مسلمو فرنسا، والاضطرار السياسي .. عهد ساركوزي أنموذجا(1)
الاثنين, 12 مايو 2014 17:49

حمدي جوارا*

حمدي جوارا

يقود السياسة الفرنسية حزبان أساسيان.. حزب ساركوزي حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، والحزب الاشتراكي الحاكم اليوم والذي جاء إلى سدة الحكم منذ سنتين عن طريق الرئيس الحالي فرانسوا هولاند، وهذان الحزبان هما 

اللذان يسيطران ويقودان السياسة الفرنسية، وهما ما اصطلح عليهما سياسيا باليمين -حزب ساركوزي- ، واليسار –حزب هولاند، وبينمها أحزاب من حيث القرب أو البعد عن سياسة هذين الحزبين فتسمى يمين اليمين، ويقصد اليمين المتطرف وترأسه السياسية البارزة مارين لوبن، ويسار اليسار والذي يمثله حزب زاليك ميلانشو السياسي الجزائري الأصل والمعروف بنصرة قضايا الأقليات في فرنسا.

قبل انتخابات 2012 كان ساركوزي هو الرئيس وقتها وقد قاد البلاد منذ مجيئه للحكم في صيف 2007 م البلاد في حين كانت الأزمة الاقتصادية تدق أبواب الكثير من الدول الغربية في  أوروبا وأمريكا، وهذا ماجعل الكثير من البلدان تشهد سياسات تقشف واقتصاد من أجل الحفاظ على قدر معقول من المخزون الاقتصادي بحيث تستطيع أن تحافظ على دورها الاقتصادي والسياسي، ومن ثم المحافظة على قيمة العملات الإقليمية وخاصة الأوروبية منها؛ مما جعل الاتحاد الأوروبي يضغط على دول كبرى في أوروبا؛ من أجل الحفاظ على الترويكا الأوروبية، وأجبرت دولا على التقشف كانت قد انهارت تماما اقتصاديا كإسبانيا واليونان والبرتغال، وساعد هذه الدول المنهارة والتي شهدت موجات من المظاهرات والمسيرات من أجل رفض الخطط التقشفية التي أشرنا إليها من قبل.

ساركوزي في هذه الفترة

لم تكن فرنسا بعيدة عن الانهيار الاقتصادي، وخاصة مع اختلال دورها في ميدان الصناعة المعدنية، وكذلك الكلفة الباهظة للعاملين من حيث الأجور وكل ما يتعلق بتأمينهم وبعض حقوقهم وكذلك إغلاق الكثير من الشركات الاقتصادية والمصانع المعدنية؛ نتيجة القوانين المتشددة في مجال الضرائب المفروضة على هذه الشركات، ومن ثم فرض الحكومة غرامات مالية للدولة، وكذلك لحساب العملاء والعاملين فيها والتي تكلفها أثمانا باهظة، وهذه الشدة يمكن أن تتفهم من ناحية أن فرنسا هي الدولة التي تقدم وتحافظ على حقوق العمال، وكذلك التأمين الصحي بالنسبة للأفراد المقيمين والوافدين إلى غير ذلك من المزايا التي تقدمها الدولة للمواطنين، وكذلك الكثير من الحقوق التي يكسبها المواطنون هنا، كالتعويض عن العمل وكذلك كفالة الأولاد وتقديم المساعدات الاجتماعية وغيرها.

سياسة ساركوزي

ساركوزي قاد البلاد في فترة صعبة، والفرنسيون لا يريدون أن يسمعوا عن سياسات تنتهجها الدولة للتقشف أو تحجيم الوظائف؛ لأن ذلك إشارةإلى أن الدولة ربما ستنهار وهذا لا يجوز  أن تسمعه الآذان الفرنسية المرهفة أبدا؛ لأن نموذج اليوناني شاهد للعيان، ولو سقط السياسيون في الحضيض، وقادوا البلد إلى هكذا مصير وذلك سيكبدهم الكثير؛ لذا لا بدّ من البحث عن أي شيء.

