الشاعرة الجزائرية سليمة مليزي: المبدعة في الجزائر تعاني التهميش وسيطرة الأدب الذكور | 28 نوفمبر

الشاعرة الجزائرية سليمة مليزي: المبدعة في الجزائر تعاني التهميش وسيطرة الأدب الذكور

جمعة, 06/24/2016 - 05:54

نواصل التحليق في المشهد الأدبي الجزائري وضيفتنا اليوم الشاعرة الجزائرية سليمة مليزي وهي تكشف لنا أن المرأة الجزائرية المثقفة   ترفض الخناق أو السيطرة التامة  على حرية تعبيرها  وأنها ليست ناقصة عن الرجل حيث كتبت  القصة والرواية وأثبتت قدراتها الابداعية بكل وعي ومسؤولية لأنها  جسدت الواقع المرير  الذي  تعيشه المرأة العربية من أزمات.

كما تذهب أبعد من ذلك بقولها “القصيدة في أوج عنفوانها تولد أنثى، وكل ما هو جميل  أنثوي.. القصيدة أصبحت  المتنفس القوي للتعبير عن وجع الأنثى والصراخ بملئ جوارحها لرفض كل مقاييس التهميش وظلم المجتمع الذكوري  وتعسفه  في العالم العربي”.

ضيفتنا لديها الكثير لتقوله وتكشفه لنا عن قضايا مهمة…ندعوكم لسماعها ويمكنكم مناقشتها بمدخلاتكم.

* كيف تصفين لنا المشهد الأدبي الجزائري؟ وماهي أهم مساراته؟

ــ مسار المشهد الأدبي في  الجزائر كبير وحافل بالإنجازات الفكرية لكبارالكتاب والعلماء الجزائيين ، وخاصة بعد التحدي الذي  لعبته جمعية علماء المسلمين من أجل استرجاع الهوية الوطنية العربية ، الاحتلال الفرنسي الذي دام مائة وثلاثين عاما، وكان له أثره الخطيرعلى الثقافة واللغة العربية، فقد سعى للقضاء على كل مقومات الثقافة الوطنية معتمدا على سياسة قوامها ( التفقير، والتجهيل، والتنصير، والفرنسة ). وكانت النتيجة انتشار الجهل والأمية، وتدمير الحياة الثقافية والأدبية التي كانت مزدهرة قبل الاحتلال.لكن بعد الحرب العالمية الأولى بدأت بوادر نهضة ثقافية شاملة خاصة بفضل جهود جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تأسست في 5ماي 1931م ، عقب الاحتفالات التي أقامتها فرنسا بمناسبة مرور   قرن على احتلالها للجزائر، وما رافق هذه الاحتفالات من افتخار المعمرين بالقضاء على الشخصية العربية الإسلامية.

 أدت جهود جمعية العلماء إلى ظهور حركة أدبية نشيطة واكبت مختلف الأحداث التي مرت بها الجزائر وحققت العلاقة الجدلية القائمة بين الأدب والواقع، وقد برزت في هذه المرحلة ثلاثة اتجاهات رئيسة هي :

1ــ الاتجاه الإصلاحي المحافظ : مثله على الخصوص الشاعر محمد العيد آل خليفة

2ــ الاتجاه الوجداني : ومثله عدد من الشعراء منهم : رمضان حمود، ومبارك جلواح، والشهيدان عبد الكريم العقون والربيع بوشامة .

3ــ الاتجاه الثوري : ومثله على الخصوص شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا صاحب ديوان اللهب المقدس، وإلياذة الجزائر.

وقد أسهم النثر من خطابة، ومقالة، ومسرحية، وقصة، ورواية، إلى جاني الشعر في معركة التحرير، ويمكن الإشارة هنا إلى علماء الجمعية الأفذاذ مثل ابن باديس، والبشير الإبراهيمي، وأبو اليقضان رائد الصحافة الجزائرية ، وأحمد رضا حوحو، و الفوضيل الورثلاني بالإضافة إلى عدد من الأدباء الذين كانوا يكتبون بالغة الفرنسية منهم شهيد اللغة العربية مالك حداد (1927ء1978) ابن مدينة قسنطينة والذي أقسم بعد الاستقلال ألا يكتب بلغة ليست لغته.. فاغتالته الصفحة البيضاء، ومات متأثرا بسلطان صمته ليصبح شهيد اللغة العربية، وأول كاتب قرر أن يموت صمتا وقهرا وعشقا لها ، وقد اشتهر بمقولته ” الفرنسية منفاي “

