"الوطن" يعيد قراءة أبرز أحداث 2012 في موريتانيا (ملف خاص) |
الجمعة, 27 ديسمبر 2013 22:26 |
ساعات قليلة ويسدل الستار على عام 2012 الذي كان مليئاً بالأحداث المثيرة في موريتانيا، فهو عام الرصاص "الصديق" بامتياز؛ إذ بدأ برصاصة وانتهى بأخرى، وهو عام زهق الأرواح البريئة. لم يكن عام 2012 ليمر دون أن يشهد أحداثاً فاصلة في تاريخ الدولة الموريتانية ستظل عالقة في الأذهان لسنوات طويلة، فهو عام المطالبة برحيل النظام وعام ذبح الأبناء وعام حرق الكتب وعام قتل النفس، وكلها صفات كان يمكن للموريتانيين لو أنهم عاشوها في عهد ما قبل ألفة التاريخ الحديث أن يتخذوا منها مواقف تاريخية مشهودة يؤرخون بها لولادة مواليدهم الذين يصادف خروجهم إلى الدنيا أياً من هذه الأحداث. وخلال هذا الملف الخاص الذي يعده موقع "الوطن" سنحاول أن نعيد قراءة تلك الأحداث سرداً وتعليقاً، خاصة وأن بعضها ما يزال يكتنف تفاصيله الكثير من الغموض، ويحيطه صناعه بالكثير من التعتيم. وقد ارتأينا في موقع "الوطن" أن نتناول أبرز الأحداث التي عرفتها موريتانيا في العام المنقضي تواً، اعتماداً على تأثير هذه الأحداث على الدولة والمجتمع معاً، فضلاً عن الاهتمام البالغ الذي أحاطها به المجتمع الموريتاني إبان وقوعها. بدأ العام 2012 بالرصاص..
بدر ورجاء.. فجر الأحد الموافق للثاني والعشرين من شهر يناير من السنة المنقضية، استيقظ الشعب الموريتاني على "جريمة" من نوع خاص لم يألف مثيلاً لها من قبل؛ إذ أطلق نجل الرئيس بدر ولد محمد ولد عبد العزيز رصاصة على صدر فتاة تدعى رجاء بنت اسويدي، وهو الحادث الذي قيل إنه حول تلك الفتاة من امرأة عادية إلى امرأة مشلولة مدى الحياة. تضاربت الأنباء في بداية الأمر حول ملابسات الجريمة التي هزت المجتمع، بين مصدق ومكذب لما تسرب عنها من أنباء. وقعت الجريمة في مدينة نواكشوط وراحت ضحيتها فتاة تدعى رجاء بنت الطالب ولد ويس بعد أن تعرضت لإطلاق نار أصابها في صدرها نقلت على إثره إلى المستشفى قبل أن تنقل إلى المملكة المغربية لتلقي العلاج. وتأكد في ما بعدُ أن بدر ولد عبد العزيز؛ نجل الرئيس الموريتاني، هو من أطلق النار على الفتاة رجاء في ساعة متأخرة من فجر ذلك الأحد المشهود. وانتهت قصة ذلك الحادث بما وصف حينها بـ"صلح بدر" الذي أنهى "المشكلة" بتوافق بين والد الضحية ونجل الرئيس، لكن الحادث أسال كثيراً من الحبر لعله لن يجف حتى بعد أن يسدل الستار على العام الذي شهد وقوع تلك الجريمة.
