للشعراء في هذه الصحراء المعطاء تاريخ مجيد مع الذهب وكل مشتقاته، فلا تكاد تخلو قصيدة أو مقطوعة من "مثاقيل" قليلة أو كثيرة من هذا المعدن الأصفر المحبوب لا ندري من أين بها لشعراء عاشوا قبل التاريخ الذهبي وفي مناطق بعيدة عن تازيازت وكينروس وأجهزة إكس بي ..
فهناك من أعماق "أوكار" النائية يطالعنا سيدْنَ بن الشيخ سيديا في رائعته الأوكارية التي مطلعها: على دوران أوكار التحايا .. بوصف ذهبي بديع لمناظر الرمال والروابي الجميلة :
يودُّ ذوو البلهنية اطضجاعا .. بها بدل الطنافس والحشايا
تفضِّضها الظهيرةُ كل حين .. وتُذهبها الغدايا والعشايا ..
وهذا ابن حنبل الحسني يملأ الأرض ذهبا ويتحدث عن رمال من الذهب في مكان ما من الصحراء لو عرف حجّاج تازيازت الأبرار مكانها الآن لكان لهم معها شأن آخر :
أضرم الهمَّ سحيرا فالتهبْ .. لمعُ برق بربيّات الذهبْ ..
وقد سلك شعراء العصر الحديث طريق الأسلاف في تحلية قصائدهم بقلائد الذهب الرائقة، كما هو شأن الشاعر الكبير عبدالله السالم ولد المعلى مع بنت الحمى:
هناك بالسفح بين الضال والعذب .. عرفتُ بنت الحمى في عصرها الذهبي
هناك والعيش نشوان الخطى مرحٌ .. وطالع الحظ سعدٌ والزمان صبي ..
وقد أحرزت هذه الذهبية قصب السبق في مهرجانات المربد والجنادرية ومهرجانات عربية ووطنية عديدة أخرى.
وقبل سنوات صاح علينا حاكم البلاد السابق ولد الطائع باكتشاف نوع من الذهب " گالبْ اللون "، وأقام بذلك الدنيا ولم يُقعدها وشغل الناس إلى أن تسرّب نفطُه من الأعماق وظهر في الشعر قبل أن يظهر في البحر، عبر أبياتٍ صحنا بها في وجه ولد الطائع والنفط والفساد :
صاحوا جميعا وقالوا إنه العجبُ .. في بحرنا النفط، فيه الأسودُ الذهبُ
صاحوا بذلك إعلانا ومنتظرّ .. فوق المنابر أن تعلو به الخطب
والشعبُ يعرف ما أسباب صيحتهم .. والبحر يعرف مثل الشعب ما السبب
لا طعم للنفط والدنيا بجانبهم .. فليتهم ذهبوا أو ليته كذب.
هذه رحلة تنقيبية خاطفة عن الذهب في "تازيازت" الشعر الموريتاني، لم نعُد منها بتلك الكميات الكبيرة المطلوبة من الذهب، وَإِنْ كان ما في الحقائب من مثاقيل عالية الجودة وثقيلة في ميزاني الشعر والذهب، يكفي لتغطية تكاليف الرحلة.
------------
من صفحة الاستاذ محمد فال محمد حرمة على الفيس بوك