الجزائر والمغرب.. صراع بلا نهاية…. | 28 نوفمبر

الفيس بوك

إعلان

الجزائر والمغرب.. صراع بلا نهاية….

ثلاثاء, 06/14/2016 - 04:40

أثار وفاة زعيم جبهة البوليزاريو محمد عبد العزيز مؤخرا ملف الصحراء الغربية من جديد وهي القضية التي لم تنتهي يوما بل تختفي  لفترات  لتعود مجددا الى الواجهة بمجرد صدور تصريحات من الرباط أو من الجزائر العاصمة ، هذه الأزمة تعايش معها جيلين على الأقل من شعبين تجمعهم روابط الدم والتاريخ والدين أكثر مما تفرقهم المصالح السياسية التي طغت و أفسدت كل محاولات التقارب بين الجزائر والمغرب. قبل الحديث عن الخلاف بين الجارتين يجب أولا قلب صفحات التاريخ للغوص في بعض الأحداث والحقائق التي أوصلت العلاقات بين الطرفين الى طريق مسدود .

إن التراكمات التاريخية هي أهم عوامل الخلاف بين البلدين فلو رجعنا لعقود مضت لوجدنا أن السبب الرئيسي يكمن في قضية ترسيم الحدود المغربية مع الجارة الجزائر فالمغرب خلال عصر الدولة السعدية كانت تمتد سلطتها طبقا لنظام البيعة الى بلاد شنقيط ( موريتانيا ) وجزء كبير من مالي بالاضافة الى تندوف في الجزائر ولكن الإستعمار الفرنسي أعاد رسم الحدود بطريقته الخاصة واقتطع بعض المناطق وضمها لدول أخرى حسب مطامعه الاستعمارية فبعد إكتشاف مناجم الحديد والفسفات قررت فرنسا سنة 1950 ضم كل من كولومب بشار وتندوف الى مستعمرتها الجزائرما أثارغضب المغرب الذي أراد استرجاع أراضيه من خلال المفاوضات مع فرنسا والتي باءت بالفشل فقررت المغرب حينها التفاوض مع السلطات الجزائرية لاستعادة أراضيها  بعد استقلال الجزائر ، ففي 6 من يوليو1961 وقعت المغرب مع رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة فرحات عباس إتفاقا ينص على حل مشكلة الحدود وترسيمها بين البلدين بمجرد نيل الجزائر استقلالها  وهذا ما رفضه لاحقا الرئيس الجزائري أحمد بن بلة جملة وتفصيلا  معتبرا أن الأراضي التي تريد المغرب إسترجاعها حررت بدماء جزائرية وكان أولى للمغرب أن تحمل السلاح ضد فرنسا لإسترجاع ما سلبه المستعمر منها فالجزائر لا تحارب بالنيابة عن أحد وهذا أيضا ما إعتبرته المغرب خيانة للاتفاق المبرم مع فرحات عباس وخيانة للمساعدات التي قدمتها المغرب للثورة الجزائرية المجيدة .وهكذا بدأت أول بوادر النزاع بين البلدين وقد وقفت العديد من الدول في العالم مساندة للجزائرعلى رأسهم  جمال عبد الناصر الذي انتقد النظام الملكي المغربي بشدة ووصفه بالرجعي وبأنه يمارس نفس سياسة الدول الامبريالية كذلك وصفه الاعلام المصري أنذاك .تسارعت الأحداث وفي خطوة غير مدروسة هاجمت قوات عسكرية جزائرية إحدى المراكز العسكرية المغربية وقتلت عددا من الجنود فجاء الرد سريعا أن دخل البلدان في حرب سميت ” بحرب الرمال ” سنة 1963والتي ساهم كل من جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الافريقية  في إخمادها سريعا.