ولد بزيد يحرق نفسه.. ولأنه عام "النار" بامتياز؛ فقد انبلج فجر الثاني عشر من شهر فبراير من سنة 2012 عن إقدام شاب يعمل معلماً للمرحلة الابتدائية على إحراق نفسه أمام القصر الرئاسي بنواكشوط، ما أدى إلى مقتله متأثراً بحروقه. يدعى الشاب محمد عبد الرحمن ولد بزيد، وقد احتدم الجدل في موريتانيا، حول حقيقة إصابته برصاصات من قبل قوات الحرس الرئاسي، بعيد شروعه في محاولة إضرام النار في جسده. وتحدثت مصادر عائلية آنذاك عن وجود ما يشبه آثار إطلاق النار على جسد ولد بزيد، خصوصا وأن السلطات الموريتانية، أرسلت طبيبا مع جثمان ولد بزيد وذلك لمنع من سيتولى تغسيله من نزع الضمادات الطبية عن محيط الإصابات المذكورة. كل التفاصيل أشارت وقتها إلى أن ولد يزيد، اختار مكان "ولد دحود"، (قتيل النار الأول في موريتانيا)، وكأنه يقتفي أثره شبرا بشبر وذراعا بذراع، وكأنها "رضيعا لبان ثدي واحد"، فقط ولد يزيد لم يترك وصية الكترونية، وترك ولد "دحود" وصيته التي لم تنفذ إلى حد الساعة. اختار ولد يزيد، توقيتا ليليا لا يتماشى مع حجم ما كان يفكر فيه، لذلك ستظل الكثير من الأسئلة عالقة بخصوص تفاصيل الحادثة التي أودت بحياته وهو ما يزال في ريعان شبابه. أضرم ولد بزيد النار في جسده، وأخذه الأمن الرئاسي إلى المستشفى الوطني، وحاول الأطباء إنقاذه، وكان من المنتظر أن يرسل إلى المملكة المغربية لتلقي العلاج (تماما كولد دحود )، إلا أن 48 ساعة في المستشفى الوطني كانت كافية ليضع "قدمه اليمنى" في الدار الآخرة. دار الكثير من الجدل حول ملابسات هذا "الاحتراق"، المعارضون أرجوه إلى "غضب الشعب ويأسه من النظام"، وهذا الأخير سماه "حادثاً عرضيا"، ومهما يكن فإن اختيار ولد بزيد لمكان وفاته لم يكن ليكون أمراً اعتباطياً دون دلالات.
أعل ولد المختار طليقاً العاشر من شهر مارس من العام نفسه (2012) عرف الشعب الموريتاني خبراً ساراً؛ إذ أطلق سراح الدركي الموريتاني الذي كان أسيراً لمدة أشهر لدى تنظيم القاعدة ببىد المغرب الإسلامي. وهكذا وقع كل الذي كان يتمناه كل الموريتانيين، وعاد الدركي أعل ولد المختار إلى حضن والدته التي لطالما أدمنت نداء "يا ألله" في أسحار الليل، وهي ترجو ألا يفجعها خبر صادم قادم من الشرق، حيث اختطف ابنها على أيدي "العصابات المسلحة"، والتي هددت بتصفيته أكثر من مرة. عاد ولد المختار إلى بيت أسرته، لكن أسئلة كثيرة ما تزال عالقة إلى يومنا هذا، بخصوص عملية اختطافه وعملية تحريره، بعضها لن يجيب عنه أحد "لأسباب أمنية"، ويعضها تتوفر "بعض" إجاباته. ولم يكن صادما فقط أن يقف وزير الخارجية الموريتاني، حماد ولد حمادي بكل تلك "الفجاجة" أمام الصحفيين، ويقول إنه كان بالإمكان أن يموت ولد المختار تماما كما مات الكثير من الجنود الموريتانيين في الحرب "غير المفهومة" مع القاعدة، إلا أن تصريح ولد حمادي فتح الباب على مصراعيه لتشكل الكثير من المبادرات الأهلية وذات الطابع المدني والقبلي المطالبة بالعمل على تحرير ولد المختار. ظهر ولد المختار لأول مرة في شريط فيديو قصير، بثته القاعدة، طالب فيه أهله والرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، بالعمل على تحريره، ثم نشرت القاعدة بيانا تتحدث فيه عن شروطها لتحريره، والتي تمثلت في إطلاق سراح اثنين من عناصرها المعتقلين في نواكشوط، وكانت "نواكشوط"، غير مرتاحة للأجواء التي ظهر فيها ولد المختار ولا للضغط الذي يمارس عليها على كثير من الأصعدة ليس أقلها حدة الحراك السياسي المناوئ لحكامها. دارت الأيام ولا شيء تغير، إلا أن القاعدة أعطت مهلة عشرين يوما لتنفيذ مطالبها، وإلا فإنها ستعدم أعل ولد المختار، مما حدا بالموريتانيين الذين يعرفون في قرارة أنفسهم أن كلا منهم "أعل ولد المختار" إلى حبس أنفاسهم في انتظار، ما سيقرره نظام نواكشوط. ثم دارت الأيام مرة أخرى ووصلنا إلى اليوم الأخير، كان يوم الجمعة الثاني من مارس 2012، حينها سرت شائعات في نواكشوط، أن أعل ولد المختار حرر مقابل عبد الرحمن ولد مدو الملقب "رضوان" والمدان بتهمة المشاركة في اختطاف إيطالي وزوجته من شرق موريتانيا نهاية عام 2009، إلا أن الأيام ستثبت عكس ذلك. بعد ذلك بأسبوع أفرج عن اعل ولد المختار لينقل إلى مقر القيادة العسكرية الخامسة في النعمة حيث أخذ قسطا من الراحة قبل أن يعلن عن إطلاق سراحه و قبل أن تقله طائرة عسكرية إلى نواكشوط، من أجل لقاء ولد عبد العزيز. وبغض النظر عن تفاصيل إطلاق سراح الجندي الموريتاني وهوية الفاعلين الحقيقيين وراءها، فإن مجرد خروجه سالماً من "مخبأ" القاعدة يعد نجاحاً للموريتانيين جميعاً ونجاحاً آخر أكثر أهمية - قل نظيره في الآونة الأخيرة- للدبلوماسية الموريتانية.
