مستشار الوزير الأول يكتب: الخبر اليقين على إدراك شرعية تأجيل الشوط الثاني
الاثنين, 09 ديسمبر 2013 11:28

الخبر اليقين

altفي هذا السرد المُعين

على إدراك شرعية تأجيل الشوط الثاني إلى الواحد والعشرين وفهم اختيار الحكومة في المفاضلة بين المراسيم والقوانين

د. محمد إدريس ولد حرمه ولد بابانا

مستشار الوزير الأول، القانوني إدريس ولد حرمه ولد بابانا

--------------------------------------------------------------------

تتوفر اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، بموجب المادة الثانية من القانون النظامي المنشئ لها رقم 2012-027 الصادر بتاريخ 12 أبريل 2012، على كامل السلطات لتحضير وتنظيم مجموع العملية الانتخابية والإشراف عليها بدءا بمرحلة التصديق على الملف الانتخابي ولغاية الإعلان عن النتائج. فهي تتكفل بكافة العمليات المرتبطة بالانتخابات وعلى الخصوص تنظيم مكاتب التصويت وتخزين المعدات الانتخابية وإرسالها في الوقت المناسب وعلى مسؤوليتها ونفقتها إلى مراكز ومكاتب التصويت وتصميم وطبع وتوزيع بطاقات الناخبين وبطاقات التصويت وتنظيم عمليات التصويت والفرز وصياغة المحاضر وإرسالها ومركزة وإعلان نتائج الانتخابات التشريعية والبلدية. وتتمتع اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، طبقا للمادة 5 من قانون إنشائها، بكامل الاستقلالية في أداء وظائفها و لا تتلقى أي تعليمات من أي سلطة أو مؤسسة سواء كانت عامة أو خاصة.

في هذا الإطار حددت اللجنة الانتخابية بموجب المداولة رقم 019 بتاريخ 21 أغسطس 2013 يومي 23 نوفمبر و 7 ديسمبر 2013 لتنظيم الشوطين الأول والثاني لانتخاب النواب في الجمعية الوطنية والمستشارين في المجالس البلدية. وتمشيا مع الالتزامات التي ألقاها القانون النظامي المنشئ للجنة الانتخابية على كافة السلطات، المتمثلة في الاستجابة لمطالبها المتصلة بالعملية الانتخابية، اتخذت الحكومة بتاريخ 22 أغسطس 2013، طبقا للمدونة الانتخابية التي تمنحها هذه الصلاحية، مرسوما يدعو هيئة الناخبين للاقتراع في الآجال المحددة من طرف اللجنة الانتخابية.

وتم بالفعل تنظيم الشوط الأول من الانتخابات التشريعية والبلدية في الموعد المحدد له أي 23 نوفمبر 2013. غير أنه قبل 4 أيام من حلول الموعد المحدد سلفا للشوط الثاني (خصوصا بالنسبة للقوات المسلحة وقوات الأمن الذين يدلون بأصوات في اليوم السابق)، أصدرت اللجنة الانتخابية المداولة رقم 034 بتاريخ 2 ديسمبر 2013 تطلب فيها تأجيل الشوط الثاني للانتخابات التي كانت مقررة يومي 6 و7 إلى 21 ديسمبر الجاري (20 ديسمبر بالنسبة للعسكريين والشرطة) بسبب المعوقات القانونية والمادية التي تحول دون تنظيم الشوط الثاني للانتخابات التشريعية والبلدية في الموعد المحدد والمتمثلة في حالة تقدم مسار إعلان نتائج الشوط الأول وضرورة منح الأجل الكافي للجهات المعنية للنظر في الطعون ذات الصبغة النزاعية، بالإضافة إلى التزامات اللجنة الانتخابية المتعلقة بالآجال تجاه الشركة التي تتولى طباعة بطاقات التصويت والتي لا يمكن بدونها إجراء أية انتخابات.

ورغم قناعة الحكومة باستحالة تنظيم الشوط الثاني للانتخابات التشريعية والبلدية في الموعد (بعد ثلاثة أيام) نتيجة للأسباب التي أوردتها اللجنة الانتخابية فقد حرصت على طلب رأي المجلس الدستوري حول سلطتها في إقرار تأجيل الشوط الثاني للانتخابات التشريعية والبلدية إلى التاريخ المقترح من طرف اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.

