الحكومة الجديدة: حكومة كفاءات أم مكافئات أم انتخابات؟ |
الأربعاء, 12 فبراير 2014 16:18 |
تنفس الشراع السياسي الموريتاني الصعداء بعد أن حبس أنفاسه لأزيد من أسبوعين من استقالة الحكومة التي أدارت الشأن السياسي في معظم تشكلتها المنصرفة بعد انتخابات الرئاسة 2009. طيلة هذه الفترة التي اعتبرها البعض من أطول فترات انتظار لتشكيل حكومة سكب مداد كثير تنبئا تارة وجزما طورا. كما ظهرت تحليلات سياسية تحاول قراءة ملامح حكومة ما قبل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في غضون أشهر قلائل. وتوقع العديد من المحللين أن تكون الحكومة التي سيكون عمرها من أقصر فترات الحكومات التي تعاقبت علي البلاد بحكم قرب الرئاسيات تحمل مفاجئات من العيار الثقيل لأسباب عزاها بعضهم لكونها ستدير فترة حساسة (ما قبل الانتخابات الرئاسية) وفي أفق تصريح الوزير الأول المكلف لرابع مرة مولاي ولد محمد لقظف من أنها ستكون "حكومة كفاءات وذات تمثيل واسع". ولم يتفاءل البعض الآخر بشأن أن تحمل هذه الحكومة أي تغيير يذكر عدي بعض الأوجه التى تم استهلاكها وفشلت علي المحك السياسي بعد الانتخابات البرلمانية والبلدية التى شهدتها البلاد قبل نحو شهرين. وبعد كشف الرئيس صاحب القرار الفعلي والوزير الأول صاحب الاقتراح الشكلي تطرح ثلاثة أسئلة مشروعة. هل هي حكومة كفاءات أم هي حكومة مكافئات أم حكومة انتخابات؟ تشكلة الحكومة "الجديدة القديمة" لم تتغير في عمقها حيث احتفظ الرئيس بأغلب وزرائه خصوصا وزراء السيادة. ويحمل هذا رسالة أولي واضحة هي الميل إلي إحداث نوع من الاستقرار خصوصا علي مستوى القطاعات الحساسة لمواصلة الملفات ولكون أصحابها استطاعوا ربما إقناع سيادته بإدارتهم لتلك الملفات.
قطب الكفاءات وزير الخارجية والتعاون مثلا دبلوماسي بالممارسة والمهنة وخدم طويلا في الدبلوماسية مما أكسبه تجربة مهمة لمنصب حساس يرتبط بصورة البلد وعلاقاته وحضوره الدولي. صورته تتنازعها حقيقتا الأولي مشوهة داخليا والثانية مقنعة خارجيا. فالحقيقة المشوهة داخليا لصورة الرجل هي كونه كان سفير البلد إبان فترة الرئيس معاوية ولد سيدى أحمد الطايع في تل آبيب حينما أقيمت تلك العلاقة التي شكلت نقطة سوداء فى تاريخ البلد العربي الذي يعتبر قلعة منيعة من قلاع الدفاع عن العروبة والقضية الفلسطينية. ومازالت لعنة تلك تلك الخطيئة تلاحقه لحد الساعة إذ مازالت حاضرة فى الذاكرة الوطنية. أما الحقيقة الثانية فهي تجربته في الدبلوماسية التي تجعله أكثر إقناعا خارجيا لدي أغلب الدول.
وزير الداخلية شاب تألق نجمه في الداخلية بعد ما تقلد عدة مناصب من رئاة مركز الي حاكم ووالي مساعد ووالي ومستشار لوزير الداخلية. ومروره بجميع هذه المفاصل وفي أماكن متباينة من الوطن يعطيه ورقة رابحة وخبرة يعول عليها فى تسيير الشأن الداخلي ويظل الرئيس بحاجة إليها فى مستقبل الأيام. كان الرجل واليا في ولاية الحوض الشرقي في ظرفية حساسة مرت فيها البلاد بتحديات أمنية خطيرة. وهي الولاية التي تتقاسم دودا طويلة مع جمهورية مالي التي تتمركز في جنوبها التنظيمات المسلحة الإرهابية التي هي في حرب كَرٍ وفَرٍ مع البلاد. وخرج من الولاية بسلام مما يعني أنه كان يدير القضية بشكل مرضي. صغر عمره قد يراه البعض معوقا لأن الداخلية بحكم علاقتها بإدارة شؤون المواطن المعقدة أصلا والملف الأمني المتسم بالتحدي بطبعه تتطلب شخصية ذات مراس ودربة طويلة. لكن تجربته تلك تشفع له وربما تجعله أحد الرهانات الأساسية المعول عليها فى إدارة الشأن الداخلي في المستقبل. كما أن وزراء التتنمية الريفية والطاقة والنفط والتجهيز والنقل هم أطر تخرجوا من مدرسة أسنيم التي تضم كفاءات وطنية معروفة كثيرا ما يلجأ لها الرئساء فى تطعيم حكوماتهم بتلك الكفاءات.
قطب الانتخابات وإذا كانت هذه كفاءات يعتمد عليها فإن استمرارها في الحكومة كذلك يعني قراءة انتخابية للحكومة حيث إن إبقاء وزراء لديهم ملفات حساسة لمواصلتها وعدم اسنادها الي آخرين جدد فى ظرف يفصل قليل من الوقت عن الرئاسية يشير الي ذلك خصوصا أنها تتعلق ببرنامج الرئيس الذي وعد به الشعب ضمن مأموريته الأولي.
وفي نفس الوقت فإن إشراك الأحزاب الأكثر تمثيلا فى البرلمان من الأغلبية يعد كذلك إشارة واضحة إلي التعويل علي هذا الأطراف السياسية التى أصبحت بحكم الانتخابات الأخيرة وازنة فى الخريطة السياسية. وهو ما لن يفرط فيه الرئيس.
قطب المكافئات لا شك أن الحملة الانتخابية البلدية والبرلمانية طرحت تحديا كبيرا للحكومة والحزب الحاكم. فكان لزاما عليهم القيام بعملية استقطاب واسعة بجملة من المغريات. والمغريات التي عادة ما تعود السياسيون عليها هي تقاسم كعكة يطمع فيها القاصي والداني. والنصيب الذي يريده الكل من الكعكة بالطبع هو الحكومة. لذلك فإن اسناد حقائب للأحزاب المناصرة يدخل ضمن المكافئة ليس إلا.
عنصر جديد بالتأكيد فإن الملاحظ للحكومة الجديدة يري دخول عدد أكبر من النساء حيث دخلت 7 نساء إذا ما اعتبرنا مفوضة حقوق الانسان. ويقرأ البعض في هذا طابعا اجتماعيا يزيد من اشراك المرأة وربما تأكيد علي تطبيق الرئيس للنسبة المخصصة للعنصر النسوى. ويذهب آخرون علي أنه ليس من شك في أن إدخال وزيرة الثقافة الجديدة يعني توجيه رسالة قوية الي أنه ليس هنلك أي تهميش اجتماعي مهما كان نوعه. ومهما يكن من أمر فإن المحددات التي صرح بها الوزير الأول المأمور تحقق الي حد ما في الكفاءات لكنه لم يتحقق بالشكل الذي كان يتوقعه الرأي العام الوطني علي مستوي التمثيل "الواسع" ربما يكون الوزير قصد حينها اشراك فئة اجتماعية جديدة. ------------------------------ محمد لفظيل أحمد |