لغة الرحيل لأول مرة.. لم يكد الشعب الموريتاني يلتقط أنفاسه بعد فرحة إطلاق سراح الجندي اعلي ولد المختار، حتى اشرأبت الأعناق نحو "مسيرة فاصلة" في تاريخ البلد دعت لها منسقية أحزاب المعارضة الموريتانية في الثالث عشر من شهر مارس من عام 2012، وحملت لأول مرة في تاريخ البلد شعار المطالبة برحيل النظام على غرار ما جرى في عدد من الدول العربية التي شهدت ثورات أطاحت بأنظمة عاتية في صدر سنة 2012. ونظمت المنسقية مساء الاثنين الموافق للثالث عشر من مارس مسيرة جماهيرية حاشدة جابت أبرز شوارع مدينة نواكشوط؛ العاصمة الموريتانية، حيث تقدم المسيرة قادة أحزاب المنسقية، وسط هتاف الحاضرين بضرورة رحيل نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز. بدأت المسيرة الراجلة في حدود الخامسة عصراً وانتهت قبيل صلاة المغرب عند ساحة مسجد ابن عباس، ليبدأ رؤساء أحزاب المعارضة وقادتها خطاباتهم أمام حشود كبيرة من جماهير نواكشوط. وعرفت هذه المسيرة انضمام اعلي ولد محمد فال؛ الرئيس الموريتاني السابق، للمنسقية؛ حيث أكد في كلمته أمام الجماهير، أن مؤسستي الرئاسة والبرلمان فاقدتان للشرعية الدستورية، موضحاً أن ما حدث يوم "السادس من أغشت 2008 ليس انقلاباً عسكرياً من القوات المسلحة الوطنية، وإنما كان "تمرداً فردياً" وفق تعبيره. وأوضح ولد محمد فال أن البرلمان كذلك "منتهي الصلاحية" منذ شهر نوفمبر من عام 2011، محذراً الدول الأجنبية من خطورة توقيع اتفاقيات مع موريتانيا يصادق عليها برلمان منتهي الصلاحية؛ حيث سيعرض ذلك تلك الاتفاقيات إلى "الإلغاء" كونها "ليست شرعية". من جهته قال أحمد ولد داداه؛ رئيس حزب "تكتل القوى الديمقراطية" الموريتاني المعارض، في كلمته التي ألقاها في المهرجان، إن موريتانيا اليوم تعيش في ظرفية تحتاج فيها إلى جيشها "الوطني" أكثر من أي وقت مضى، خاصة وأن "المشاكل" تحدق بها من كل حدب وصوب، لكنه استدرك قائلاً إن مهمة الجيش الوطني هي حماية الوحدة الترابية للبلد وحفظ أمن المواطنين بعيداً عن التدخل في الشؤون السياسية التي يجب أن يتركها الجيش "للسياسيين وللشعب الموريتاني الذي هو المرجعية وهو الهدف وهو الوسيلة". وأكد ولد داداه على ضرورة رحيل ولد عبد العزيز عن السلطة لأنه "يقود البلد إلى المجهول" مستشهداً بما ورد في كلمة اعلي ولد محمد فال؛ الرئيس السابق لموريتانيا، التي قال فيها إن النظام الحالي في البلد ليس نظاماً عسكرياً وإنما هو نظام "فردي". من جانبه قال محمد جميل ولد منصور؛ رئيس حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" ذي المرجعية الإسلامية في موريتانيا، إن الموريتانيين اليوم "بجميع أعراقهم وألوانهم وفئاتهم وتوجهاتهم يقولون لمحمد ولد عبد العزيز نستودعك الله.. ارحل عنا". وتوالت كلمات القادة السياسيين من زعماء المعارضة التقليدية والذين انضموا إليها حديثاً، ليجمعوا بأسرهم على ضرورة رحيل نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز. وقد رفعت خلال هذه المسيرة شعارات كثيرة انتقدت الوضع القائم في موريتانيا ودعت صراحة إلى رحيل النظام، كما هتفت الجماهير كثيراً بهتاف: "الشعب يريد إسقاط