أجاب المجلس الدستوري في رأيه الاستشاري رقم 008/2013/م.د. بتاريخ 3 ديسمبر 2013 بأنه تأسيسا على "الطابع الاستعجالي الذي لا يسمح بالمرور بالمسطرة العادية لتغيير النصوص، ... فإنه يتعيّن على الحكومة من أجل تغيير موعد الشوط الثاني للانتخابات أن تسلك إحدى الطريقتين المنصوص عليهما في المادتين 59 و 60 من الدستور". وبناء على مداولة اللجنة الانتخابية والرأي الاستشاري الإيجابي للمجلس الدستوري، اجتمعت الحكومة في اليوم الموالي وصادقت على مرسوم يقضي بتأجيل اقتراع الشوط الثاني لانتخاب النواب في الجمعية الوطنية والمستشارين في المجالس البلدية إلى 21 ديسمبر 2013.

أثار مرسوم تأجيل الشوط الثاني الذي اتخذته الحكومة مسألتين قانونيتين تتعلق الأولي بمدى شرعية التأجيل والثانية بتبرير إحجام الحكومة عن اتباع مسطرة قانون التأهيل المنصوص عليها في المادة 60 من الدستور لتصحيح الوضع.

المسألة الأولى : شرعية التأجيل

شكّك بعض القانونيين في شرعية مرسوم التأجيل بالنسبة للانتخابات التشريعية بدعوى أن المدونة الانتخابية تنص على أن المدة الفاصلة بين الشوطين الأول والثاني هي أسبوعان فقط.

والحقيقة أنه بإمعان النظر في صياغة المادة 24 من الأمر القانوني رقم 91-028 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر1991، المعدل، المتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب النواب في الجمعية الوطنية يظهر جليا أنها تحتمل تفسيرين. فقد جاءت صياغتها كما يلي " إذا لم يحصل أحد المترشحين على الأغلبية المطلقة في الشوط الأول من الأصوات المعبر عنها ، يجرى شوط ثان بعد أسبوعين. ولا يمكن أن يترشح في الشوط الثاني إلا المترشحان اللذان حصلا على أغلبية الأصوات.". التفسير الأول هو بدء سريان مدة أسبوعين الواردة في القانون اعتبارا من الشوط الأول. ولكن إذا لم تصدر نتائج الشوط الأول في اليوم أو اليومين المواليين للاقتراع وتزامن تأخير إعلانها مع ارتفاع عدد الطعون لدى قاضي الانتخابات فإن هذا التفسير سيصطدم مع أحكام المادة 22 من القانون النظامي المنشئ للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات الذي يعطي للمجلس الدستوري وللمحكمة العليا، حسب الحالة، أجلا للبت في النزاع أقصاه 15 يوما اعتبارا من تاريخ تعهده بالطعن. إذن سيظهر عندئذ عجز هذا التفسير عن مجاراة الواقع العملي.

أما التفسير الثاني فهو اعتبار بدء سريان الأجل من يوم إعلان النتائج وليس من تاريخ اقتراع الشوط الأول لأنه من تاريخ هذا الإعلان فقط ستتم رسميا ملاحظة عدم حصول الأغلبية المطلقة وبالتالي تأكُد الاتجاه إلى الشوط الثاني. ورغم أن هذا التفسير لم يُعمَل به قط في الانتخابات السابقة إلا أنه يبدو منسجما مع المادة 24 سالفة الذكر : " إذا لم يحصل أحد المترشحين على الأغلبية المطلقة في الشوط الأول من الأصوات المعبر عنها ، يجرى شوط ثان بعد أسبوعين."

إذن بوجود هذين التفسيريْن المقبوليْن، ما الذي يمنع الحكومة قانونيا من أن تُحدد تاريخ الشوط الثاني باتباع التفسير الأول ثم إذا أبانت المستجدات قصوره عن مسايرة الوضع القائم تنتقل إلى التفسير الثاني خصوصا وأن اجتهاد المجلس الدستوري قد استقر منذ 2009 على أن المراسيم المتعلقة بتأجيل الانتخابات تعتبر من القرارات السيادية الخاضعة للسلطة التقديرية للحكومة.

