نحو عقد إجتماعي موريتاني/ جعفر محمود
الجمعة, 13 ديسمبر 2013 15:49

alt المشاكل المجتمعية والوطنية الكبرى تحتاج لكتاب كبار يرسمون الطريق ويحددون المعالم ويوضحون للرأي العام البوصلة التي تستهدف الوطن وتستهدف المواطن بمشروع مجتمعي حقيقي ينتشله من واقع العجز وواقع التردي وواقع

العجز. والمفارقة العجيبة في الحالة الموريتانية التي تعرف مشاكل كبرى تهدد تماسك المجتمع واستمرار الدولة أن الكتاب الكبار أستقالوا من دورهم ولم نقرأ رغم كل هذه الأزمة ورغم ماقد تسفر عنه من تبعات حرفا واحدا لمحمد يحظيه ولد ابريد الليل ولا عبدوتي ولد عالي ولم نسمع صوتا لمحمد فال ولد سيدي ميلة ولم يكتب محمد محمود ولد ودادي ولا آخرون من كبار كتاب موريتانيا ومنظريها. لقد غاب كتاب موريتانيا الكبار عن ازمة موريتانيا وتركوا الهواة يسطرون بعض الخواطر المسكونة بفجائية اللحظة وسرعة التحليل وسطحية التناول ، وامام هذه المفارقة أجد عذرا ، وأجدا مدخلا لأدون بعض الحروف متناولا ما أحسه مشكلا وطنيا من زاويتي ، وليعذرني الكبار فتطاولي مبرره أنهم أستقالوا من الحروف وأنهم تركوا الوطن في عز عجزه وفي عز حاجته لمداد أقلامهم يقولون في الإستراتيجية أنه إذا واجهت مشكلة عميقة الدولة والمجتمع فتمسك بالمجتمع ودع الدولة ، لأن المجتمع بضمان تماسكه قادر على إنتاج وإفراز دولة ثانية بناء على تفاعلاته ،وهنا في الحالة الموريتانية يجب أن نتمهل ونحلل لحظة الدولة الأولى ، وهل كانت ساعتها تعبيرا عن الجماعة السابقة على الدولة "المجتمع" أم أن فجائية اللحظة وكثافة خطاب التحرر والإستقلال أستهلكنا في تلك الظرفية حتى أوقعنا في هذه الورطة التي نغوص فيها الآن حد الإنهيار ، لانحتاج لجهد لنقول أن هناك مشكلة تهدد المجتمع وأن هناك صراعا حقيقيا بين الدولة والمجتمع وبين بنيات المجتمع ومكوناته ، فحين نتأمل الإفراز "اللاوطني" للإنتخابات الأخيرة نخرج بعدة نتائج : أن الدولة في بعض الأماكن تخلت عن دورها التقليدي لتسمح بالصراع بين المجموعات القبلية وتضرب بعضها ببعض ، وأن الدولة في بعض الاماكن دخلت بشكل مباشر في اشتباك مع المجتمع ممثلا في القبيلة كوحدة إجتماعية تسيطر على تفكير الفرد الموريتاني ، ويتعاطى معها كوحدة تحليل ورؤية للواقع بسبب عجز الدولة عن بناء بديل تنموي وبديل وطني وقانوني يحمي الفرد ويعزز إقتناعه وإنتمائه له..إن الإنسان دوما في حاجة لتنظيم ، وهو الذي ينتج الإطار الذي ينظمه وحين لايجد غايته في الدولة يبحث عنها في القبلية والعكس ممكن. إن نقاش الإفرازات الاخيرة سيطرت عليه النزاعات الحزبية والصراعات الإعلامية وغابت عن النقاش محصلته الأساسية ومحصلته العميقة والتي تهمنا هنا ، وهي أننا أمام "محدثي سلطة" و"محدثي سياسية" يلعبون بمصالح المجتمع وبأسس تماسكه وسلمه الاهلي ، ولم يوفروا في هذا الصراع أي معطى من المعطيات الناظمة للحياة سواء كانت دينية أو ثقافية او تاريخية او جتماعية