النظام". وتعتبر الدعوة الصريحة إلى رحيل نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز تطوراً جديداً في خطاب المعارضة وأنصارها؛ إذ اقتصرت الشعارات التي رفعت في المهرجانات والفعاليات السابقة على الانتقاد اللاذع لسياسات النظام، وإبراز "مساوئه وأخطائه" والمطالبة بالإصلاح والدعوة إلى الحوار، لكن مسيرة الثالث عشر من مارس شكلت منعرجاً كبيراً في خطاب المعارضة، ارتفع بموجبه سقف المطالب من المناداة بالإصلاح إلى الدعوة الصريحة إلى إسقاط النظام.
أبٌ يقتل أبناءه ! مساء السابع عشر من شهر أغشت عام 2012 سيظل عالقاً في أذهان جميع الموريتانيين لما حمله من ألم لكل ذي قلب لين؛ حيث عاش سكان مدينة نواكشوط ليلة مروعة، بعد أن سمعوا وقرأوا عن "جريمة قتل بشعة" ارتكبها أبٌ في حق أطفاله الأربعة في حي شعبي قرب دكان "المنهل" بمقاطعة "عرفات" في وقت مبكر من ليلة الخميس إلى الجمعة. موقع "الوطن" الذي زار مكان "الجريمة" آنذاك وجمع التفاصيل الكاملة عن أحداثها وملابساتها، ورصد ردود أفعال الجيران، نشر وقائع تلك "المجزرة البشرية" التي أبكت مئات الناس ممن لم يعرفوا من قبلُ أسماء ولا هوية ضحاياها ولا منفذها. مرتكب الجريمة لم يكن قاطع طريق ولا "محارباً" ولا "لصاً"، وإنما كان "الأب" الذي يفترض أنه من يوفر الحماية والأمان لأبنائه؛ إذ قرر في لحظة من فقدان "عاطفته" وسَلَب عقله، وتجردٍ من أبوته، أن ينهي حياة أبنائه الأربعة ذبحاً "دون رحمة" ومن غير أن يشعر بأي نوع من أنواع الحنان والعطف على فلذات كبده ! يدعى الرجل على الورق "الحسين ولد محمد سي" ويلقبه الجيران سماعاً بالمجنون، ويناديه أطفاله وأمهم بلقب "بابا"، لكنه آثر أن يوصف في الإعلام باسم "الجزار".. بعد أن حوّل "حركية أطفاله البريئة داخل بيته" إلى "سكون مأتم مفزع تشمئز منه الأعين وتتفطر له الأكباد" وتنصهر من حسرته القلوب. ولد الحسين سنة 1970 وتخرج "ممرض دولة" بعد ذلك بأكثر من عقدين من الزمن، ليزاول عمله "طبيباً" في إحدى قرى الحوض الشرقي، ثم في مقاطعة "ألاك"، قبل أن يعقد قرانه مع أم أبنائه الأربعة السيدة فاطمة منت العرابي، معلناً زواجه منها. عاش معها حياة "كريمة"، تعززت بما رزقهما الله به من "مودة ورحمة"، إذ منحهما الله أربعة أبناء؛ هم كل ما يهمهما ويشغل بالهما معاً إلى غاية تاريخ السادس عشر من شهر أغشت من عام 2012؛ حين قرر الأب منفرداً قطع "مودته" لأبنائه، تاركاً "رحمة الله ولطفه الواسعيْن" يحيطان أمّهم المفجوعة؛ إذ لم يبق لها من حلم العيش مع أبنائها سوى الصبر والاحتساب.. يعاني "الحسين" من اضطرابات عصبية شديدة منذ أكثر من شهرين، استدعت عودته إلى نواكشوط لتلقي العلاج، الذي كانت تشرف زوجته بنفسها على تنظيمه له. لم يكن الأب رغم اختلال عقله البيّن يظهر أي نوع من "مشاعر العداء" اتجاه أبنائه وزوجته، ولذا لم يكن من دواعٍ للقلق عليهم من بطشه بهم، حتى وإن كان لم يعد يملك "مثقال ذرة" من "عقل التدبير والحرص" عليهم.. أقارب الرجل أعرضوا عن مراقبته "الدؤوبة" لأنه "ليس المجنون الباطش"، وإنما هو "المجنون غير المبالي بشيء".. وفقط ! تقول السيدة "أميمه" لموقع "الوطن" إن