منذ أن أوقعت قرعة الترتيب الأبجدي مسؤولية تنظيم القمة على موريتانيا و شقيقتكم الصغرى تبذل الغالي والنفيس من أجل إسعادكم وتوفير كافة سبل الراحة لكم أثناء مقامكم على أرضها أرض المنارة والرباط، فلو لم تعتذر المملكة المغربية الشقيقة لكفى الله موريتانيا العناء والتعب وبذل الغالي والنفيس، وعتب بعض الأخوة الأشقاء، ومقاطعة بعض الملوك والرؤساء، كان الأولى بكم قادة العرب أن تقرروا الاجتماع في مصر من أمصار دول المركز وتجنبونا نحن الأطراف مذمة الإحراج والسخرية والنظرة الدونية، فمن أزمات العرب المستفحلة ـ وما أكثرها ـ أزمة عقدة المركز والأطراف، فليست هنالك قواسم مشتركة بين دول المركز ودول الأطراف سوى العرق والدين واللغة والتاريخ والمصير المشترك، وهذه على ما يبدو ليست أمورا كافية لأن تجعلنا نمتلك نفس الحقوق في تنظيم قمة مجلس الجامعة العربية.
يبدو أن قبول موريتانيا تنظيم القمة والسير في ذلك التحدي أغضب البعض منكم فأخرجه عن مقتضيات الدبلوماسية، وجعل البعض الآخر يتساءل كيف أمكن لدولة فقيرة لا تمتلك المقومات الضرورية لتنظيم القمة؛ لا بيئيا ولا ماديا ولا لوجستيا ولا أمنيا، أن تقهر الظروف وتذلل الصعاب وتنجح في الالتزام بمواعيد تنظيم القمة المعلنة سلفا؟ دون تأخير أو اعتذار، وتسير بخطى حثيثة نحو نادي الكبار؛ الذين باستطاعتهم تنظيم القمم في وقت قياسي؟ لهؤلاء نقول إن قوما قهروا الصحراء الجرداء وذللوها لهم وعمروها وبنوا فيها دولتهم وأسسوا فيها جامعتهم "المحظرية"، وقارعوا فيها الصائل عليهم والمستعمر لهم، لحري بهم أن يقهروا ظروفا هي أدق في أعينهم من الشعر، وأسهل بكثير من بناء دولة من الصفر ومقارعة الجفاف ولعنة الجغرافيا وظلم الأشقاء.
كان الأولى بكم أن تدعموا أختكم الصغرى التي نأت بها الديار وتقطعت بها السبل بين ثلاثي العجم والمحيط والصحراء، أن تدعموها ماديا حتى وإن فضلت أن تظهر لكم غناها وتحجب عنكم فاقتها، وحاشاكم أن تكونوا من الجاهلين، فيصدق فيكم قول الله عز وجل " يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف"، وأن تدعموها معنويا بتشريفها بحضوركم، بدل أن يتفنن بعضكم في الأعذار ويكونوا من المخلفين، وكأن بهم داء ملما أو هرما مجهزا أو فقرا متقعا أو مصيبة لا يمكن معها غياب يوم أو يومين.
أما وقد حصل ما حصل من اعتذار البعض وإرسال ممثلين للبعض وخفض التمثيل للبعض الآخر، فلا تستغربوا من أختكم إذا هي قابلتكم بحال غير الذي كنتم تتوقعون، فبدت على وجهها تجاعيد الشيخوخة المبكرة حزنا على واقعكم، وتبدل جلدها الطري بجلد يكاد يتصلب من وقع الألم والمرارة بفقدكم، ولا تتألموا إن هي صافحتكم بيدها التي أثرت فيها رحى تنافركم وقطيعتكم، ولا تتفاجئوا إن بدت خيمتها وقد تعفتها الروامس والسماء، لفرط هجركم وقطيعتكم لها، فأصبحت لا تليق بمقامكم عندها، فلو أرسلتم من يتحسس لكم ليخبركم بحقيقة حالها، لعرفتم أن قبولها تنظيم مؤتمركم محض السخاء والكرم والنخوة والإباء، ولعلمتم صدق مثلكم القائل: تموت الحرة ولا تأكل ثديها.
وفي الأخير أقول للذين حضروا منكم بالفعل أو قرروا الحضور يوم غد، رغم مشاغلهم والتزاماتهم، حللتهم أهلا ونزلتم سهلا، فكل ذرة من صحراء موريتانيا وكل قطرة من محيطها ترحب بكم، وإن كان لكم في العالم معزة وتقدير واحترام فعلى أديم هذه الأرض؛ أرض موريتانيا المنارة والرباط.
الدكتور أوفى ولد عبد الله ولد أوفى
email: [email protected]