الحلقة الأولى؛ سأقول الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، فاعذروني على مرارة هذه الحروف، نظرا لابتعادها عن البحث عن ما يصادف أهواء النفوس، أو إرضاء الحكام. لست هنا بصدد بناء موقف سياسي أو فئوي أو عرقي. لست بصدد الإنحياز إلا إلى حقوق الإنسان في الحرية والعدالة والمساواة والكرامة .
.
ذلك هو سلاحي ومدخلي إلى قضية موريتانيا الشائكة والملحة، قضية لحراطين، التي فتحت حادثة مدرسة نسيبة 1 بابها على مصراعيه، ولا أعتقد أنه سيغلق بمجرد القمع والتنكيل بالمتظاهرين السلميين، وتقديم رواية رسمية تفتقد أدنى مقومات البناء المنطقي، أحرى أن تكون مدعومة بالحجة أو بالدليل، وقد بددها الأهالي بالحجة القاطعة، والدليل الساطع، الذي لا يساوره الكذب ولا يبليه الزمن.
.
كان السر وراء انكشاف الفضيحة العنصرية الكامنة خلف تغييب أطفال مدرسة نسيبة عن المشاركة في بطولة قناة (ج) القطرية لكرة القدم، في استمرار طغيان دولة القبائل بمنظومتها الثقافية التراتبية المتهالكة، وأنظمتها السياسية المتغلبة منذ الإستقلال، وحتى يوم الناس هذا، وتماديها في إقصاء وتهميش لحراطين الممنهج والمتعمد، مقابل استمرار الخنوع والرضى بالقليل القليل من طرف لحراطين.
.
كانت الدولة الموريتانية أقصد دولة القبائل ولا تزال في كل مفاصلها (مع استثناءات قليلة) دولة تمييزية عنصرية وإقصائية، ولا يحتاج ذلك إلى سن قوانين، فلسنا في دولة تطبق القوانين، وإنما هي ثقافة متوارثة متحكمة، أساسها النظرة الدونية والإزدراء الفئوي، الذي يرضعه الأبناء من ثدي القبيلة في ظل فشل الدولة ومؤسساتها التربوية والتعليمية في تنشئة جيل وطني منسجم وقادر على رفع التحديات الكبرى، وتجاوز الإنتماءات الضيقة والنزعات الفئوية والعرقية.
.
تبرز نسيبة1 بقوة لتفضح العديد من الممارسات وفي كل القطاعات، وكأن التاريخ يعيد نفسه رغم اختلاف الحالة والمكان والزمان، فامتناع أمهات الأطفال عن الرضوخ للترغيب والترهيب الذي يتعرضن له يوميا ورفضهن الشامخ المستمر. يشبه إلى حد بعيد قصة المناضلة الأمريكية الشهيرة روزا باركس عندما قالت بعزة وكرامة لسائق الباص الذي أمرها بإخلاء مقعدها ليجلس فيه رجل أبيض . لن أبرح مكاني لقد سئمت كل هذا. كذلك أمهات الأطفال اللواتي شكلن استثناء بتماسكهن وتمسكهن بحق أطفالهن.
.
وليست قصة إبعاد الفائزين بمناقصة تنظيف انواكشوط على أساس عنصري عنا ببعيد، ثم إن ما حدث لنا، وهو يحدث يوميا لمئات المواطنين، عندما أدخلونا على مفوض للتحقيق معنا بعد اعتقالنا على خلفية ممارستنا لحقنا في التظاهر السلمي.
حيث التفت المفوض العنصري فوجد قبالته أحد المناضلين وكان شديد السواد فنهره بطريقة وقحة، ثم التفت إلى أحد الرفاق وكان أبيض البشرة فهش في وجهه وبش، ليس ذلك إلا وجها وقحا من وجوه الممارسات العنصرية اليومية في أغلب الإدارات، لكن رفيقنا رفض ذلك واعترضنا جميعا على هذا المفوض ورفضنا التجاوب معه.
.
يقول المتخبطون في ظلمات الموالاة الذين ابتلاهم الله بالدفاع عن هذا النظام/المنظومة أنه لا يوجد دليل ملموس على عنصرية ملف نسيبة، ويرجحون رواية الناطق باسم الحكومة، وكأنهم لا يعيشون في هذا المنكب ولا يعرفون المحاصصة القبلية القائمة فيه، ولعل التعديل الوزاري الأخير عفوا القبلي، فاتهم.
.
لعلهم لا يعرفون أن لحراطين محرومون من بعض الرتب العسكرية ومن الحقائب الوزارية ومن تولي المناصب الإدارية الكبيرة، وأنه في كل واحدة من هذه الحالات المذكورة تضع دولة القبائل الإستثناء الذي يثنت القاعدة.
.
لعلهم لا يعرفون أن المكان الطبيعي للحرطاني في دولة القبائل، هو أن يكون حارسا يقف عند الباب، أو صانع شاي مركونا في الزاوية، أو حمالا محدودب الظهر، أو جنديا بسيطا مرميا على الحدود، لعلهم لا يعرفون أنه بسبب العبودية والإقصاء والتهميش فإن أغلب المتسولين إن لم أقل كلهم احراطين، وإن أغلب نزلاء السجون احراطين.
يتواصل.....
بقلم: أبوبكر ولد المامي.