بعد تأسيس الأدب الحديث منذ ثمانينات القرن الماضي من جيل  من الكتاب والروائيين أمثال الاديب الطاهر وطار،بوجدرة،عبد الحميد بن هدوقة… أتى جيل صنع الحدث  والتحدي وطوّر الأسلوب الأدبي من الكلاسيكي إلى الحديث الذي اتسم بجمال السرد العاطفي العميق من خلال  تأسيس مجموعة من الكتاب الذين أثبتوا أبداعهم بكل قوة وجمال من بينهم الروائي الكبير  واسيني الأعرج الذي  يتسم بأسلوبه العاطفي القوي الملهم لقضايا عاشها الانسان العربي  واستطاع أن يصل الى العالمية من خلال رواياته التي أذهلت النقاد والقراء أيضا الروائية الكبيرة أحلام مستغانمي التي استطاعت بأسلوبها العاطفي الشيق  أن تملك قلوب الملايين  وتصل الى قمة  مجدها وتخرج الأدب الجزائري الى العالمية. والروائية فضيلة الفاروق والروائي  عبد العزيز غرمول، والاديبة  الكبيرة الوزيرة زهور ونيسي، والشاعر الكبير  عميد الشعراء محمد بلقاسم خمار اطال الله في عمره وهو الذي تعلمت على يده فنون الادب والصحافة والذي اعتبره أبي الروحي في الابداع  والشاعر سليمان جوادي، ومحمد جربوعة  والأديبة والشاعرة أم سهام،والروائية ربيعة جلطي والشاعرة زينب الأعوج والأديبة نوارة لحرش، وأيضا الأديبة الأكاديمية  الكبيرة آسيا جبار التي كتبت بلغة المستعمر  وأتقنت لغتهم لدرجة الجنون والتحدي والجمال وأثبتت وجودها في أكبر أكاديمية فرنسية، وهناك نهضة جديدة من جيل الشباب الذين يشهد لهم العالم العربي من بينهم الروائية عائشة بنور والشاب المميز محمد رفيق طيبي والكثير منهم استطاعوا أن يوصلوا الأدب الجزائري إلى العالمية وأصبح  يتصدر منصة الابداع  وهذا باعتراف  كتاب  ونقاد عرب.

* ما المقلق لدى الكاتبات الجزائريات؟ وهل توجد أساليب سردية مميزة؟

ــ بالنسبة للمرأة الأديبة والمبدعة في الجزائر تعاني التهميش  وسيطرة  الأدب الذكوري إن صح التعبير ولو أنني لا أحب تفرقة الأدب بين الذكوري والنسائي أو الانثوي لأن الأدب أدب بكل مقاييسه  سواأً  كتبته  امرأة او رجل كليهما يعبران بعمق  عن معاناة و فرح المجتمع ،ربما الفرق الوحيد  هو أن المرأة تستطيع أن تعبّر بكل جوارحها عن معاناتها من التهميش  والسيطرة  التعسفية من طرف المجتمع الرجولي  الذي أصبح يشكل  هاجسا وهوسا  ومرضا خاصة بالنسبة للمرأة المتعلمة والمثقفة  التي ترفض الخناق أو السيطرة التامة  على حرية تعبيرها  وافكارها الناضجة التي توازي فكر الرجل  حاليا ، ومما أتاح للمرأة التعلم والبحث  واعتلاء مناصب مهمة جدا في المؤسسات العلمية والتربوية والفكرية  والصحية مما أهلها أن تحتل المراتب الأولى في اتخاذ القرار الصائب  والحكيم .

الأساليب السردية التي تتميز بها المرأة تعتبر مهمة جدا من حيث عدة جوانب.المرأة كتبت  القصة والرواية حيث  أثبتت قدراتها الابداعية بكل وعي ومسؤولية لأنها  جسدت الواقع المرير  الذي  تعيشه المرأة العربية من أزمات التوازن الفكري في المجتمع بين المرأة والرجل وتقسيم الأدب إلى أدب نسوي ولا يقال أدب رجالي وهذا ما عرقل  ذهن المرأة وتركها تميزعن الرجل في مجال الكتابة الإبداعية ، بينما  نرى أنّ المرأة خرجت من شرنقة الحكي والكلام إلى حديقة الابداع المتفتح ،وتحررت من همس الليالي وتضييق الروح الأنثوية والإنتظارالطويل لتنطلق في ضوء النهار الساطع وتفرض فكرها بكل  قوة أمام المجتمع الرجولي.

