في عام 1978، وبعد توقيع الرئيس محمد أنور السادات اتفاقات كامب ديفيد ببضعة اسابيع، أجريت حوارا مع الشيخ عمر التلمساني، المرشد العام لحركة “الاخوان المسلمين” في حينها، وبذلت جهدا كبيرا لانتزاع ادانة صريحة منه لهذه الاتفاقات، وزيارة الرئيس المصري قبلها للقدس المحتلة، ولكنه رواغ وتملص من الإجابة عن جميع الأسئلة في هذا الخصوص، وعندما لاحظ خيبة املي، وانفعالي ونزقي (كنت شابا في تلك الأيام)، قال لي بحنو الأب “اقفل المسجل يا ابني.. اريد ان أقول لك امرين: الأول، انني لا يمكن ان اتحدث بكلمة سوء عن مصر ونظامها الحالي وانا خارجها.. والثاني، نحن حركة إسلامية دعوية.. واي صدام مع النظام سيؤدي الى عواقب وخيمة، فهذه الأنظمة لا ترحم، وتستهدف الحركة، وعلينا التحلي بالصبر وتجنب المواجهة حفاظا عليها واستمرارها”.
كلمات الشيخ التلمساني هذه ظلت عالقة في ذهني طوال السنوات الماضية، وانا اراقب المشهد السياسي المصري، وتعاطي الحركة مع كل تطوراته، وخاصة مرحلة ما قبل، واثناء، وما بعد ثورة يناير المصرية الأخيرة.
السلطات الحاكمة في مصر، وبدعم من قطاع عريض من الشعب، قررت اعلان الحرب على حركة “الاخوان” واطاحة حكمهم بقيادة الرئيس المنتخب محمد مرسي، والزج به، ومعظم قادة الصفين الأول والثاني فيها خلف القضبان، وإصدار احكام بالسجن المؤبد والاعدام في حق معظم هؤلاء.
***
بالأمس خطت هذه السلطات خطوة اكبر عندما أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكما بوضع اكثر من 1502 شخصية مصرية، قالت انهم ينتمون الى حركة “الاخوان” من بينها الرئيس مرسي، وجميع افراد اسرته، والمرشد العام محمد بديع، علاوة على لاعب الكرة المصري الدولي “الخلوق” محمد ابو تريكة على قوائم الإرهاب، وهذا يعني تجميد أموالهم، ومنعهم من السفر، وسحب جوازات سفرهم، وحرمانهم من أي وظائف سفلى او عليا في الدول، مثلما احالت النيابة العامة في مصر 304 “مشبوهين” بينهم قادة في التنظيم يتواجدون حاليا في تركيا الى محكمة عسكرية بتهمة تنظيم ودعم جماعات تقف خلف عدة هجمات إرهابية وقعت في القاهرة وغيرها من المدن المصرية.
هذه الاحكام ليست مفاجئة، ولكن المفاجأة قد تكمن في توقيتها، فربما ليس من قبيل الصدفة ان تصدر قبل ثلاثة أيام من تولي الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب مهامه الرئاسية في قمة السلطة التنفيذية الامريكية.
نشرح اكثر ونقول ان هناك تقارير إخبارية أمريكية قوية رائجة هذه الايام تشير الى ان إدارة ترامب قد تدرج جماعة “الاخوان المسلمين” وفروعها في مصر والعديد من الدول الأخرى، على قائمة “المنظمات الإرهابية”، وان الرئيس ترامب يتزعم هذه الخطوة، ويجد دعما من أعضاء ادارته البارزين، مثل ريكس تيرلسون، وزير الخارجية، ومايك بومبيو، المرشح لمنصب رئيس وكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي أي ايه)، وجيمس ماتيس، وزير الدفاع المرشح، وانه جرى توكيل السيناتور تيد كروز لاعداد مشروع القرار الذي ستطرحه الإدارة على الكونغرس للمصادقة عليه.
ما يجعلنا نرجح هذا التوجه لادارة ترامب، امران: الأول، وجود بعض فقرات من قرار بريطاني مماثل اقترب من الصاق تهمة “الإرهاب” بالحركة صدر قبل عام في النص المقترح، والثاني ما قاله تيلسون، وزير الخارجية الجديد في خطابه امام جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي، ونقتطع بعض فقراته مثل “القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية” كخطوة أولى يمنح الفرصة للقضاء على تنظيمات إرهابية أخرى تستهدف بلادنا وحلفاءنا.. كما تتيح لنا فرصة التركيز على تنظيمات الإسلام الراديكالي الأخرى مثل “القاعدة”، و”الاخوان المسلمين”، وبعض الهيكليات في ايران”.
***
بعض الآراء الوارد في التقرير الأمريكي المذكور الذي نشرت مضمونه عدة صحف من بينها “ايزفستيا” الروسية، ان حركة “الاخوان المسلمين” تنظيم اممي وفر البنية التحتية العقائدية التي أدت الى نشوء تنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية”، وله مكاتب تمثيلية في معظم دول الشرق الأوسط وأوروبا”.
العلاقة بين الرئيسين الأمريكي ترامب ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي يمكن وصفها بأنها تحالفية وتنسيقية قوية، وترتكز في بعض جوانبها على أرضية العداء للجماعات الإسلامية المتطرفة، ولم يكن صدفة ان يهاتف الرئيس الأمريكي الجديد ترامب الرئيس السيسي شخصيا، ويطلب منه عدم تقديم مشروع قرار أعدته بلاده يدين الاستيطان الإسرائيلي، ويطالب بوقفه فورا، ويجد هذا الطلب تجاوبا سريعا.
العام الحالي ربما يكون عام “تجريم” حركة “الاخوان المسلمين” ووضعها، او جناحها العسكري المفترض على لائحة “الإرهاب”.. وفي تقديرنا ان مثل هذه الخطوة ستصب في مصلحة الجناح المتشدد للحركة الذي يطالب باللجوء للعنف، وهو جناح موجود وقوي، في المقابل فإن الحركة مطالبة بإجراء “مراجعات” نقدية لكل سياساتها ومواقفها طوال السنوات الماضية، واستخلاص العبر والدروس، وربما تجد في ارث المرحوم الشيخ التلمساني الذي بدأنا ببعضه هذا المقال الكثير منها، ونتوقف عند هذا الحد.