الضحية الوحيدة لهذه الجريمة هي أم الأطفال، فالأولاد الأربعة (طفلان وبنتان) فقدوا أرواحهم "ولا ذنب لهم وانتهت معاناتهم بانقطاع أرواحهم" أما الأم فستظل تعيش إلى الأبد "كابوس فقدان أبنائها بهذه الطريقة البشعة".. "إنها الضيحة الوحيدة فساعدوها".. تقول أميمه، الجارة الشرقية لأم الأطفال.. " عمر" هو الطفل الأكبر في الأسرة، له من العمر تسع سنوات، وقد كان الوحيد الذي حاول مقاومة والده، لصده عن قتله لكنه فشل حين أحكم أبوه وثاقه، فذبحه من الخلف في "مشهد تقشعر له الأبدان" على حد وصف "أبيبّ"؛ أحد الجيران "السابقين الأولين" إلى مكان الحادث.. لكن قتل البنتين الأنثييْن "دادية" (ميلاد 2007) و"مريم" (ميلاد 2012) وشقيقهما "اشريفي" (ميلاد 2009) لم يستدعِ من "الأب القاتل"، أي وثاق؛ وإنما "اكتفى" بنحرهم جميعاً بآلة حادة، ليلفظوا أرواحهم البريئة على حين غرة.. تعددت الروايات الأولى التي رواها أفراد من الناس الملتفين من حول "العريش المتواضع الذي كانت تقيم فيه الأسرة "المفككة"؛ لكن موقع "الوطن" حصل على معلومات من جيران وأقارب شهِدوا اللحظات الأولى التي تلت تفشي خبر "إعدام الأطفال الأربعة".. تقول "آمنة" وهي عمة الأطفال؛ وأخت الأب القاتل، إن أخاها "لم يكن يكره أبناءه وكان "حنوناً عطوفاً بهم.. حتى بعد أن عانى من اختلال في صحته العقلية".. مضيفة؛ بنبرة مختنقة حسرة وألماً، "لقد انتهت حياتنا بهذه الفعلة.. يا ألله يا ألله..". يسأل الصحفيون الحاضرون وبعض الفضوليين "آمنة" عن شعورها، وهي التي تبدي من حالها تعبيراً أكثر صدقاً وأبلغ إفصاحاً عن هذا الشعور المُسأل عنه، لكنها تتوسل إليهم رجاءً؛ أن "اتركوني.. اتركوني.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. لم يبق منهم أحد !!.. لم يبق منهم أحد !!".. اعتماداً على شهادات الجيران وأقوال الشهود، فإن الأب كان قد اشترى في وقت سابق من مساء الخميس رفقة زوجته ملابس العيد كاملة لأطفاله الأربعة، وعاد إلى المنزل "في حالة طبيعية".. وفي ساعة لاحقة من مساء اليوم نفسه؛ خرجت الأم لتقتنيَ بعض الحاجات من الحانوت؛ وعادت بعد دقائق معدودة، ليستقبلها الزوج بالخبر السيئ؛ "أنني أرحتك من مشاكل الأطفال.. فقتلتهم جميعاً..". أرادت الأم المكلومة أن لا تصدق "نبأ الفاسق" الذي أتاها به على عجل، "فتبينت الأمر" لتقع صريعة من هول الموقف العظيم الذي رأت عليه أبناءهالما تيقنت الأمر، فنادت بعد أن فاقت قليلاً: "وا حسرتاه على ما فرطت فيهم.. إنني مسؤولة عن قتلهم؛ إذ تركته وحده معهم، ليتني كنت معه فقتلني قبلهم !".. أما الأب فلم تتحرك شفتاه بأي كلمة؛ ويقول الجيران إنه "بدا هادئاً"، وتعرض لبعض "الاعتداءات" من طرف مراهقين في الحي انتقاماً منه، قبل أن تصل الشرطة التي اعتقلته فوراً وذهبت به إلى مفوضية عرفات 1؛ حيث أفِلت "شمسه" حتى الآن.. وإلى عين مكان "الجريمة"؛ وصل نائب وكيل الجمهورية، معايناً جثث الأطفال الأربعة، ليصدر إذنه لسيارات تابعة للحماية المدنية بنقل الجثامين الصغيرة إلى المستشفى لتشريحها. وما تزال تلك الجريمة إلى يومنا هذا عالقة بالأذهان لما تركته من صدمة لدى كل الموريتانيين.
