ولد الكتاب: هناك عوامل عدة هيأت لعملية تمزيق المصف الشريف (مقابلة) |
الأحد, 09 مارس 2014 12:24 |
اعتبر محمد الأمين ولد الكتاب، الكاتب والمثقف الموريتاني، أن الأزمة التي فجرتها قضية اقتحام المساجد وتمزيق المصحف الشريف والعبث به عمدا وحرق كتب الفقه المالكي، هو أمر "محير تماما لأنه مناف لأخلاق ومسلكيات الموريتانيين الذين ما انفكوا منذ عدة قرون يعضون بالنواجذ على تعاليم الإسلام".
وعن الأيادي الخفية التي تقف وراء تفجير هذه الأزمة، والتي راح ضحيتها مواطن موريتاني، قال الدبلوماسي السابق في حوار مع هسبريس، إن هناك قوى خارجية متربصة تسعى إلى بسط نفودها ووضع يدها على البلاد لتتحكم في مصيرها وتوجهها الوجهة التي تريدها، دون أن يستبعد تورط بعض القوى السياسية في الداخل تتوسل قوى خارجية مثل إسرائيل وغيرها بعض الوسطاء الموريتانيين في الداخل والخارج من أجل خلق المتاعب لنظام محمد ولد عبد العزيز.
ومن أجل التغلب على هذه الأزمة التي مست الشعب الموريتاني في العمق، يقترح المفكر والأكاديمي، ضرورة وجود إرادة ممن لدن النظام لإقامة حوار بناء مع المعارضة المقاطعة، يفضي إلى إيجاد تفاهمات تمهد لتنظيم انتخابات رئاسية توافقية.
ما وقع في نواكشوط، عاصمة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، من تمزيق القرآن الكريم وتدنيسه يبدو محيرا للعارف بواقع موريتانيا وحاضرها حيث العلماء وتحفيظ القرآن والعناية به ونشر المذهب المالكي في أصقاع أفرييقيا.. ماذا وقع بالضبط؟
ما وقع في نواكشوط في بحر هذا الأسبوع، عمل غير مسبوق وغير مألوف في بلد عرف بتشبه المتين بالدين الإسلامي و تعلقه القوي بقيمه وإكباره الشديد لرموزه .
ومن ثم فإن اقتحام المساجد وتمزيق المصحف الشريف والعبث به عمدا وعن ساق إصرار، هو عمل محير تماما لأنه مناف لأخلاق ومسلكيات الموريتانيين الذين ما انفكوا منذ عدة قرون يعضون بالنواجذ على تعاليم الإسلام ويجلون مقدساته ويكنون احتراما وإكبارا عظيمين لرموزه وفي المقام الأول للمصحف الشريف و لشخص الرسول الأكرم ولكتب الفقه والسنة النبوية. بل هناك تقديس لكل ما هو مكتوب بلغة القرآن.
ومن هنا فقد بات من المحير ومن المربك حقا أن تظهر جماعات موريتانية تتجاسر على شتم علماء الدين، وتقدم على حرق أمهات كتب الفقه المالكي جهارا نهار، ثم تقوم بالتعرض لشخص الرسول الكريم وينتهي بها الأمر إلى الإقدام على اقتحام المساجد لتمزيق المصاحف داخلها، هذا فضلا عن نشر الكثير من التجديف والهرطقة والتصرفات الغير لائقة على صفحات الفيس بوك.. ولقد أثار هذا العمل الطائش غضبا عارما لدى كافة الموريتانيين. فعبروا عن سخطهم الشديد بمظاهرات هادرة عمت أرجاء البلاد، وقد نجم عنها توتر واحتقان شديدان هددا السلم الاجتماعي والأمن الوطني بالبلاد. ولا يسع المرء إلا أن يتساءل عن الأسباب والعوامل والدوافع التي تكمن وراء هذا التصرف الخارج عن المألوف وعن من هي الجهات التي تسعى إلى إثارة الشعب الموريتاني و استفزازه من خلال المسا س بمقدساته و جرح مشاعره الدينية.
من هي الجهات، برأيك دكتور، التي تقف وراء هذه الأفعال؟
الحقيقة أنه قد ظهرت في البلاد منذ بعض الوقت جماعات لها تظلمات فئوية لا تخلو من الشرعية تطالب بالعدالة والمساواة والقسطاس بين كل مكونات الشعب الموريتاني. وقد نزع بعض هذه الجماعات إلى تبني مقاربة صداميه متشددة ومتشنجة تستعمل العنف اللفظي المشحون بالكراهية والعداء الجارف ضد بعض فئات المجتمع الموريتاني على اعتبار أنها هي الفئات المتسلطة المستبدة الظالمة.
و مع مرور الوقت و عدم معالجة هذه الظاهرة بما هو مطلوب و ضروري من الحكمة والتبصر والصرامة والمسؤولية، توسعت الظاهرة لتشمل مختلف الشرائح الاجتماعية التي تعتبر لسبب أو آخر أنها تعاني من الدونية والتهميش والغبن.
