سؤال حيرتنى الاجابة عنه ! فإذا كان السبب المعلن هو العمل على عدم استمرار معاناة الفلسطينيين ، والعمل على انهاء الصراع الفلسطينى الاسرائيلى ، واقامة جسور من الثقة بين الطرفين!
فكل ذلك غير مقنع لمن فى جيلى وشهد حروب 56 ، 67 ، وحرب الاستنزاف ، ثم حرب 73 ، وقرأ بعمق عن حرب فلسطين وعمليات القرصنة اليهودية قبلها للاستيلاء على اراضى الفلسطينيين!وأكثر من ذلك ما حدث وما زال يجرى من بناء للمستوطنات الاسرائيلية على الاراضى الفلسطينية وتقتيل وطرد للفلسطينيين من بلدهم .. كل ذلك ونتكلم عن الثقة المتبادلة بين الطرفين ! اين الثقة بين شعب ينتهك أمام العالم كل يوم وتستباح ممتلكاته ودياره ، وبين معتد غاصب لا يلين؟ واعترض على هذا التقارب لعدة أسباب :
1 ـ هذا اللقاء بين وزير الخارجية المصرى ورئيس الوزراء نتنياهو فى تل ابيب هو الأول بعد ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو ، وما تبعهما من شعور وطنى جياش يفصل ما بين مرحلة انهزامية لم يكسب فيها الشعب لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا ثقافيا ، ومرحلة وعى جديد مشرقة بالأمل فى التقدم والازدهار فى جميع جوانب الحياة المصرية.
2 ـ اننى لا أرى فى أى تقارب مع العدو الاسرائيلى إلا الإضرار بمصر ومركزها فى العالم العربى وإفريقيا ، الذى فرغ بالأمس نتنياهو من الاجتماع بسبعة من قادتها فى كمبالا ؛ طبعا للتآمر ضدنا وخاصة فى موضوع مياه النيل. وأذكر على سبيل المثال من الوثائق الامريكية أن الولايات المتحدة كانت تعطى اسرائيل أموالا ضمن المعونة الاقتصادية لإنفاقها فى إفريقيا ضد النشاط المصرى هناك فى الستينات!
3 ـ أما أن يكون الغرض المعلن من هذا اللقاء هو مصلحة الشعب الفلسطينى ؛ فأولا: الفلسطينيون لهم حكومة تمثلهم ، ويمكن أن تتجه جهودنا فى هذا الإطار إلى دعم هذه الحكومة بكل الوسائل الممكنة. وثانيا: لقد أثبت التاريخ منذ معاهدة كامب ديفيد أن الأساليب السلمية مع إسرائيل لا تنفع ، وأن الأسلوب الأجدى هو تقوية المقاومة الفلسطينية لتفرض إرادتها وتستعيد الضفة الغربية.
4 ـ ما أخشاه أن يكون هذا اللقاء مقدمة لمحاولة تطبيع جديدة بين حكومتى مصر واسرائيل ، ولكننى واثقة أن الشعب سوف يفشلها كما افشلها فى المرة السابقة التى استمرت أكثر من ثلاثين عاما. وهل ننسى على سبيل المثال الأضرار التى لحقت بزراعتنا من جراء الاستعانة بالاسرائيليين فى هذا المجال ؟! والذى سهله كبار الملاك الزراعيين فى هذا القطاع ؟!
5 ـ إن القطيعة بيننا وبين العدو والحرص من مؤامراته وأذيته هو الأسلوب الوحيد للحماية السلبية بعد اتفاقيات السلام .. التى كانت بالأكثر اتفاقيات فرض أمر واقع مع عدو لا يخفى نواياه التوسعية على حساب مصر وفلسطين وسوريا ولبنان !
كيف تتكلم إسرائيل عن السلام وهى ما زالت تحتل الضفة الغربية بسكانها ، الذين جعلتهم مواطنين من الدرجة الثانية ، وتقضى على أولادهم كل يوم على طريقة الهنود الحمر فى أمريكا؟ كيف يحدث تقاربا مصريا اسرائيليا وما زالت المرتفعات السورية تحتلها قوات الجيش الإسرائيلى ؟
أرجو من الحكومة أن تتريث بعد هذه الخطوة غير المتوقعة ، والتى لا يوجد ما يبررها لا فى تاريخ اليهود مع العرب، ولا فى حاضر اسرائيل التى تهدف إلى ابتلاع المنطقة اقتصاديا وثقافيا ، بعد أن احتلت أرض فلسطين كلها وتستمر فى إفراغها من أبنائها بلا مقاومة تذكر.
* نقلاً عن "الأهرام"