 الأنثى أصبحت تمارس الحيادية بين قلم ذكوري أمسكته أصابع أنثوية ساحرة تتدفق بمشاعر وإيحاءات مختلفة.

* هل القصيدة بالنسبة للشواعر أصبحت مساحة للبوح والرغبة في الصراخ؟ أما تزال المرأة تحارب سلطة ودكتاتورية الرجل؟

ــ القصيدة في أوج عنفوانها تولد أنثى ،وكل ما هو جميل  أنثوي.

القصيدة أصبحت المتنفس القوي للتعبيرعن وجع الأنثى والصراخ بملئ جوارحها لرفض كل مقاييس التهميش وظلم المجتمع الذكوري  وتعسفه  في العالم العربي.

حرب  المرآة ضد دكتاتورية الرجل ما تزال  في أوجها  وتزداد حدةً مع  تراجع التربية والفهم الخاطئ للدين الإسلامي والتطرف والتخلف الذي لف عقل الرجل العربي ، وأفقد بوصلة الحنين  واحترام المرأة التي قادت معركة الحياة بجانبه ، المرأة التي كرمته بهذه الحياة .

*حدثينا عن تجربتك الادبية ومنابع هذه التجربة وأهم الانجازات؟

ـ  الابداع الحقيقي  يولد مع الجمال والبيئة التي نعيش  فيها ، بالنسبة لي عشت في قريتي الصغيرة التي ولدت فيها وترعرعت  بين أحضان طبيعتها  الخلابة  وهي بني عزيز التي كانت تشبه الحلم  أو الاسطورة بجمالها وحدائقها وثلوجها وبناياتها الجميلة ذات الطراز الفرنسي،بأسقفها القرميدية الحمراء وأشجارها الباسقة وعيونها التي تتوسط القرية ووديانها وجبالها التي لا يفارقها الثلج طيلة السنة.

 كل فصولها كانت تلهمني وتسحرني بجمالها.كنت أحب كثيرا المطالعة في حديقة جدي  تحت الدوالي وتؤنسني تغاريد الطيور وهفهفة الرياح وحفيف أوراق الأشجار وهي تتساقط   فتصنع الجمال وتدغدغ حواسي الإبداعية، كان يتملكني سلطان الانا حيث كنت أعشق وحدتي والطبيعة هي خلوتي و المنبع الرئيسي  في اكتشاف  موهبتي  الابداعية، هناك حيث الجو العائلي حيث  أجدادي كانوا متعلمين وجدي كان قاضيا  وكانت لنا مدرسة قرآنية  ووالدتي ربتني على قصص الأنبياء جدتي لأمي كانت طبيبة. الابداع  فطرة تلد معنا  وننميها مع المطالعة المستمرة ،رغم أننا كنا نفتقر للكتاب خاصة باللغة العربية كان الكتاب بالنسبة لنا  شيء مقدس نبحث عنه بالشمعة (كما يقول المثل) وما زادنا حبا للمطالعة هو إنتقالنا إلى العاصمة ففيها إكتشفت عالما آخر من الثقافة  حيث تتوفر الكتب العربية والعالمية.

 كانت لي الفرصة لقراءة العديد من الكتاب العالميين ، والذي. ألهمني بسحرالشرق هو الروائي الكبير نجيب محفوظ حيث قرأت ثلاثيته في سن مبكرة  (15 سنة) وعشت سحر الشرق وجماله .

الإنجازت التي حققتها أتت صدفة حيث كان هاجسي أن أكتب وأبدع  ولا يهمني  أن أنشر،لكن الصدف الجميلة التي جعلتني أعمل في مجلة ألوان وأتعرّف على كبار الشعراء والأدباء  في فترة الثمانينات لعبت دوراً مهما في مساعدتي على النشر والطبع حيث طبعت أول قصة للاطفال وأنا في العشرين من عمري وكانت أول مبادرة مني في حقل الكتابة للأطفال،حيث كان هذا النوع من الأدب غائباً تماماً عن الساحة الأدبية في الجزائر.