هل ساهم الإعلام في توسيع الفجوة بين فئات من المجتمع، خصوصا أن صفحات الفيسبوك شهدت صدامات على إثر اعتقال مدون بتهمة الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الإعلام في موريتانيا حر و متعدد ومفتوح أمام الجميع، فقد جرت نقاشات عديدة تعرضت لمختلف جوانب و تجليات هذه الإشكالية . وفي هذا السياق عبر بعض من يوصفون بالفقهاء عن بعض المواقف ربما اعتبرت مزكية و مكرسة لبعض الفوارق التي تسعى الشرائح المتذمرة لوضع حد لها.
و نتيجة لنقاش الأفكار هذا ظهرت مواقف بالغة التطرف ومشاعر مفرطة التشدد، فترتب عن كل ذلك احتقان ملحوظ أذكاه التنافس الشديد الذي سبق الانتخابات البرلمانية والبلدية والتي قاطعتها بعض الأحزاب السياسية ووصفتها بالمهزلة ونعتتها بعدم الشفافية وعدم المصداقية.
إلا أنه رغم مقاطعة بعض أحزاب المعارضة فقد نظمت الانتخابات بمشاركة شعبية فاقت 70% و أحرز خلالها الحزب الحاكم على أغلبية المقاعد في البرلمان والمجالس البلدية. و جاء حزب الإسلاميين في المرتبة الثانية. وتبعا لهذه الوضعية ، شعرت أحزاب المعارضة المقاطعة بالغضب والإحباط وبالكثير من المرارة ، سيما وأن الاستحقاقات الرئاسية على الأبواب.
نفهم من خلال كلامك أن غياب الحوار بين النظام والمعارضة سبب لإثارة هذه الفتنة؟
في ظل هذا الاحتقان و في غياب إرادة النظام في السعي إلى إقامة حوار بناء مع المعارضة المقاطعة، يفضي إلى إيجاد تفاهمات تمهد لتنظيم انتخابات رئاسية توافقية’، في ظل هكذا ظروف لا يستغرب أن يسود اليأس عند البعض وأن تختفي لديه القناعة بإمكانية حلحلة الأزمة القائمة عن طريق الحوار السلمي، و أن تطفو على السطح أرادة خضخضة الأوضاع و اللجوء إلى كل الطرق و الأساليب التي يمكنها أن تقود إلى إحداث التغيير عن طريق تأجيج المشاعر وشحن النفوس وإثارة الغضب واللجوء إلى الشغب وخلق الفوضى و الفتنة.
هناك من يذهب إلى أن هناك أياد خارجية تقف وراء هذه الأزمة؟
فلا ريب أن ثمة قوى خارجية متربصة تسعى إلى بسط نفودها ووضع يدها على البلاد لتتحكم في مصيرها وتوجهها الوجهة التي تريدها، وذلك عن طريق بث الفرقة وإشاعة الكراهية بين مختلف مكونات النسيج الاجتماعي وعن طريق تحدي المشاعر الدينية للمواطنين و دفعهم إلى ردة فعل عنيفة هوجاء تأتي على الأخضر واليابس، من شأنها أن تدخل البلاد في دوامة من العنف والعنف المضاد.
وداخل موريتانيا؟
لا يستبعد أن تكون قوى سياسية داخلية هي المسؤولة عن افتعال هذه الأزمة كما لا يستغرب أن تتوسل قوى خارجية مثل إسرائيل وغيرها بعض الوسطاء الموريتانيين في الداخل والخارج من أجل خلق المتاعب لنظام محمد ولد عبد العزيز، وصولا إلى تقويضه و إقامة نظام آخر مكانه يخدم أغراضهم و يراعي مصالحهم الخاصة.
ألا يمكن أن يكون هذا الحدث عفويا وتلقائيا؟
إن ما يحدث الآن في موريتانيا هو غير مسبوق في تاريخ البلاد. ولا أعتقد أنه تلقائي وعفوي، حسب تعبيرك، بل هو في رأيي أمر مبيت ومخطط له وقد مهدت له الطريق وهيئت له الأسباب وأعد له المناخ المواتي على نحو متدرج .
هل يمكن للتيارات السلفية في الساحل الأفريقي أن تستفيد من هذه الأزمة التي مست شعور المسلمين؟
هناك من ربط الأزمة بالجهود الحثيثة التي تبذلها حاليا القوى السلفية من أجل توطيد نفوذها في منطقتي الشمال الإفريقي والساحل الصحراوي.
الأمر يتطلب الوقوف في وجه هذه الدسائس وهذه المؤامرات أيا كانت الأيادي التي تحيكها ( الصهيونية – الماسونية – السلفية - السياسويون المتعطشون للسلطة بأي ثمن....)، يتطلب الوقوف في وجه هذه المؤامرات العمل الجاد المسؤول من أجل تعزيز الجبهة الداخلية و توحيد جهود وطاقات قوى البلاد الحية الخيرة، وذلك بإشراك الجميع في رسم ملامح مستقبل البلاد و توزيع العدالة وإشاعة المساواة بين كافة مكونات المجتمع الموريتاني، حتى يزول الشعور بالضيم والإحساس بالإقصاء والتهميش والغبن. على أن يواكب هذه السياسة الكثير من الحزم والصرامة والصلابة من أجل الضرب بكل قوة على أيدي العابثين بمصالح البلاد العليا و سلامتها واستقرارها. هسبريس |