أو روحية . إن محدثي السلطة الذين اعني هنا هم النظام الحالي، والراغب في تجاوز كل التراكم القائم قبله ، ومحدثي السياسة هم بعض الاحزاب الجنينية التي أقتسمت مع النظام الغنيمة الإنتخابية ، وشاركت معه بنفس وسائل التعبئة والحشد والتي هي وسائل صراع خفي أحيانا وظاهر في معظم الأحيان . إن محصلة هذا عند إسقاطه على الحالة الإجتماعية الموريتانية نجد ان البنية الإجتماعية الناظمة للتماسك والسلم الاهلي بدأت تتفكك وبدات تتمايل بين رغبة النظام على السيطرة وإستغلاله لحضور اطره داخل هذه الاوساط وتفكيكه للمشهد السياسي على أسس طبقية وعمرية وجنسية ، مما نتج عنه إنقسام وشرخ عميق داخل البنيات التقليدية والتي كان إنتظامها وفق خطاب وموقف سياسي واحد عامل تماسك وعامل سلم تاريخي ، إن السياسة في العادة التي تعود عليها الموريتانيين هي سياسة توازن وسياسة مصالح وليست سياسة صراع ، لان عقلية الصراع لدى الموريتاني لاتبقي حبيسة الحقل السياسي بل يجب ان تتجاوزه ماديا لتاخذ أبعاد أخري وهذا إرث تاريخي قريب الحضور في العقل الموريتاني . إن لعبة النظام هذه تعززت بدخول محدثي السياسة معه على الخط ، وتقاسم نفس الوسائل معه ماجعل الدولة بكل رمزيتها المؤسسية تتصارع مع قبيلة ماينتج عنه عداء إجتماعي بين الدولة وبين أفرادها ،إننا أمام دولة تضع نفسها في صراع مع أفراد من مواطنيها وتستخدم كل وسائلها لقهر إرادتهم فكيف سيكون التعايش بين الدولة في هذه الحالة وبين مواطنيها ، وماقدرة الدولة التي يوظفها نظام لحسم صراعاته السياسية على مواجهة تبعات المشاكل الإجتماعية التي ستسفر عنها الصورة الإنطباعية التي ستترسخ جراء سقوط هيبة الدولة ونزولها لمستوى فصيل سياسي يشتبك بوسائل بدائية . إن المسؤولية هنا عامة ولاتقتصر فقط على محدثي السلطة في النظام ومحدثي السياسة إذ تتجاوزهم للطبقة السياسية التقليدية والتي هذبت على مدار طويل المشهد السياسي ، وساهمت في إستقراره ، وإعتزال تلك النخبة والتمسك براديكالية الخطاب ضد النظام وترك المشهد مفتوحا لبعض الهواة ومحدثي السياسة مساهمة أخرى في ضرب المجتمع وضرب تماسكه وتعريض الوحدة الوطنية والترابية لخطر حقيقي ، والمطلوب امام هذه الحالة من هذه النخب هو إنتاج أرضية جديدة لعقد إجتماعي يعيد إنتاج شرعية حقيقية تتجاوز المشكل البنيوي الذي تسبب فيه النظام بإستخدامه المباشر للدولة في صراع مع المجتمع وتسببت فيه الفئات السياسية المتنافسة معه في إستخدام نفس منطقه ونفس وسائله ، إن النظام الديكتاتوري لايلام إذا كان باحثا عن مصالحه وممارسا لماهيته ، لكن تلام المعارضة أي معارضة إن لم تكن منطلقة من أرضية وطنية جامعة وليست مقسمة ..إن هذه الحالة لم تمر على موريتانيا الدولة منذ الإستقلال وإهمالها وتركها دون موقف وطني حازم وجامع سيكون له أثر قوي على إستمرار المجتمع وبقاءه والذي هو

 

مناط بقاء الدولة .. وهذا هو المنتظر وهو مسؤولية كل نخبنا .