 في سنة 1982 فزت بالجائزة الأولى في القصة القصيرة للشباب  ومنها بدأت إنطلاقتي الحقيقية للإبداع  والنشر في الجرائد الورقية التي كانت عبارة على ثلاثة جرائد رئيسية  ومن ينشر له فيها يعتبرمن المبدعين المميزين. بعدها انطلقت في كتابة الخاطرة والقصيدة النثرية التي لم  تكن هاجسي الأول وقد إعتبرتها حالة حميمية خاصة. كتبت المقالة الصحفية وقراءات  في اصدارات جديدة من الكتب الأدبية   وأول جريدة فتحت لي صفحاتها للنشرهي جريدة الشعب وأيضا جريدة الجمهورية بوهران قسم النادي الأدبي الذي كان المتنفس الوحيد لنشر الأعمال الابداعية للشباب، وفي سنة 1984 فزت بجائزة الجمهورية في القصة القصيرة ، ثم بدأت انطلاقتي  حين انتقلت الى مجلة الوحدة  للشباب وأسست أول مجلة للأطفال في تاريخ الأدب الجزائري وهذا  يعتبر تحديا ونجاحا في فترة  لم  تكن حرية التعبير لها مجال مثلما هي اليوم.

*من أين تستقي أفكاركِ عند الكتابة للطفل؟

ــ أعود إلى طفولتي  التيعشتها بين أحضان الطبيعة الخلابة ، الكتابة للطفل تتطلب الجمال والتشويق  والخفة وجماليات الروح  حتى نزرع في ذهنه حب المطالعة والتشويق ،لا أحبّ الكتابة العنيفة الموجهة للطفل التي تخلق له عقدة نفسية من الحياة  يجب أن نزرع في ذهنه الجمال   وحب الخير والتعاون بين الناس وزرع الحب في قلبه ،لأن طفل هذا الجيل  يعيش العنف والحروب والتطرف وأيضا  عالم التكنولوجيا الحديثة وحرب الألعاب الالكترونية التي طغت على تربيته ، وغياب الجدة التي كانت  تلم العائلة وتحكي  قصص من التراث،غياب لمة الأسرة التي فرقتها التكنولوجيا  الحديثة التي طبعا لها إيجابياتها العلمية ، لكنها سرقت منا الحب العائلي  والتلاحم ، لذالك أرى أنّ الأجمل أن نعيد البساطة وحب الطبيعة ونزرعها في ذهن الطفل حتى نخرج  قليلا  من الصراع التكنولوجي الذي  يعيشه  الطفل.

*ما الذي يغريك في الكتابة الأدبية؟ وما هو العمل الأكثر قرباً إليك؟

ــ الكاتب يرى الحياة من عين ثاقبة جدا يرى ما لا يراه الآخرون يملك الحاسة السادسة وهذا الشعور  ينتابني  كثيراً حيث أرى أشياء بدقة وتؤلمني حياة  المرأة وما تعانيه  من ظلم ، فأعبر عن وجعها بعمق  خاصة بالنسبة للقصة التي أجسد فيها الواقع ، وأعتقد أنّ الأديب هو من يستطيع  نقل واقع مرحلة من زمانه إلى القراء أكثر من المؤرخ  لأنه  ينقلها بكل إحساس إبداعي.

 يغريني في الكتابة الشعر وأعبر به بكل صدق موظفة الجمال  بكل مقاييسه،والحزن حين يفيض القلب ألماً،تغريني بسمة طفل،تغريني لمسة حنية لعاشقين في زمن أصبح فيه الحب تهمة خطيرة جداً، تغريني بكل ألم ما آل إليه العالم العربي  من دمار وخراب  للعقول ، يغريني طفل  فقد بوصلة الحياة واتخذ من البحر مسكناً و قارباً للموت،تغريني امرأة  في غزة  احترق رغيفها تحت قصف اسرائيل ،وقهوتها الصباحية أصبحت رماداً ،تغريني تفاصيل الحكاية  التي لم تكتمل بعد للبشرية …

ــ الجنس الأكثر قربا إلي هو الشعر حيثُ أعبر فيه عن حالات حميمية بيني وبين نفسي وأشعر أنّه لي وحدي أعبر فيه بكل جوارحي. حتى أنني اتهمت بالنرجسية والجرأة الزائدة في التعبيرعن الحب. فقلت لهم من لم يعش الحب لا يمكنه التعبير عنه ،وهذا ما ألاحظه عند شعراء هذا الجيل أشعر أنّ هناك كبت خطير في أشعارهم  وخلل في التعبيرعن الحب .

