علي الدربولي
العرب، العروبة، العربي: الأمة العربية؟
هل لهذه المصطلحات من وجود؟
سؤال في منتهى التشاؤم والتنكر، تشاؤم بالنسبة لمستقبل الأمة العربية، وتنكر العربي لعروبته؟!
نحن لم نعهد أنفسنا عربا إلا بالوراثة، ربما…نعم قوم نتحدث اللغة العربية ونقرأ تاريخنا في الكتب على أننا سادة نتصف بالشجاعة والكرم.ما تغنى به شعراؤنا، وهل يُتغني إلا بالنادر من الخصال؟
أريد أن أقسو على نفسي هنا، فأنا العربي الذي تربى جيله على أن العرب أمة واحدة، ولهم رسالة خالدة..آمنت بوحدة الأمة ولكني لم أعهد لها رسالة، في الماضي حتى تكون خالدة؟؟ أقول في منتهى القساوة سأجلد نفسي، لأني كنت نتاج الثقافة العربية، لا خيار لي بذلك، هذا أولا وثانيا لم أشب عن طوق هذه الثقافة باتجاه تطويرها وتشبيكها بالثقافة العالمية إلا من حيث بدأ الإستعمار يغزل غزلها، ونحن نلبس صوفها.
العروبة أقوام ولغة وتاريخ، ميزتها وجود كثير من المشتركات…ولكن؟
يمتحن قوام المادة من حيث الصلابة في مواجهتها لمادة أخرى، فإما تذوب بها، أو تلتحق كجرم يدور في فلكها، وإما تنصقل وتدفع عنها كل قوة تحرفها عن مسارها..أين العرب من ذلك أمام قوى متصارعة على الساحة العالمية، زرعت بين ظهرانيهم كيانا أسموه (إسرائيل)، ليس خشية من أن يتوحد العرب، طالما كانت دولهم وعلى رأسها نخبهم من صُنع من صَنع (إسرائيل) بالتوازي…أليس اتفاق سايكس-بيكو أول الغيث الذي لما يزل يهمي؟
حفظ الله القرآن الكريم، ليحفظ القرآن اللغة العربية…إنها نعمة من نعم الله العلي القدير التي لا تحصى..إذا ما كان قوام العرب لسانهم ابتداءً، فهل ما يجري فوق الأرض العربية من (تعجيم) لهذا اللسان خفيّ عن البصائر:أنظر إلى الذي يجري من ذلك في دول الخليج الغنية: فمن لغة السادة من الغرب إلى لغة الخدم والحشم من الشرق تلك التي بدأت تستوطن استيطانا سيصعب اقتلاعه مع مرور الزمن، إذ تتقاذف تدفقها وتدافعها أذهان الأجيال الناشئة..حتى بات اللسان العربي غريباً في ما يفترض، كـ(مسلّمة)، أن يكون موطنه الذي لا يتزحزح من مكانه مهنا كانت المغريات والمصالح، لأن المصالح تاريخيا لم تكن لتصنع هوية، فهل ستشذ وتصنعها في بلادنا العربية؟!
لم تنجح العروبة البعثية في بلاد الشام ولا العروبة الناصرية في مصر وما حولها من بناء صرح للعروبة يزار كل عام، بل انقضّت على هذين اللونين من العروبة كل عوادي زمن المصالح من أبناء جلدة العرب المخالفين، ومن الغرباء، على حد سواء، حتى انتهى عرس وحدتهما انفصالا في بداية ستينات القرن الماضي بعد أن كان أول وحدة بين شمال العرب وبين جنوبهم، مصر وسورية.ليكتمل مشهد طمس العروبة في مصر، عندما تمت(مصرنة) شخصية البلاد في زمن الرئيس المصري الراحل “أنور السادات” فأضحى اسم مصر الجديد “جمهورية مصر العربية” بدلا من الجمهورية العربية المتحدة، ومن ثم بدلا من الجمهورية العربية المصرية؟
لم يفلح في أن يكون الهم العربي المشترك بوجود (إسرائيل) كحافز لا يمكن تجاهله على الوحدة، من باب أن جميع الأنظمة السياسية العربية وشعوبها معا ترفض هذا الوجود، وتنبع أهمية ذلك التحفيز من حقيقة العدوان الإسرائيلي المستمر على العرب، وأولهم الفلسطينيون؟