..وانتهى بالرصاص
الرئيس المصاب ! لأنه العام الذي استحق بجدارة أن يوصف بعام الرصاص، أبت الأقدار أن ينقضي عام 2012 قبل أن يعرف إطلاق الرصاص على الرجل الأول في موريتانيا في الثالث عشر من شهر أكتوبر. ولم يكن الرصاص هذه المرة عادياً، لأنه استهدف شخص الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي أجريت له عملية جراحية عاجلة، في ما احتاج لاحقاً إلى مواصلة العلاج خارج البلد، في رحلة أسالت الكثير من الحبر ووعت نقاطاً فاصلة في تاريخ البلد. بدأت القصة عندما تناقلت وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية نبأ إصابة "شخص مهم" في الدولة بطلق ناري نقل على إثره إلى المستشفى العسكري بنواكشوط لتلقي العلاج. وسرعانما انكشفت هوية المصاب الذي لم يكن سوى الرئيس محمد ولد عبد العزيز، فولى آلاف الموريتانيين وجهتهم صوب المستشفى العسكري استخباراً لأي أمر جديد حول مصير الرجل الأول في البلاد. ساعات خضع خلالها الرئيس لعملية جراحية معقدة كانت كفيلة بكشف الستار عن الجزء الأول من التفاصيل؛ حيث خرج الرئيس نفسه عن طريق التلفزيون الرسمي ليهنئ الشعب الموريتاني على نجاح العملية بعد أن تعرض لإطلاق نار "عن طريق الخطأ" من طرف وحدة من الجيش الموريتاني كانت ترابط على "طريق غير معبدة" على بعد 42 كلمتراً شمال العاصمة نواكشوط. نقل الرئيس فجراً إلى العاصمة الفرنسية باريس؛ وهناك أسدل الستار على أخباره الحقيقية؛ حيث وجدت الشائعات طريقها المعبدة إلى الصحافة الوطنية. وصلت الشائعات ذروتها عند الحديث عن "عجز كلي" للرئيس محمد ولد عبد العزيز، وبحث "الجنرالات الحاكمين" عن بديل له، حتى وإن اقتضى الأمر إعلان انقلاب عسكري عليه تتلوه "مرحلة انتقالية" تؤدي إلى انتخاب رئيس جديد, وتلقف قادة منسقية المعارضة هذه الشائعات بسرعة وأعلنوا "على الملأ" التعامل مع الوضع جديد افتراضاً لصدق ما تسرب من أخبار. وهكذا تنازل قادة منسقية المعارضة في مهرجان مشهود نظموه في نواكشوط، عن شعار "رحيل النظام" الذي استبدلوه بشعار "ملأ الفراغ"، مجزمين بأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز بات عاجزاً كلياً عن مزاولة مهامه، بل إن رئيس أحد الأحزاب المعارضة أقسم أمام أنصاره بأن الرئيس "عاجز عن القيام بمهامه". مرت الأيام ولا حديث لدى الناس إلا عن ملأ الفراغ والتكهن حول هوية الرئيس القادم لموريتانيا. وحين بلغت التكهنات بانتهاء الرئيس ذروتها، فاجأ "عزيز" كل الموريتانيين معارضين وموالين بظهوره فجأة في زيارة للرئيس الفرنسي بقصر الأليزيه؛ ليعود بعد ذلك بأيام إلى العاصمة نواكشوط مساء الرابع والعشرين من شهر نوفمبر، ويحظى باستقبال شعبي يقول عنه مناصروه إنه الأكبر في تاريخ البلد.
نقلا عن صحيفة الوطن الموريتانية |