ساركوزي وبديل لتبرير سياساته

كان ساركوزي مضطرا أن يطلب سببا؛ لكي يقدمه للرأي العام الفرنسي، ويثبت بأن ثمة سبب لهذه المشكلة الاقتصادية، فاختار ملف الهجرة والإسلام كأسباب من مشكلة فرنسا، وكان من قبله حزب اليمين المتطرف، والذي يعتبر صريحا في عدائه السافر للمسلمين والمهاجرين بشكل عام، فأصبحت موضوعات النقاب وواجبات أبناء المسلمين داخل المدارس، وكذلك موضوع حوض السباحة المشترك واللحوم الحلال وغيرها، وأخذت تلك الموضوعات حيزا لدى الإعلام الفرنسي، وأصبحت الفضائيات والإذاعات تركز على أن المشكلة الأساسية في البطالة وهبوط المؤشر الاقتصادي الفرنسي العالمي هو الأيدي العاملة الأجنبية وخاصة المسلمة علما أن مهاجري الصين والهند وسيرلنكا وهم بالملايين لا تزعجهم كثرتهم كمهاجرين ووافدين، وإنما الذي يزعجهم فقط هو الهجرة المسلمة، والخطر القادم الذي ربما سيغير هوية فرنسا الكاثوليكية والمسيحية، وقد تم بعد ذلك إقرار منع النقاب –مع موقفي تجاهه – في البرلمان الفرنسي، وتم إقرار منعه واعتماد الغالبية الساركوزية لهذا المنع في قبة البرلمان.

موقف المسلمين في تلك الفترة

كان المسلمون يدافعون عن أنفسهم بطبيعة الحال؛ نظرا للتطرف الذي أبدته بعض الأحزاب تجاه المسلمين، وشارك كثير من ممثلي الجالية في معظم الحوارات الوطنية التي كانت تدار في وسائل الاعلام ، لكن ولا بد من التنويه هنا أن الخلاف المذهبي الذي ابتلي به المسلمون وفي كل مكان قد طغى في ديار الغرب وخاصة فرنسا، فالبعض منهم يوالون الحكومة في كل ما تخطوه من خطوات ضد المسلمين، والبعض يقول بأن هذه حكومة صليبية كافرة لا تحب المسلمين، ولابد من الهجرة عنها، ولاجدوى للحوار معها.

فئة أخرى وآخرون وقفوا في مواجهة مع هذه الأفكار بكل حيوية ونشاط، وكشفوا عوارها وحاولوا دحض ما يثار حول المسلمين، وبينوا أن المسلمين في فرنسا امتداد للتنوع الثقافي والعرقي الذي عرفت فرنسا به، وأن المساواة والعدالة الاجتماعية هما سمات أساسية للثقافة الفرنسية، ويجب على فرنسا ألا تبتعد عن هذا المسار؛ ليقودها المتطرفون العنصريون إلى المجهول، وهذا ليس في صالح فرنسا ومصالحها الاقتصادية في الدول الإسلامية التي يتواجد أبناؤها هناك، وليس في صالح الوجه المشرق لفرنسا كرائدة حرية التعبير وحرية العقيدة والمساواة وحقوق الانسان، لكن الحوارات كانت عنيفة وقتها؛ مما جعل المسلمون أو الغالبية العظمى منهم يضطرون للحشد لتغيير ساركوزي وحكومته وحزبه، فكبدوهم خسائر فادحة، وحتى أن قيادة الحزب وساركوزي بالذات صرّح أن ائمة المساجد والخطباء شاركوا في التأليب ضده في أكثر من 700 مسجد ومركز إسلامي، وعلى رأسهم القيادي السويسري الدكتور طارق رمضان.

انتخاب هولاند

انتخب المسلمون الرئيس الحالي فرنسوا هولاند ليس حبا فيه أو في برامجه، وإنما من أجل تغيير دفة الحكومة الفرنسية والتي قادها ساركوزي لمدة 5 سنوات، وهذا ما سنحاول كشفه وقراءته في المقال القادم حول موقف المسلمين، وخيبة أملهم مع الرئيس الذي انتخبوه، وأرادوا منه الكثير، لكن كثيرا ما تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

* كاتب وباحث في القضايا الافريقية والاوروبية – باريس

فيديو

البحث