في الإفلاس الأخلاقي و السياسي

 

والاقتصادي لبلداننا فحسب، و إنما اغتالوا الولاء للوطن، مما جعل الكثيرين من الكفاءات  السياسية و العلمية يعزفون عن السياسة، و يفكرون في الهروب انتحارا أو احتراقا أو هجرة عبر البحار أو خارج الأوطان ،و لن يسترجع المواطنون كرامتهم ما دام هؤلاء

( الجنرالات  ـ المدنيين ) مستثمرين في مفاصل المشهد السياسي في بلدانهم و لن

يفكر المواطن بغير بطنه، طال ما أنه جائع و خائف في بلدان لم تطعمه من  جوع و لم تؤمنه من خوف و جعلوا حب الوطن سببا لجوعه و تشريده و محاربة الفساد مبررا لسرقة ماله و نهب ثرواته و تدنيس مقدساته و من الاستقلال و الديمقراطية تزويرا لتاريخه و مصادرة لإرادته و استمرارا للقطاء السياسيين في الحكم  إن المعركة كبيرة بين الدولة و السلطة في هذه البلدان و إن الهزائم و المغامرات الغير محسومة و السياسات الفاشلة في كل المجالات يدفع ثمنها الشعب و تعني في النهاية غياب السلطة و إضعاف الدولة فبلداننا لم تجد استقرارا حقيقيا إلى في بناء دولة الحق و العدل فالولاء للوطن هي الصيغة التي يجب على الجميع تقديسها و احترامها ، فهل تبنى الدولة بجبروت الحاكم على حساب حقوق و قوة الشعب أم تستمد الدولة و قوتها و سلطتها من الشعب ، إننا بحاجة إلى دولة المواطن و ليس دولة الرجال .

{ وإن تتولوا يستبدل قوما  غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم .....} صدق الله العظيم

 

االصحفي : أحمد بن الدوه