الحزب المعمدان |
الخميس, 15 مايو 2014 10:12 |
هذه ملاحظة متكررة وليست فقط متعلقة بأحداث الساعة. ما إن يُعلن عن هجرة سياسية من حزب سياسي موريتاني حتى يقفز الحزب بكل جلاله وكبر دراعته ويتربع في وسط الجماعة مُقسماً بجامع الأيمان وبالأيمان المغلظة والمجلجلة أن الجماعة المُغادرة ليست من الحزب في شيء وليس الحزب منها في شيء وإنما هي جماعات من القردان وسقط المتاع وأخفاف حنين وسربال أشعب لفقّها الإعلام على الحزب البريئ. وأن الحزب فوق الإنسحابات (التي يعترف- هكذا بمنتهى السذاجة- أنها أمرٌ مفحم).
وتبدو الأحزاب الموريتانية كأنها أسطورة النعام، الذي يدفن رأسه في التراب (نقول "أسطورة" لأن النعام الحقيقي لا يدفن رأسه في التراب، وكل القصة هي تلفيق من الصيادين الأوروبيين). وعندما تنكر هذه الأحزاب حقائق الإنسحاب فهي تريد إقناع الجمهور أن القناعات السياسية في البلد مجردة من المصالح المجموعاتية والتدرج الوظيفي وسياسات الضغط والانبطاح للنظام ومتغيرات الخيارات الجماعية. وخلف هذا الرأي السطحي (الذي لا يعبر عن حقيقة الرأي السياسي حتى في أكثر المجتمعات فردانية) تكمن ثنائيات الحق والباطل؛ إذ يعتقد الحزب أنه، بما أنه يمتلك الحقيقة، فإنه من الصعب على منتسبيه الانسحاب منه.
بل إن في الأمر ممارسة لبداهية تطابق الحزب بالحقيقة، لأنه إذا ثبت أن انسحابات حصلت فإن هذا يهدد نبراس الحزب وحاكميته؛ فالناس، بحسب الحس الشعبي، لا يرتدون من الإسلام؛ بل يرتدون عن بقية الأديان المنسوخة. والارتداد والانشقاق- حسب هذا الرأي- ليسا صفة التداول والتفكير بل هما صفة التضعضع وعدم الولاية. وعندما يتأكد انشقاق مناضل (وأحياناً هو مناضل صنعه الحزب بالألقاب الكبيرة) فإن هذا المناضل يتعرض لرجم الآلاف من أنصار الحزب باعتباره مرتداً عن الحق. وليس باعتباره صاحب تفكير ونقلات شطرنجية مشروعة وخاصة بشخصيته وحريته. وفوق هذا يقوم الحزب بمغالطة ادعائه معرفة أتباعه، وكأنه قادر على توثيقهم رغم أن السنين تدوم بين حملاته الانتسابية (وفي أحزاب كثيرة لا توجد أصلاً توثيقات انتسابية؛ أو هي حملات غير دقيقة كحملة الحزب الحاكم في 2010)؛ ورغم أن هذه الحملات لا توثق الانضمامات في عز الحملات الانتخابية أيام نشاط المغاضبين (الذين يستفيد منه الحزب في غضبهم وينكر عليهم انسحابهم في أيام رضاهم). وبهذا المعنى يسقط الحزب في مغالطة ربط الإيمان بالتوثيق. فلا يصبح الانتماء للحزب بالإرادة الفردية خارج بطاقة الانتساب صالحاً. وهكذا يتبنى الحزب مفهوماً تعميدياً للانتماء الحزبي. يمكن ببساطة تحوير المثل. من الصعب على محمد سعيد الصحاف دخول الحفلة ولو متنكراً لأن أقدامه ستكشفه. -------------------------------- من صفحة الأستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك |