لصادق بنعلال
( 1 )
أضحى جليا للمراقبين المعنيين بالشأن السياسي المغربي ، أن ” فشل ” بناء حكومة جديدة ، بعد استحقاق تشريعي فاز فيه حزب العدالة و التنمية بأغلبية معتبرة ، هو فشل مصطنع و مخطط له بدهاء ، من قبل ” جهات ” تعلن ولاءها للدولة العميقة . و في هذا السياق بدأنا نطالع ” اجتهادات و مقاربات دستورية ” تصدر عن إعلاميي و سياسيي السلطة ، و تسعى إلى البحث عن ” الحلول ” الكفيلة بتجاوز حالة ( البلوكاج ) ، عبر قراءات مغرضة و غير شريفة لمنطوق الدستور و فحواه . و كمثال على ذلك ما عبر عنه المسؤول الإعلامي الكبير السيد عبد المنعم الدلمي في افتتاحية ” الاقتصادية ” المغربية ( 16-11-2016 ) ، إذ لخص بإيجاز ما يصبو إليه خصوم الديمقراطية و مناوئو الشرعية الدستورية ، أي الالتفاف على الإرادة الشعبية ، و إسقاط الحزب الفائز في انتخابات حرة و نزيهة و ذات مصداقية وطنية و دولية .
( 2 )
و نود أن نتفاعل ديمقراطيا مع الحلول ” المقترحة ” من قبل السيد الدلمي ، من أجل تسليط مزيد من الضوء على هكذا موضوع ، كان من الممكن أن يعالج إيجابيا بعيدا عن أي اصطفافات و آراء سياسوية منحازة . و عليه فإذا كنا نتفق على أن غاية أي دستور تتحدد في التدبير الأمثل للأمة ، فيجب تبعا لذلك أن نتفق أيضا على أن الدستور هو أسمى قانون في حياة المجتمعات و الأمم ، مما يستدعي احترام مواده و فصوله ، و قراءته و أجرأته ديمقراطيا ، خدمة للأهداف السامية و القيم الإنسانية الثاوية بين لحمته و سداه . فقد لا يكون الخلل و العوَر في متن النصوص و القوانين و التشريعات ، بقدر ما قد يكونان في ” عقل ” مستعملي هذه النصوص و ” مترجميها ” على أرض الواقع .
( 3 )
كما أن أي متتبع مُحايد لا يمكن أن يُقر بفشل السيد عبد الإله بنكيران لوحده في الحصول على الأغلبية المطلوبة ، لتشكيل حكومة جديدة ، لأنه ببساطة لم يتشاور مع أحزاب وطنية مستقلة كليا ، لها قراراتها الذاتية ، فغالبية ” الهيئات ” السياسية التي وجد نفسه مضطرا لمفاتحتها في أمر تشكيل الحكومة فاقدة إلى حد كبير للإرادة الحرة ، و غير قادرة على أن تتعاطى إيجابا أو سلبا مع قضايا الوطن دون العودة إلى المسؤولين الكبار . مما يعني من جملة ما يعني أنه في ظل تراجع وزن الأحزاب الوطنية الجادة نسبيا ، و في غياب الاستقلالية و لو الجزئية للكيانات الحزبية الإدارية ، لا يمكن الحديث عن فشل رئيس الحكومة المكلف ، في بلورة أغبية مريحة ، بقدر ما أن هذا الفشل هو أيضا و بنسبة أكبر من نصيب خصوم المنهجية الديمقراطية و التداول السلمي على السلطة ، فما هو الحل الكفيل بتجاوز هذه الأزمة المفبركة ، و الدفع قدما نحو تشكيل ائتلاف حكومي منشود ؟
( 4 )
إن الحديث عن تنظيم انتخابات جديدة يخلو من الجدية و الصدقية ، ليس لأن ذلك يستدعي أغلفة مادية باهظة و استعدادات لوجستيكية مكلفة ، بل لأن الفوز سيكون مرة أخرى من نصيب العدالة و التنمية و ربما بفارق من المقاعد أكبر ، كما أن إمكانية تعيين الملك لرئيس جديد للحكومة أمر مستبعد ، رغم أن الدستور المغربي لا يمنعه من ذلك ، لأننا نعلم أن العاهل المغربي مُصرٌ ، في خُطبه الرسمية و مواقفه السياسية الجريئة ، على الالتزام الفعلي بالاختيار الديمقراطي ، و التشبث باحترام الإرادة الشعبية و التنفيذ الفعلي و الدقيق للإجماع المغربي . و عليه فلئن كان أقصر مسافة بين نقطتين هو الخط المستقيم ، فما على زعماء الأحزاب المغربية إلا أن يتحلوا بقدر من الشجاعة الوطنية ، و لو مرة في سياق دولي سياسي محموم ، و يُغلبوا مصلحة الأمة على المصالح الفردية غير السليمة ، لتجاوز هذه الانتظارية التي قد تنذر بمخاطر نحن في غنى عنها ، و المرور رأسا إلى معالجة قضايا شعب يروم عيشاً كريماً في ظل نسق سياسي يوائم بين الإصلاح المتواصل و الاستقرار الدائم !
– باحث