دفعتني "حادثة أنكرمدي" التي مارس فيها رجال من أهل القرية هذه عنفا بالغوا فيه ضد رجل من أهل "بحجرة" شرقي "اركيز" دفعتني هذه الحادثة لأناقش السؤال الذي يطرح نفسه: إلى أين ينبغي أن يتوجه هذا الشخص للحصول على القصاص ممن جنوا عليه؟ هل يتوجه إلى القبيلة أم إلى الدوله؟ وﻷناقش تبعا لذلك جدلية،أو إشكالية،أو معضلة العلاقة بين الدولة والقبيلة، وعلاقة المواطن وانتماءه،وتعاطيه مع الدولة،أو مع القبيلة،أو تعاطي اﻹثنتين الدولة أو القبيلة مع المواطن . إن مناقشة هذا السؤال تقتضي أن نعترف أن هناك دولتان أو صنفان للدولة،دولة عادلة قادرة على تحقيق العدالة لموطنيها ولا تقبل أن يمنعها مانع من ذلك،ودولة لا تستطيع - ولو كانت راغبة - أن تحقق العدالة لمواطنيها لوجود قوانين فاسدة تكبلها،وهي لضعفها تقبل ذلك،ولوجود منظمات دولية تشوش وتربك عمل دوائرها القضائية والأمنية. ولا شك إذن ان الدولة العادلة والتي لاتكبلها القوانين الفاسدة والمجمتع الدولي الظالم،لاشك أن هذه الدولة هي الخيار الأمثل واﻷسرع واﻷضمن،بل هي الخيار الشرعي الذي لايعدل عنه إلي سواه،فالدولة عندما تحقق العدالة وتنصف المظلوم من الظالم وتأخذ له حقه كاملا غيرمنقوص،تضمن بذالك حماية المواطنين من النزاعات والحروب الأهلية،وتقضي على القبيلة وتهمشها،وترجعها إلى الدور المحدود جدا،الذي أناطه بها الإسلام وبينه بشكل واضح،وهو التعارف وحفظ الأنساب (يأيهاالناس إنا خلقنكم من ذكر وأنثي وجعلنكم شعوبا وقبائل لتعارفو......))وقضية الديات (وماكان لمومن أن يقتل مومنا إلاخطأ ومن قتل مومنا خطأفتحرير رقبة مومنة ودية مسلمة إلي أهله إلاأن يصدقوا.....)والدية على العاقلة؛ومن الجدير ذكره هنا أن هناك علاقة طردية بين الدولة القوية التي تقدم لمواطنيها جميع الخدمات،ومن أهم الخدمات،الأمن والعدالة وإنصاف المظلوم من الظالم،وبين قوة المواطنة وانتماء المواطن لوطنه والدفاع عنه والإستعداد للتضحية في سبيله،أي كلما قويت الدولة وكانت قوتها لصالح مواطنيها،قويت المواطنة وترسخت،وكلما ضعفت الدولة وكانت سلبية في التعاطي مع مواطنيها كلما ضعفت المواطنة. كماأن هناك في المقابل علاقة عكسية بين قوةالدولة وقوة المواطنة من جهة،وبين القبيلة والقبلية،أي أنه كلما قويت الدولة وقويت المواطنة،ضعفت القبيلة والقبلية، وبالعكس كلما ضعفت الدولة وضعفت المواطنة،كلما قويت القبيلة وترسخت القبلية. أمالدولة الأخرى،أي التي لاتتمكن من فعل كل ماتريد وتعجز عن تنفيذالحكم العادل،وعن مواجهة الظلمة والمستهترين،وهو مالانرضي أن يكون واقع حال دولتنا، ففي مثل هذه الحالة يصبح المجني عليه مرغما للرجوع إلي قبيلته التي ستأخذ قضيته مأخذالجد،وتبادر لنجدته والوصول إلى من ظلموه والإنتقام منهم بالسرعة المطلوبة،وبالحماس والزخم المطلوبين والمعهودين في مثل هذه المواقف،لكن ذالك يمكن أن يكون بشكل غير محسوب،ولامتحكم في نتائجه ومآلاته،ولربما أدى إلى أمور خطرة وفتن وحروب،إنه الخيار الأسوأ طبعا،ولكنه خيار قائم،ويمكن ان يلجأ إليه هذا الشخص إذالم تقم الدولة بمسئولياتها في القبض على الجناة والإنتقام منهم وعلى قاعدة (النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص))هذا فقط وبشكل لابديل عنه هوالذي يمكن أن يحل المشاكل ويحقق العدالة ويوفر الأمن والإستقرار، فعندما يقول حكيم عربي مستلهما من النتائج الباهرة لتطبيق الحدود الشرعية التي جاء بها الدين الجديد ((الإسلام)) عندما يقول (القتل أنفى للقتل ويعني بها طبعا أن القتل الواقع من السلطان وولي الأمر قصاصا،أنفى أي أقطع للقتل المنفلت الواقع من الأفراد،والذي لاتتم السيطرة عليه حتى يحصد الكثير من الأرواح ويعيث في الأرض فسادا،فهو بلاشك يريد،أوكأنما يقول وقياسا على ذالك ان القصاص،أي في بقية الجنايات أنفى للقصاص . أي أن القصاص الواقع من السلطان وولي اﻷمر في الجنايات الأخرى،ينهي ويقطع الطريق على القصاص الواقع من اﻷفراد بعضهم ضد بعض،والذي لامحالة سيؤدي إلى فتن وحروب،والدولة هي السلطان وهي ولي اﻷمر،وعليها أن تقبض على الظالم بيد من حديد،وتأخذ للمظلوم حقه منه. أما عندما تعمد الدولة للقبض على هؤلاء بيد من حرير،وتوفر لهم الأمن والأمان وتبقيهم فترة في سجن كثيرا مايكون مريحا،لأن ذلك هو ما تأمر به القوانين الدولية الظالمة،ولايتعرض الجاني الموقوف إلى أي عقاب جسدي،انسجاما أيضا مع تلك القوانين،بل ربما فتح السجن لأهل الجناة يدخلون إليهم ماأرادو من وسائل الراحة،وأنواع الحاجيات،وتكون فترة سجنهم فترة راحة واستجمام،ويخرجون بعدذالك أبطالا،يستقبلون استقبال اﻻبطال ، عندما يؤول اﻷمر إلى هذا المآل فإن ذلك يعني أن الدولة تخلت عن مسؤوليتها في إنصاف المظلومين والإنتقام لهم ممن ظلموهم،ويعني هذا فقدان العدالة،ومن ثم غياب اﻷمن. إنني أهيب بدولتنا أن لا ترضى أن تكون دولة ضعيفة،بل أن تكون قوية وصارمة، وإنها تسطيع ذلك إذا أرادت ؛ إن النظام الذي يحكم الدولة اﻵن استطاع أن لا يرضخ للغرب والأمريكيين في قضية قطع العلاقة مع الكيان الصهيوني،وقام بطرد سفيرهذالكيان بشكل سريع وفي وقت قياسي حين أقتنع بضرورةذاك ؛
وهذاالرئيس محمد ول عبد العزيز،وهذا النظام استطاع أن يتصدى للإرهاب الذي كاد أن يقضي على كيان الدولة،واستطاع أن يقف في وجه اﻹرهاب وأن يوجه له ضربات موجعة،وان يضطره للبقاء بعيدا عن الحدود . انني أهيب بهذه الدولة أن تتبنى قضية هذا الشخص الذي تعرض لظلم فاضح، والتي هي قضية آخرين،وتقبض على الأشخاص الذين مارسوا الجرم في حقه، وتمكنه من الإنتقام منهم بيده،وإلا فبأيدي رجال الأمن،لكن بحضرته،وأمام ناظريه وناظري أشخاص من أهله،ليكونوا شهودا على أن الإنتقام حصل،وأن العدالة أخذت مجراها . ربما اعتبر البعض أن هذالطلب: أي تمكين المجني عليه أن يأخذ حقه بيده أوبأيدي رجال الأمن بحضرته،ربمااعتبره البعض طلبا في غير محله أوطلبا تعجيزيا،وأنا أراه عاديا ومقبولا ومستساغا جدا،خصوصا إذاتذكرنا حادثة القضاءالشهيرة التي قضي فيها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب للقبطي المصري ضدالصحابي الجليل عمروبن العاص،
والي مصر آن ذاك وابنه،حيث ناوله الدرة وقال له اضرب من ضربوا ابنك وفعل القبطي،وأخذ حقه بيده من إبن الوالي والذي هوصحابي جليل. فهل المجني عليه في "حادثة انكرمدي" أدنى وأقل شأنا من قبطي مسيحي؟ أم هل الجناة في هذه القضية أعظم شأنا وأرفع منزلة من الصحابي الجليل عمرو بن العاص وابنه ؟والذي هو في ذالك الوقت وال على إقليم كبير من الدولة الإسلامية هو مصرالكنانة؟ بهذا فقط تكون هذه القضية قدسويت ولايبقى بعد ذلك نزاع بين هؤلاء اﻷشخاص،ولا بين القبيلتين . أما إذا لم تتجه الأمور هذا الاتجاه،ولم نصل إلى هذه النتيجة،فإن الباب سيظل مفتوحاعلى المجهول ولن يضيع حق وراءه طالب،خصوصا إذا كان هذا الطالب هو من هو،وبحجمه المعروف ووزنه المعروف.
اﻷستاذ أحمد محمد دي /10/08/16