على كل حال لم يتناول المجلس الدستوري مسألة التفسير وإنما رخص للحكومة التصرف على أساس القوة القاهرة التي عبّر عنها بالطابع الاستعجالي.

فعندما تلقى المجلس الدستوري طلب الاستشارة قبل 3 أيام من موعد الشوط الثاني لم تكن اللجنة الانتخابية آنذاك قد أعلنت نتائج الشوط الأول وبالتالي لم يكن المجلس نفسه قد استلم محاضر إعلان النتائج التي تخوله استقبال الطعون والبت فيها في أجل قد يصل إلى 15 يوما من تاريخ تعهده بالقضية. ولا غرابة في مسألة تركيز المجلس على آجال الطعون لأنه سبق أن رفض إعلان مطابقة القانون النظامي المنشئ للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات مع الدستور بقراره رقم 001/2012/م.د بتاريخ 13 فبراير 2013 لأسباب منها خلوّ القانون المعروض عليه من مسطرة وآجال للطعون. وترتّب على هذا الرفض إرجاع القانون إلى البرلمان للمصادقة عليه من جديد بعد إضافة إجراءات وآجال الطعون لدى مختلف مستويات اللجنة الانتخابية ولدى كل من المحكمة العليا والمجلس الدستوري. عندئذ أقرّ المجلس الدستوري في قراره رقم 007/2012/م.د. بتاريخ 8 أبريل 2012 بمطابقة القانون المعدل مع الدستور وأمكن بالتالي إصداره من طرف رئيس الجمهورية ودخوله حيز التنفيذ.

لم يشذّ المجلس الدستوري عن أمثاله في بقية بلدان العالم بإفصاحه عن الطابع الاستعجالي الذي يفرض على الحكومة التحرك في اليومين المتبقيين قبل حلول موعد توجه الناخبين إلى مكاتب التصويت في اقتراع مستحيل بسبب غياب مرشحين نهائيين للشوط الثاني وانعدام بطاقات التصويت. ففي فرنسا، تنص المدونة الانتخابية على أنه إذا لم يحصل أي من المترشحين للانتخابات الرئاسية على الأغلبية المطلقة في الشوط الأول، فإنه يجب على المجلس الدستوري أن ينشر في أجل أقصاه يوم الثلاثاء الموالي عند الساعة الثامنة ليلا عدد الأصوات التي حصل عليها كل مترشح. غير أن هذه المدة لم تكن سنة 1974 كافية كي يستقبل المجلس الدستوري الفرنسي كافة المحاضر وفحصها فاعترف لنفسه بالحق، تحملا لمسؤولياته، في تصحيح هذا الوضع بدون تعديل القانون أو اعتبار خطوته مخالفة له وذلك بإصدار القرار رقم 74-33 بتاريخ 24 مايو 1974 معلنا فيه تأجيل نشر عدد المصوتين في الشوط الأول بالنسبة لكل مترشح إلى يوم الخميس الموالي عند منتصف النهار. وفي غينيا، تم سنة 2010 تأجيل الشوط الثاني بأسابيع، بناء على طلب اللجنة الانتخابية في غينيا، لتمكين المحكمة العليا من النظر في كافة الطعون المقدمة إليها متجاوزا بذلك الآجال المحددة في المدونة الانتخابية الغينية. وللأسباب ذاتها قررت المحكمة العليا في المالديف، عكس ما هو منصوص عليه في المدونة الانتخابية المالديفية، تأجيل الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة يوم 13 نوفمبر 2013.

إذن تم إصدار الحكومة لمرسوم تأجيل الشوط الثاني بناء على مداولة اللجنة الانتخابية صاحبة السلطة الكاملة في تحضير وتنظيم مجموع العملية الانتخابية، واستنادا على رأي استشاري للمجلس الدستوري باعتباره قاضي المنازعات الانتخابية التشريعية، الذي أسس ترخيصه للحكومة على القوة القاهرة.

المسألة الثانية : المفاضلة بين الطريقتين المحددتين من طرف المجلس الدستوري

أوضح المجلس الدستوري في رأيه الاستشاري سالف الذكر بأنه يتعيّن على الحكومة من أجل تغيير موعد الشوط الثاني للانتخابات أن تسلك إحدى الطريقتين المنصوص عليهما في المادتين 59 و 60 من الدستور.

تنص المادة 59 من الدستور على أن المواد الخارجة عن مجال القانون تكون من اختصاص السلطة التنظيمية أي المراسيم والمقررات والقرارات الإدارية. بينما تقضي المادة 60 بأنه للحكومة، ومن أجل تنفيذ برنامجها، أن تستأذن البرلمان (قانون تأهيل) في إصدار أمر قانوني يُتخذ في مجلس الوزراء خلال أجل مسمى يقضي باتخاذ إجراءات تدخل عادة في مجال القانون.

وتدخل الأوامر القانونية حيز التنفيذ فور نشرها غير أنها تصبح لاغية إذا لم يتسلم البرلمان مشروع قانون التصديق قبل التاريخ الذي يحدده قانون التأهيل.

يبدو للوهلة الأولى أن المجلس الدستوري قد خيّر الحكومة بين طريقتين وفي هذه الحالة لا تجوز محاسبتها على تفضيل إحداهما على الأخرى. غير أنه في الواقع لم يترك المجلس الدستوري للحكومة من خيار سوى الأخذ بالطريقة الأولى الواردة في المادة 59 من الدستور لأن الطريقة الثانية المتمثلة في تعديل القانون بأوامر قانونية بناء على قانون للتأهيل والتي تعتبر الأكثر وجاهة باعتبارها ستنهي الجدل بشأن أجل الأسبوعين على غرار الأمر بالنسبة للانتخابات البلدية، إلا أنها في الحالة المثارة تبدو غير مناسبة وغير مجدية.

لمواجهة الوضعية عن طريقة الأوامر القانونية، سيتعين على الحكومة أن تقوم أولا بالمصادقة على مشروع قانون تأهيل يسمح لها عن طريق أوامر قانونية وخلال مدة محددة بتعديل أحكام المدونة الانتخابية المتعلقة بالأجل الفاصل بين الشوطين الأول والثاني. ثم يُحال هذه المشروع إلى البرلمان للمصادقة عليه بغرفتيه ثم انتظار أجل 8 أيام على الأقل قبل عرضه على رئيس الجمهورية للإصدار. بعد ذلك تجتمع الحكومة من جديد لاتخاذ الأوامر القانونية المعدلة للمدونة الانتخابية ثم تصادق لاحقا على مشروع قانون التصديق على هذه الأوامر القانونية ويحال المشروع بدوره إلى البرلمان للمصادقة عليه وإلا أصبحت الأوامر المتخذة لاغية. هذه الطريقة أسرع من المسطرة التشريعية العادية إلا أنها غير مناسبة لأنها ستتطلب في أحسن الظروف 12 يوما في الوقت الذي لا تتوفر فيه الحكومة إلا على أجل يومين لمعالجة مسألة التأجيل.

كما أن هذه الطريقة غير مجدية لأنه يستفاد من المادة 60 من الدستور بأن قوانين التأهيل تصبح لاغية بانتهاء سلطات الجمعية الوطنية إذا لم تكن قد صادقت قبل ذلك على قانون التصديق على الأوامر القانونية ذات الصلة. وهذا المصير لا مفر منه لأي قانون تأهيل يتم اتخاذه في هذه الفترة لأنه وفقا للمادة 15 من قانون مراجعة الدستور لسنة 2012، ستنتهي سلطات الجمعية الوطنية الحالية بمجرد الإعلان عن النتائج النهائية لاقتراع الشوط الثاني للانتخابات التشريعية. إذن سيقود إعلان النتائج إلى بطلان قانون التأهيل وكذلك الأوامر القانونية المتخذة على أساسه وبالتالي بطلان اقتراع الشوط الثاني.

بناء على ما تقدم، يمكن القول بأن المجلس الدستوري أورد بصفة عامة الحالتين المتاحتين عادة للحكومة في حالة الاستعجال للتعامل مع الأحكام التشريعية الانتخابية مع علمه، للأسباب المتقدمة، بأن لا سبيل أمام الحكومة في القضية المحالة إليه سوى اتخاذ مرسوم بالتأجيل الذي عبر عنه المجلس بالسلطة التنظيمية القائمة على حالة القوة القاهرة التي عبر عنها بحالة الاستعجال.