دقــيــقــة قــبــلــيــة... مــن فــضــلكــم |
الأحد, 22 ديسمبر 2013 23:08 |
قرأت الليلة في أحد المواقع ما يوصف بأنه تحليل سياسي تحت عنوان «هل تقضي هزيمة الوزير الأول على طموحه في خلافة ولد عبد العزيز»، وهو في الحقيقة ليس تحليلاً سياسياً بقدرما هو تحليل قبلي... وأكثر أبعادة القبلية وضوحاً هو موقف ذلك الموقع ومديريه من قبيلة الوزير الأول، وهو موقف غير جديد ما شاء الله... وأرشيف الموقع موجود... كما أن كاتب التحليل نكرة وفي علم الغيب، ليس له وجه ولا اسم ولا رسم. وقبله صدر تحليل كتبه مخلب قط آخر يوم أمس فيما يفهم أنه حملات لبعض المتحفزين والعيّارين والشطار الحالمين بتولي الوزارة الأولى ولذلك يحركون الآن أراجوزاتهم في الإعلام الوطني من وراء الستار، على طريقة مسرح العرائس. ولكن الطريف حقاً أن هذا المحلل السياسي القبلي الاستراتيجي الذي كتب هذا الكلام الإنشائي العائم نسي معطى مهماً من معطيات التحليل... هو أن الرئيس عزيز في الأصل جنرال من القوات المسلحة، وليس بهذه الدرجة من البساطة والسذاجة والضحالة التي يظنها كاتب التحليل، بحيث إذا ألقيت على أذنه كلمتان متحاملتان بأن الوزير الأول الدكتور مولاى يزاحمه في كرسيه ويحلم بخلافته عليه، أن هذا كافٍ وحده لإثارة غيرة الرئيس لكي يعزل الرجل اليوم أو غداً. وفي غمرات تحامله ولعبه على الحبال وقع المحلل أيضاً في مغالطة مكشوفة أخرى حين تحدث عن علاقة الوزير الأول بولاية الحوض الشرقي باعتبارها ولاية منشأ فقط، وبولاية لعصابة باعتبارها ولاية بعده الاجتماعي، وهذا فيه مغالطة فجة... فولاية الحوض الشرقي أيضاً هي ولاية بعده الاجتماعي، والمدن الحواضر والقرى التي تنتمي إلى بعده الاجتماعي في طول الحوض وعرضه موجودة ومعروفة بالعشرات... وكذلك وجود بعده الاجتماعي في المدينة الكبيرة عاصمة الولاية نفسها أيضاً هو الأصل وهو الفصل. وثمة مفاجأة أخرى أكبر من هذا كله، هي أن أحد أكبر تجمعات بعد الرجل الاجتماعي موجود في العاصمة نواكشوط نفسها... وهذا يكفي.. حتى لا أزيد. إنني لا أعرف الوزير الأول بصورة شخصية، وإن كنت أعرف أسرته وأعتز بأخوته. ولكنني أعرف أن حكومته فشلت في إدارة الحملة في بعض المقاطعات. والوزراء والبيروقراطيون الحزبيون الذين أفشلوها ليسوا من بعده الاجتماعي... إن كان لنا أن نستخدم كلمة "المحلل القبلي"، ويا لها من كلمة أنيقة رشيقة... ومع هذا فقد نجحت حكومته في ضمان أغلبية كبيرة في البرلمان الوشيك لحزب وهمي يزعم وصلاً بأجندة رئيس الجمهورية، وهي منه براء... كما أنني لا أرغب أيضاً في أن أظهر في صورة "مثقف القبيلة" المدافع عن أمجادها ودورها وقسمتها من الكعكة... فذلك هو آخر ما أرضاه لنفسي... ولكن تكرار المقاربة القبلية في تحليلات، وحتى في أخبار ذلك الموقع هما ما دفعني دفعاً لكتابة هذا التوضيح، بعد الاستئذان بدقيقة من الكلام القبلي الظلامي، الذي أتجرع غصة كتابة حروفه هنا مكرهاً لا بطلاً. فقد عودنا ذلك الموقع على عناوين من قبيل "أقارب الوزير الأول يستولون على أراضي المواطنين في تفرغ زينة ويقيمون عليها الأسواق"، وكان الأمر مجرد نزاع عقاري على قطعة أرض بين مواطنين أحدهما من قبيلة الوزير الأول والآخر من قبيلة رئيس الجمهورية! فتأمل إلى أين يمكن أن تتحامل الصحافة من حيث تجامل، وترمي عصفوين بحجر واحد. والعجيب أن المواطن المنتمي إلى قبيلة الوزير الأول في ذلك النزاع العقاري لا يعرفه على الأرجح، وليس من ولايته، ولا يربطه به سوى اسم القبيلة. وهي قبيلة كبيرة عددياً. ولعل من باب الطرافة، في هذا المقام، ما أطلعني عليه مؤخراً أستاذنا الدكتور سيد أحمد ولد الأمير في تصنيف لجامعات ألمانية وإنجليزية عن الشعوب المليونية، حيث ورد فيه اسم هذه القبيلة، وهي القبيلة الوحيدة من المجال البيضاني الحساني المدرجة في التصنيف ضمن الشعوب المليونية، وقدر عددها في الجزائر بمليون ومائتي ألف 1200000 نسمة. ورابط التصنيف عندي لمن شاء الاطلاع عليه. فهل كل هؤلاء يعرفون الوزير الأول، أو هو مسؤول عنهم، أو هم مسؤولون عنه؟ أم أن الرجل في النهاية مجرد موظف عمومي، ومسؤول تكنوقراطي، عيّنه الرئيس لرأس حكومته لاعتبارات مهنية أو سياسية، ولا دخل للقبيلة في الموضوع، من أوله إلى آخره؟ أفيدونا أفادكم الله... لماذا لا ننظر إلى الأمر في أبعاده السياسية الحقيقية، بعيداً عن أي تحامل آخر لا طائل من ورائه؟ |