البارحة أرسلت نكتة لخمسة أشخاص،ولا أحد منهم ضحك،هناك موجة من الكآبة تجتاح العالم،طبول الحرب تقرع في كل مكان،الأطفال في الشوارع صاروا يلعبون فقط بالألعاب النارية،أساقفة الأورثودكس والكاثلويك يعقدون قمة مسيحية في كوبا للتقارب،والمسلمون يعقدون الألوية حول تخوم الشام للدخول في منازلة بينية ستغير وجه المنطقة المتغير أصلا!
إنه عيد الحب،وكولومبيا المشهورة بالمخدرات،هي أكبر ثاني مصدر للورود في العالم،واقتصادها الهش ينتظر الفلانتاين كل عام بلهفة،في موريتانيا الأزهار لا تنمو هنا-إذا إستثنينا النعناع طبعا-لقد كانت مؤامرة على الشعب الموريتاني حينما ربطوا الحب بالورود وفصل الربيع،اليكم هذه القصة الحقيقية،حسب المصدر...هناك فتى كان يعمل "وكافا" في دكان للملابس الجاهزة في سوق "كبيتال"،كان رب عمله بخيلا ويخنق الديك على ذرات الأكسجين،كان الفتى فقيرا ويسكن في أعماق عرفات،وكان متزوجا بفتاة من الطبقة المسحوقة يحبها وتحبه،كان رب العمل يزوده ب 200 أوقية يوميا كنفقة للنقل،كان صاحبنا يمشي سيرا على الأقدام حتى العريش الملاصق لأهل زوجته،حيث يأوي اليها ليلا جالبا معه علبة من حليب السعودية لتشربها،وقد كانت ترفض أن تشربها لوحدها،فتترك نصفها له،في الصباح يشترى لها علبة أخرى،ليعود سيرا على الأقدام إلى سوق "كبيتال"..للتنبيه ثمن علبة حليب السعودية من الحجم الصغير 100 أوقية،إن كان سعرها لم يرتفع بعد!
الحب يذكرني بالحياة،وبأول قصيدة كتبتها في ليلة مقمرة من يوليو صيف 2004 في ورقة قطعتها من دفتر الفيزياء،لا زلت أذكر أول بطاقة تزويد اشتريتها في حياتي،لازلت أحفظ رقمها بعد مرور 12 عاما،لا يزال إسمها محفورا بسفح ذلك الجبل البعيد وفي جدران قلبي،ترى أين هي الآن،وبم تفكر؟
كلما زرت google للخرائط،توقفت أمام منزلهم وتخيلتها جالسة تحت ظلال حائط الحجر،وأنا كاللص أخفي عنها نظراتي في أزقة الشوارع.يوم قتل رفيق الحريري رحمه الله 14 فبراير 2005 في بيروت،كان المطر ينهمر في مدينة لعيون على غير عادته،كأن نوافذ السماء فتحت ذلك المساء،لقد رأيتها تحت المطر،هناك أشياء أكبر حقا من التعبير.في 25 مايو 2005 عيد الوحدة الإفريقية كانت قسماتها حزينة كالغروب،وكان قلبي يودعها وهو يكتظ بشجن لذيذ سيرافقه إلى الأبد.....نعود للدرس!
الحب هو ترياق العنصرية والحقد والأنانية،ليس هذا الكلام مثاليا وحالما كما سيبدو للبعض،إنها الحقيقة هناك سعادة وسكينة لا يصلها إلا من غسلوا قلوبهم بالمحبة،أتذكرون قصة الرجل في الحديث الشريف الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة،فتعقبه أحد الصحابة رضوان الله عليهم ليرى ما يعمل،فلم يجد شيئا مثيرا في حياته،فاستفسره،فقال له الرجل بما معناه:إنه عندما يضع رأسه على الوسادة لينام لا يعلم بحقد أو ضغينة يحملها لأحد في قلبه.
أحيانا تكون الحرب وأحزانها سمادا لنمو الحب،لذلك قد تبدو منطقتنا الآن مليئة بالمآسي والكراهية،تلك حركة التاريخ وفوضى أفرزتها المظالم المكبوتة،الحرب كارثة لكنها تجعل الأشياء تبدو على حقيقتها دون شوائب،لذلك يؤسفني أن أخبركم أن الأشياء في موريتانيا لا تبدو على حقيقتها،هناك ظلم وغبن كبير،يقول المثل "كذبة وحدة تمل مزود وثنتين ما يديرو فيه شي"،السلم الأهلي لا يصنع بالأغاني الحالمة وبياض العين وسوادها وبالنعرات الجوفاء،إنما يصنع بالتعليم والعدالة فقط،إن كنتم حقا تريدون وطنا محصنا تعيشون فيه بسلام،وسط هذا العالم المضطرب.
هنا تامشكط،وأنا أحب الحليب كثيرا،اسألوا "وردة" و "سلمى" و"جهينة" ومانا"،لكن ارتشافه من قاع "التاديت" تحت ضياء القمر أجده أكثر لذة...
14 فبراير 2016 والساعة 00:34 دمتم بخير
------------
من صفحة الأستاذ خالد الفاظل على الفيس بوك