يهود تونس حائرون بين الاندماج في المجتمع والتقوقع في جربا |
السبت, 31 مايو 2014 09:45 |
ا ف ب ـ رغم التعايش السلمي الفريد بين المسلمين واليهود في جربة التونسية، يشعر بعض ابناء الطائفة اليهودية ان حياتهم المريحة في هذه الجزيرة ادت بالمقابل الى عزلهم عن بقية البلاد وضيقت عليهم آفاق المستقبل. ويعيش في تونس اليوم حوالي 1500 يهودي يتركز اغلبهم في جزيرة جربة (جنوب شرق) بحسب حاييم بيطان كبير احبار يهود تونس. وقبل استقلالها عن فرنسا سنة 1956، كان في تونس أكثر من 100 ألف يهودي. وقد غادر هؤلاء البلاد على مراحل بعد الاستقلال، نحو أوروبا وإسرائيل في خضم الصراع العربي الاسرائيلي حول فلسطين. وتحظى جزيرة جربة بمكانة خاصة عند اليهود إذ يوجد فيها كنيس “الغريبة” وهو أقدم معبد يهودي في افريقيا. وبحسب الأسطورة، ترقد في الكنيس الذي استُخدِمت في بنائه قطع حجارة من هيكل سليمان الأول، واحدة من أقدم نسخ التوراة في العالم. وتقول لافتة معلقة داخل الكنيس ومكتوبة بأربع لغات (العربية والانكليزية والفرنسية والألمانية) “يرجع عهد هذا المقام العتيق والمقدس المعروف بالغريبة إلى عام 586 قبل الحساب الافرنجي أي منذ خراب الهيكل الاول لسليمان تحت سلطة نبوخذ نصر ملك بابل وقد وقع ترميمه عبر العصور”. وسنويا يحج إلى هذا الكنيس يهود تونس وآخرون قادمون بشكل رئيسي من اوروبا. ويبدأ الحج الذي يستمر يومين، في الثالث والثلاثين من الفصح اليهودي. وأقيم حج هذا العام يومي الجمعة والاحد 16 و18 مايو/أيار 2014 (السبت يوم عطلة أسبوعية في الديانة اليهودية). وانتظم الحج بعد ايام من مساءلة البرلمان لوزيرين في حكومة مهدي جمعة اتهمهما نواب بـ”التطبيع″ مع اسرائيل وبـ”تسهيل” دخول سياح اسرائيليين الى تونس التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل. وخلال الحج، فرضت السلطات اجراءات امنية مشددة لتأمين محيط كنيس الغريبة و”الحارة الكبيرة” وهي أكبر حي لليهود في جربة. وكان الكنيس تعرض في 11 أبريل/نيسان 2002 لهجوم انتحاري بواسطة شاحنة محمّلة بالغاز، نفذه تونسي مقيم بفرنسا وتبناه تنظيم القاعدة الذي كان يتزعمه اسامة بن لادن. وقضى في الهجوم 21 شخصا (14 سائحا ألمانيا و5 تونسيين وفرنسيان اثنان) بالاضافة الى الانتحاري. وقالت كلودين صغرون (44 عاما) التي تقيم في الحارة الكبيرة “نحن اليهود نقيم هنا منذ 2000 عام”. وأضافت “عندما غابت الشرطة في وقت ما بعد الثورة (التي اطاحت مطلع 2011 بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي)، قال لنا المسلمون +اذهبوا الى منازلكم ونحن سنحميكم”. وقال حييم بيتان كبير أحبار يهود تونس “بعد الثورة انتابتنا مخاوف لكنها انتهت الآن”. ومنذ سنوات، يعيش المسلمون واليهود جنبا الى جنب في “الحارة الكبيرة” التي كانت في السابق حيا حصريا لليهود. وفي أحد شوارع هذا الحي، يُجاوِر محلّ الاسكافي بلقاسم بوجناح، وهو من أنصار حركة النهضة الاسلامية، محل “عند رامي” الذي يبيع فيه تاجر يهودي أكلة “البريك” الشهيرة في تونس. وقال الإسكافي مبتسما “نحن نتقاسم حتى الألقاب العائلية” في اشارة الى لقب “بوجناح” الذي يحمله أيضا يهود تونسيون. ويؤمّ أبناء المسلمين واليهود في جزيرة جربة نفس المدارس. ولليهود في جربة مدارس تلمودية خاصة بهم يعلّمون فيها أبناءهم اللغة العبرية والديانة اليهودية. ورغم التعايش السلمي بين المسلمين واليهود في جربة إلا ان بعض اليهود في الجزيرة يشعرون بالقلق. وخلال الحج اليهودي الأخير إلى كنيس الغريبة، لم يتمكن الحجيج، كما هو الحال منذ سنوات، من أداء بعض شعائر الحج التي تقام عادة في شوارع جربة واضطروا لملازمة محيط كنيس الغريبة لدواع امنية. وأقر ميخائيل (40 عاما) وهو أب لخمسة ابناء، بأنه لا يرتدي الـ”كيبا” (طاقية رأس يعتمرها اليهود المتدينون) خارج “الحارة الكبيرة” خوفا من ردود فعل محتملة. وقال “انا لا اخاف من اهالي جربة الذين نعيش معهم منذ زمان، بل من أناس قد يكونون غرباء ولا يعرفوننا، ونجهل كيف ستكون ردة فعلهم”. وعبر بيريز الطرابلسي رئيس كنيس الغريبة عن أسفه لأن هناك “أناسا في تونس لم يروا في حياتهم يهوديا” لكنه أبدى “ثقته” في بلاده. وينص الدستور التونسي على “المساواة” بين المواطنين امام القانون وفي الحقوق والواجبات. وقال ميخائيل “يقولون (في الدستور) اننا دولة ديموقراطية ومدنية لكن رئيس الجمهورية يجب أن يكون مسلما. وهذا يزعجني كثيرا”. ولا تستدعي السلطات التونسية، بموجب اتفاق ضمني يتم تطبيقه منذ القرن 19، مواطنيها اليهود لأداء الخدمة العسكرية على الرغم من غياب اي نص قانوني يمنعهم من ذلك. في المقابل يرى بعض اليهود ان جاليتهم هي المنغلقة على نفسها اكثر من اللازم. وقالت سيدة يهودية طلبت عدم نشر اسمها ان انغلاق اليهود على انفسهم في جربة ضيق على ابنائهم آفاق المستقبل. ويشتغل اغلب يهود جربة في صناعة وتجارة المجوهرات. وأضافت السيدة “أبنائي ليس لهم مستقبل هنا. ماذا سيشتغلون غدا؟ في المجوهرات؟ الحياة ليس فيها فقط (صناعة وتجارة) المجوهرات”. وأقر ميخائيل بانغلاق اليهود على انفسهم في جزيرة جربة. وأشار الى ان اولياء الامور يفضلون تزويج بناتهم “في سن 18 أو 20 عاما” وتكوين اولادهم في مجال صناعة المجوهرات بهدف حماية الجالية اليهودية والحفاظ على تقاليدها. وتساءل كيف سيتم حماية الاقلية اليهودية في جربة “ان إرسلنا (ابناءنا) إلى تونس واختلطوا (مع المسلمين) وحصلت زيجات مختلطة”. |