* بين الذاتية والموضعية كيف يأتي بنائك للقصيدة الشعرية؟

ــ أعتقد أنّ الذاتية والموضوعية هي ما في الداخل أو ذاتي هو جزء مما هو في الخارج وكذلك ما هو في الداخل هو جزء من الخارج والداخل والخارج متداخلان ومندمجان ببعضهما الآخر وكل منهما مرتبط بالآخر إرتباطا كليا بل هو امتداد له وكلاهما يمثلان وحدة لا تنفصم ومع مرور الزمن وتطور الوعي وتطور أشكال المعرفة بدأ الإنفصال يتضح بين ما هو في داخل الذات وما هو في خارجها وأخذ أحدهما ينفصل عن الآخر ويستقل بل أصبح هذا الانفصال والتمايز مطلبا ضرورياً وأضحى جزأً من الوعي والعدل والعلم والحضارة ،من هذا المنطلق يأتي بناء القصيدة الشعرية من الذات أولا لأن الشاعر يعبر بعمق بأحاسيسه المرهفة ،وبعدها يوظف الموضوعية خاصة عندما  يعبر عن وجع ما أو فرح أو حبا للوطن  وأعتقد أنّ الشاعر لا يكتب تحت الطلب لأن الابداع  الحقيقي ليس له مواعيد ولا قرارات وحتى الاختيار لا نختار  المواضيع  بل تأتي  بمجرد أن نشعر بعمق المشهد الذي  يمر أمامنا ويؤثر فينا حتى الوجع ، أو الفرح ، أو الصراخ  أو الرفض لمعاناة إنسانية  لم تكتمل فيها الحياة.

*ما تأثير البيئة الجزائرية على كتاباتك؟

ــ البيئة الجزائرية مرّت بظروف صعبة بعد العشرية السوداء التي فرقت بين العائلة وزرعت الضغينة  والتطرف والحقد ، وهي في رأي قاعدة للكتابة أكثر من أيّ وقت مضى حتى نؤرخ حقبة مؤلمة جدا  مرّ بها الشعب الجزائري ،لكننا تجاوزناها  والحمد لله وأصبح الجزائري  يعيش  في سلام  مقارنة بأخيه العربي ، البيئة الجزائرية لا تزال تحافظ على أصالتها وجمالها وتراثها الغني  في ثقافات  القيمة والمتنوعة من  التراث الأمازيغي  خاصة الذي يتسم بجمال الالفة والمودة والرحمة التي  تجمع العائلات الجزائرية مما تتيح لنا أيضا فرصة للكتابة بكل حب وتعتبر حقلٌ غني من أجل الابداع ،تلهمني المرأة الأمازيغية التي لا تزال تحافظ على لباسها التقليدي الجميل والأكل التقليدي،والحفاظ على العادات والتقاليد التي  تساهم في زرع الحب في العائلة الجزائرية.

*ما الدور المطلوب من الكاتب لدحر التصاعدات الطائفية والفكر الارهابي؟

ــ دور الكاتب  في دحر التصاعدات الطائفية والفكر الارهابي مهم جدا في المرحلة الراهنة ،ربما أصبح مهما  جدا رأيه اكثر  من الداعية الاسلامي الذي ربما ساهم  بشكل كبير في زرع الحقد والتطرف وزرع الفتنة بين الاخوة وتفرقة العائلات  بسبب التطرف الديني،على الكاتب  أن يتحرك وبقوة من أجل إصلاح الفكر العربي وتغيير المفاهيم الخاطئة للبيئة الفكرية والتربوية للمواطن العربي .وتصحيح التاريخ بشكل إيجابي يخدم مستقبل هذه الامة البائسة ، الأديب  وحتى الفنان التشكيلي عبر العصور استطاع ان يؤرخ حقبة معينة من تاريخ  أمته  من خلال الأعمال الروائية الخالدة أو اللوحات الفنية التي تبقى شاهدة على حضارات ذكرها التاريخ ولا تزال قبلة  للسواح الباحثين ،لذالك  يجب في الوقت الراهن أن يكون للأديب دور صعب على عاتقه لتصحيح تاريخ هذه الأمة العربية التي شهد لها التاريخ بأنّها أكبر حضارة  في الأندلس قدمت للإنسانية من علم وطب ومعمار لم تشهده البشرية قاطبةً .