لم يكن هذا السبب الوحيد في خلق جو العداء والتوتر بين البلدين فالجزائر لم تسامح يوما المغرب التي اتهمتمها بمساعدة المخابرات الفرنسية في خطف الطائرة  التي كانت تقل وفد قيادة جبهة التحرير الجزائرية  في أكتوبر 1956 المتجهة حينها من الرباط الى تونس والتي اعتبرت أول عملية قرصنة جوية في التاريخ ، وما زاد الطين بله هو الاتفاق الذي وقع بين موريتانيا والمغرب بخصوص إقتسام الصحراء وحصل ذلك دون استشارة الجزائر سنة 1974 ، فكان رد الجزائر أن قامت بدعم الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب والمعروفة باسم جبهة البوليزاريو الرافضة للسيادة المغربية ولم توفرالجزائر جهدا دبلوماسيا أو سياسيا أو حتى عسكريا لدعم القضية الصحراوية وصرحت أن لا مطامع لها في الصحراء لكنها تدعم بقوة فكرة تصفية الاستعمارمهما كان شكله في المنطقة وأن الشعب الصحراوي  له الحق في تقرير مصيره وفق مبادئ الامم المتحدة و ذلك ما أقرته ايضا محكمة العدل الدولية في هذا الخصوص ورفضته المغرب كليا بإعتبار أن الصحراء جزءاً لا يتجزأ من أراضيها.

بقي ملف الصحراء الغربية عالقا في أروقة الأمم المتحدة ولم تلقى المقترحات المطروحة من مبعوثيها لحل الأزمة بين جبهة البوليزاريو والمغرب أي تشجيع وزادت وتيرة الأزمات بين الجارتين الجزائر والمغرب بعد تفجيرات فندق آسني بمراكش سنة 1994 حيث وجهت السلطات المغربية اتهامات مباشرة للمخابرات الجزائرية أنها وراء العملية وقامت مباشرة حينها بفرض تأشيرة دخول على المواطنين الجزائريين لكن الجزائر كان ردها أعنف بإغلاق الحدود مع الجارة المغرب كإجراء تأديبي استمر سنوات والى يومنا هذا.

وبقي الطرفان بين الحين والآخر يتبادلان أصابع الإتهام فالمغرب تتهم الجزائر بتهديد وحدتها الترابية وجعلت من موضوع الصحراء قضية وطنية علقت عليها وأجلت بسببها كل مشاريع التنمية الإقتصادية والاجتماعية وفي المقابل لا تزال السلطات الجزائرية تتهم المغرب بإغراق الجزائر بمئات الأطنان من المخدرات التي تدخل عن طريق التهريب الى الحدود الجزائرية  وهذا يدل على وجود خلل أمني جزائري واضح في مسألة ضبط الحدود .

إختلف البلدان كثيرا ولم يتفقا الا على نقطة واحدة وهي إمتلاك أكبر كمية من السلاح والعتاد إستعدادا لحرب لن تنفع أحد ولن تغير من الوضع الإقتصادي والاجتماعي السيئ في كلى البلدين فالجزائر التي تعد أغنى الدول الأفريقية والتي تحتل المرتبة الرابعة عالميا في انتاج الغاز الطبيعي يعيش حوالي 20% من سكانها تحت خط الفقر وهذا أمر كارثي وليس بعيدا يصل عدد الأميين في المغرب الى 10 ملايين شخص أي أن ثلث سكان المغرب أميون لا يعرفون القراءة والكتابة ؟ . يخسر سنويا كل من المغرب والجزائر المليارات بسبب توقف الحركة التجارية عبر الحدود المغلقة كما تفاقمت عمليات التهريب التي تضر بشكل مباشر بإقتصاد البلدين ولا يبدو أن ذلك مهما للطرفين ويبقى السؤال الوحيد الى متى ستظل الحدود مغلقة والعداوة مستعرة وكيف السبيل لخلق روابط الثقة بين البلدين من جديد ؟ أم أن نموذج الحرب الباردة بين الكوريتين وجد أرضا خصبة في مغربنا الكبير ؟

وهيبة بوحلايس

**كاتب جزائرية