ولم يفلح التاريخ العربي ومعه اللغة، وكذلك العادات والتقاليد، والوحدة( القبلية أو العشائرية) وعلى رأس ذلك دين الأكثرية العربية، في لم شمل العرب وأقله في إزالة الحواجز الرسمية المصطنعة بين حدود دول ما بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، فيما سمي لاحقا بالدول العربية، فيتنقل العربي كما كان ينتقل في ظل الخلافة الإسلامية، بلا جواز سفر أو بطاقة شخصية بين ربوع هاتيك الدول المستحدثة.؟
استمرأ السياسي العربي المعاصر تفرّق الأرض العربية إلى دول، وذلك من باب الاستفراد في السلطة وتظهير هويات ذلك التفرّق، فصار هنالك سوري وعراقي ومصري وأردني ولبناني وسعودي وتونسي وجزائري، إلى ما هنالك من جنسيات، نسبة إلى الدولة التي جعله مكان مولده ومسقط رأسه من رعاياها.وصارت للعرب جامعة، أثبتت الأحداث المتتالية منذ نشوء(إسرائيل) أنها لم تُجمع يوما على قرار يعزز كرامة العرب وينتصر لهم في مواجهة الظلم العدوان، بل تحولت إلى مفرِّقة بكل ما للكلمة من معنى، خاصة ونحن نراها حتى الآن كيف تعبث، وتدعو غيرها للعبث، بمكونات المجتمع العربي بكافة أطيافه،اتساقا، إذا لم يكن تنسيقا، مع الغرب الرامي إلى تدمير البنية العربية الإسلامية على حد سواء، في ظل ربيع أسموه عربيا، فكان في منتهى البعد عن العروبة والإسلام، برغم كل الشعارات الزائفة التي أطلقت باسمهما؟!
ويسأل سائل عن مقومات العرب، وأرض منبتهم ودفقهم تٌحرق في “اليمن”، وتدمَّر في سورية مشرب تنوعهم، وتُقتّل في العراق مجنبة قوتهم.وتُجمَّد في “مصر” عصب نجدتهم…كل ذلك بفضل تكاتف بعضهم وأعداء العرب، أعداء أنفسهم، في سبيل مصلحة الاحتفاظ بالسلطة والجاه والمال ولو في أضيق مما يتسع الحال؟!
خلاصة
بينت الأحداث التي عصفت بالوطن العربي، منذ نشوء(إسرائيل) :
أن العربي إذا ما حوصر في عروبته ينخاز إلى دينه، وإذا ما حوصر في دينه ينحاز إلى مذهبه وإذا ما حوصر في مذهبه ينحاز إلى طريقته، وإذا ما حوصر في طريقته ينحاز إلى عشيرته، وإذا ما حوصر في عشيرته ينحاز إلى فخذه، وإذا ما حوصر في فخذه ينحاز إلى عائلته..وهكذ نجده ينقسم إلى أكثر من ازدواجية انتماء، لذلك نجح أعداؤه وهزموه في عقر داره، ويصح القول في عقرنفسه. برغم حصار الأعداء لجميع العرب، لأنهم ينظرون إلى وحدتهم الاحتمالية، بينا هم هنا ليسوا في العير ولا في النفير من هذه الناحية .ودليلنا ما آل إليه مصيرهم حتى اللحظة.!.. اللهم إلا من رحم ربي وما أقلهم؟
عبرة:
عندما بدأت الانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة تهدد التماسك المجتمعي في داخل (إسرائيل)، وتعيق بشكل مؤثر من حركة تدفق المهاجرين وحماسهم إلى الهجرة إليها …خرج أصحاب العقول فيها يتنادون لشحذ الهمم الفكرية استدراكا لأخطار أشد وأدهى، وضمن هذا التوجه وجدنا كيف أن المفكر الإسرائيلي “يحزقيل درور” يقول، بعد أن يشير إلى أن مصير (إسرائل) أصبح في خطر:” يجب استنفار كل ما يمكن من جهد عند العقل الصهيوني ومؤسساته لإعادة الحماس″.
ماذا عن العرب؟ أنا أؤمن بوجود عقول تاريخية لديهم فهل يوجد لدينا عقول معاصرة؟ إن مصير العرب مهدد الآن، أكثر من أي وقت مضى من تاريخهم…أليس في هذا ما يكفي لشحذ عقولهم وتظهير إبداعهم ودب الحماس في نفوسهم خدمة لتماسكهم وصون وجودهم؟ لست متشائما، لكن الخسائر كانت يمكن أن تكون أقل بكثير لو أعمل العرب عقولهم مبكرا.
كاتب سوري