ريم خليفة
مرت خمس سنوات من ثورات واحتجاجات الربيع العربي من المحيط إلى الخليج، وحينها كان حلم الحرية يدغدغ جماهير الشباب العربي معلقا آمالا كثيرة على هذا الربيع لتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية التي تصون كرامته الإنسانية وتحفظ له حقوقه المدنية والسياسية.
اليوم بعد مرور سنوات خمس فقد حدثت متغيرات كثيرة رسمت صورة مغايرة للمشهد العربي اذ لم ينتج عن الربيع العربي حكومات تصلح ما أفسدته النخب السياسية أو تحقق مشاركة حقيقية في السلطة، باستثناء تجربة تونس التي مازالت تمر بمرحلة صعبة جدا. العدالة الاجتماعية التي تضمن توزيعا عادلا للثروة اصبحت في حال اسوأ من ذي قبل، بل ويسوء يوما بعد يوم مع ارتفاع معدلات البطالة وضياع فرص التنمية، وعودة القبضات الامنية القاسية التي زادت الخناق على الناس من كل جانب.
ولعل الأسوأ من كل ذلك هو انتشار طاعون الطائفية بشكل لم يتوقعه احد، بل اصبح الشباب انفسهم وقودا لحروب وفتن تطحن بلدان المنطقة وتحوله الى الخراب. وهذا الطاعون تسبب في اكبر هجرة الى اوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، واصبح اسم العربي والمسلم يقرن بكراهية الحياة والحضارة، وبالقتل والارهاب والتدمير والعبث بأراوح الناس بصورة بشعة.
لقد رفع ملايين الشباب العربي قبل خمس سنوات شعارات مازال صداها باقيا ومؤرخا رغم الفترة الظلامية التي نمر بها حاليا، فالهتافات التي صاحبت الاحتجاجات خرجت من القلوب واستقرت في ضمير التاريخ الانساني، وهذه الاصوات طالبت بالتغيير، ولكنها جوبهت بقوى تكره الحرية والكرامة والعدالة.
الفترة التي تلت الربيع العربي غيرت الاتجاه السلمي الحضاري الذي اطلقه الشباب الى منحنى سيء جدا، ووسائل التواصل الاجتماعي التي اشعلت احتجاجات الربيع العربي هي ذاتها التي اشعلت الاحقاد والكراهية.
ان منصات فيسبوك وتويتر التي استخدمها الشباب على الدوام فيما بينهم عند انطلاق الربيع العربي اصبحت الان وسيلة بيد الارهاب وبيد القمع، وذلك بعد ان انحرفت بوصلة المطالب وتغير الحراك المدني الديمقراطي الى حراك لجماعات معادية للديمقراطية ، تحرق الاخضر واليابس باسم الطائفية والافكار الظلامية.
ان الشارع الذي كان ينعش مطالب الشباب اصبح ممزقا الان، وذلك بعد ان تكدس الناس في السجون، وتحولت الميادين الى مشاهد للدماء وللقتل وقمع الحريات وخنق الكلمة تحت شعارات مكافحة الارهاب او الانتصار للطائفية وافكار الكراهية.
لقد واجهت القوى المعادية للربيع العربي الانتفاضات والثورات بممارسات اوصلتنا الى واقع مريض، واصبحت بلدان عربية رئيسية ساحات لأعمال متوحشة، وذلك بعد تمزيق المجتمعات ونشر منطق القتل والحروب وأعمال العنف والارهاب.
غير ان قمع أصوات العدالة والحرية والكرامة امر صعب في نهاية الامر، فطبيعة الناس ترفض الظلام والهمجية، ولا تهدأ الا اذا حققت المجتمعات عدلاً وحرية وانفتاحاً تبني عليه الامن والاستقرار.
لقد ذكرت مجلة “ذي إيكونومست” البريطانية إن حال العرب صار أسوأ، لكن الشعوب فهمت محنتها بشكل أفضل، وعلى الرغم ان الصورة العامة الآن مخيبة للآمال إلى حد كبير، الا هذه المدة الزمنية غير كافية لتقييم اثر زلزال سياسي كالربيع العربي الذي حدث قبل خمس سنوات. فالربيع الاوروبي الذي حدث في العام 1848 فشل في تحقيق اهدافها في كل الدول الاوربية آنذاك، ولكن ما حدث في العام 1848 اسس لمنهج تجذر في الشعوب الاوروبية، وانتج بعد عقود من ذلك ديمقراطية مستقرة وتقدم حضاري كبير مازالنا نشهد آثاره حاليا.
كاتبة وإعلامية بحرينية