منذ الحركة "التصحيحية" صيف 2008،ووزني يراوح مكانه،أحيانا أخسر عدة كيلوغرامات بسبب نقص السعرات الحرارية والتفكير العشوائي في ملامح المستقبل المضببة بدخان الحيرة،وأحيانا أكسبها بسبب "الزريك" فنحن شعب يعيش على السوائل،كنت متحمسا للحياة وكنت ضليعا في القفز فوق حبال القلق،كنت أركض بقوة 20 ذبابة في الدقيقة،لكنني منذ وقعت أسيرا لدى معتقلات وزارة التعليم شتاء 2013،دب الوهن في أفكاري،وتحول رأسي إلى صحراء قاحلة بعدما كان كثيفا كغابة استوائية مطيرة،لقد تحولت حنجرتي بسبب غبار الطباشير وتفكيك بؤر الفوضى أثناء الحصص،إلى حنجرة شرطي مرور حزين قضى نصف عمره على شوارع نواكشوط دون أن ينجح في اقناع السائقين بضرورة إحترام إشارات المرور،إنني باختصار أشيخ بسرعة كطريق معبدة شيدها مقاول موريتاني يبحث عن الثراء السريع وحسب،لقد اكتشفت مؤخرا أنني بحاجة للعودة للملاعب الداكنة لممارسة الرياضة ولأحراق بقايا الدهون التي صمدت بمعجزة أمام سياسة التقشف التي تمارسها الحكومة "الرشيدة" والبنك الدولي الذي يقتل إقتصادنا بقسوة!
عندما ركضت بين تلك الأشجار شعرت بنبضات قلبي تعيد الحماس لدمي،فقفزت في الهواء محاولا امساك الأحلام المعلقة في عنان الظروف،لكنني سقطت بشكل عمودي فوق الصلصال اليابس وتعرضت لإصابة في الركبة جعلتني أوقف الركض في الدقيقة 5!
عدت كفارس مهزوم إلى وكري،فتشت حقائبي بحثا عن مرهم لتضميد جرحي،عثرت على قصيدة كنت قد كتبتها شتاء 2006 من أجل نوفمبر،رغم أنني ساعتها كتبتها بحماس إلا أن كلماتها أصبحت باردة جدا وبلا نكهة كطعام السجناء،ذلك جواز سفري لا ختم عليه حتى الآن،فأنا لحد ساعة لم اركب طائرة،لكنني سبق وأن صنعت طائرة ورقية وقذفتها مع الرياح لكنها لم ترتفع وسقطت سريعا كأحلامي،ذلك خاتم من "سلقلق" مخبأ في علبة حمراء على شكل قلب،اهدته لي مواطنة صالحة ظنا منها أنه قد يتحول إلى ذهب في يوم من الأيام،لكن هيهات،فكل المعادن في باطن الوطن لم تزرع التوهج في قلوب ساكنته،لقد صهرتها حرارة الفساد لتتبخر فوق كوخ العدالة وسط العاصمة!
ربما تجارب الحياة طرزت قلبي بالحكم،لكنني ثابت في نفس المكان كالجبل،لا شيء يغريني بالتحرك،كل الذين أراهم يجلسون على قمة الحياة ليسوا سعداء فلماذا اتبعهم،لقد كتبت شيئا يشبه الرواية لكنني توقفت عند الصفحة 30 عندما فكرت في القراء،من سيقرأها؟
من سيشتريها؟من سيطبعها؟
ربما أطبعها في وراقة "الرجاء" على طريقة طلاب الباكلوريا الحالمين،وأبيعها مع حزم النعناع والرصيد تحت شمس يوليو الحارقة،ربما أهدي نسخة منها لوزيرة الثقافة،لربما نسيتها في حقيبتها الجلدية وهي في طريقها إلى مجلس الوزراء،ربما سقطت منها سهوا ليرى أعضاء الحكومة عنوانها "الأيادي الباردة" المكتوب بخط أسود فاتح ويرون خلفية الصورة زورق خشبي قديم نصفه مدفون في الرمال،ربما العنوان يليق بالمكان،لأن أوراق الرواية ولدت قبل كاتبها بعقود...
تقول الشمس إن الفرح ليس كائنا ليليا،وتقول النجوم إن النهار يجعل الحزن مرئيا،وبينها يجلس الأمل في الأفق وهو يرسم الغروب والشروق بنفس اللون على جدران الحياة المتصدع..
ليس هذا تشائما كما يبدو،إنما هو صناعة بطيئة للفرح والبهجة لكن بحروف حزينة،فأنا لست تعيسا كما يظن البعض،فأنا أتقمص الحزن لأجعلكم تصدقون أن هناك شيئا آخر يسمى الفرح وهو بحوزتكم دائما،فتشوا عنه في الخبز الحافي في زرقة السماء في صحتكم في العطاء في المحبة في علب الشكولاته في إماطة التجهم عن قسماتكم،لماذا أرى وجهك منتفخا ويقطر كمدا؟ابتسم وقل شكرا لهذا الصباح الجديد،فرحم الله من عاش سمحا،أيها القابع في سطوتك توقف عن شتم المتسولين وعن توزيع الكراهية،للكلمة الطيبة طاقة ايجابية لا يدركها الكثير،لو اهتدت إليها "صوملك" لتغلبت على الإنقطاعات المتكررة للكهرباء.
هنا تامشكط،وأنا هذا اليوم مكلف بمهمة بين الصحون سأعتصم قرب عبوة الغاز للممارسة الطهو،أفكر في فتح مطعم صغير للوجبات الخفيفة فذلك قد يكون أكثر دخلا ونفعا من تدريس الرياضيات تحت رعاية وزارة تشبه شبه المنحرف لا تحترم "الزوايا"،وتحت وصاية حكومة زادت أضلاع مثلث الفقر بضلع آخر فأصبح Quadrilatère ووسط معارضة تشبه الأعداد العقدية..أستغفر الله،مع ذلك لا مناص من الجهاد في سبيل الفرح طابت أوقاتكم.
28 فبراير 2016 والساعة 10:45 صباحا
---------------
من صفحة الأستاذ خالد الفاظل على الفيس بوك