* كيف هي أحوال المبدع الجزائري اليوم وظروف النشر؟

ــ بعد التعددية  الحزبية وحرية التعبير و العشرية السوداء التي شهدتها الجزائر لمحاربة الارهاب و التي دفع فيها الصحفي والأديب ضريبة  الموت  وراح  ضحيتها خيرة أدمغة هذا الوطن ، أصبح للأديب والكاتب حرية للنشر والطبع من خلال تعدد دور النشر الخاصة ، والجرائد المستقلة والقنوات الفضائية التي فتحت مجالا  واسعا للأديب  لينشر ويعبرعن كينونته  بكل حريّة ، وأيضا من خلال شبكة التواصل الاجتماعي والتكنولوجيات الحديثة التي جعلت العالم قرية صغيرة  وفتحت المجال للكاتب الجزائري  كغيره من كتاب العالم  وأتاحت فرص النشر لكل المبدعين ،رغم غياب الرقابة ولجان القراءة التي تقيم الأعمال الأدبية إلاّ أنّ الأديب تنفس الصعداء.

* هناك من يرى أن المرأة العربية قيودها كثيرة أهم هذه القيود عقلية الرجل..ما رأيك في هذا الطرح؟ وكيف هو الوضع بالجزائر؟

ــ رغم أن المرأة كرّمها الاسلام وكانت  لها الكلمة منذ 1456 سنة  وأيضا الحق في العديد من المهام والمجلات الحياتية ،المراة العربية التي قادت دول ويشهد لها التاريخ كالملكة زنوبيا وبلقيس وفي الجزائر الملكة الأمازيغية ديهيا المعروفة بالكاهنة التي  كانت تحكم المغرب العربي الكبير  من ليبيا  الى المغرب الاقصى وصمدت في وجه الفتوحات الاسلامية أكثر  من أربعون سنة وحسب شهادات كبار الكتاب  في  العالم  ومن بينهم الكتاب والمؤرخ ابن خلدون حيث  قال فيها  {{ «ديهيا فارسة الأمازيغ التي لم يأت بمثلها زمان كانت تركب حصانا وتسعى بين القوم من الأوراس إلى طرابلس تحمل السلاح لتدافع عن أرض أجدادها.» – إبن خلدون كتاب العبر الجزء .  }}،

وليس  ببعيد،المرأة الجزائرية أثناء  الاستعمار الفرنسي  أثبتت وجودها بقوة ووقوفها مع شقيقها الرجل من أجل تحرير الوطن  ويشهد لها التاريخ أنّها  كانت أعظم امرأة  قاومت الاستعمار في التاريخ  ومن بينهن القائدة  فاطمة لالة نسومر ، ووصولا لجميلات الجزائر اللواتي أثبتن قوتهن بكل جدارة لدحر المستعمر ، بينما كانت المرأة الأوربية في القرن 17 عشر ليس  لها الكلمة ولا تعتبر كانسان ولا يسمع لها  حتى أنها كانت تتخفى في هيئة رجل وتوقع باسم رجل من أجل أن تعبر عن رأيها  وتسمع كلمتها ، إلاّ أننا نشهد في القرن العشرين أين المرأة الاوربية صعدت الى الفضاء وأصبحت تساهم بشكل كبير  في المشهد السياسي والثقافي والعلمي مثلها مثل الرجل.

للأسف  نرى أنّ هناك تراجعا  كبيرا  في حرية المرأة العربية المسلمة بسبب الفهم الخاطئ للدين والتطرف والتخلف الذي طال  فكر الرجل العربي  وأصبح  ينظر الى المرأة على أنّها عورة وأنّها ناقصة عقل ولا يجوز لها  أن تمارس حياتها الفكرية والعلمية ، لكننا في الجزائر نستطيع أن نقول أنّ للمرأة مكانة مهمة جدا  في تسيير المؤسسات الفكرية والعالمية وخاصة المنظومة التربوية والصحة والادارة ،  ونجدها اقتحمت جميع الميادين السياسية والعلمية  وحتى الصناعية  وأصبحت تخوض أعمالا صعبة جدا ،ولها الحضور القوي والفعال في بناء المجتمع  وتسيير المؤسسات الاقتصادية والعلمية أفضل  بكثير من قرينتها في العالم العربي ، نفرض لو تتوقف المرأة عن العمل  لمدة يوم واحد فقط ستشل الحركة التنموية في الجزائر .

* سليمة زوجة وربة بيت وكاتبة كيف تقومين بالتوفيق بين هذه المسؤوليات وهل يحدث أحيانا تصادم بينها؟

 ــ أعترف أنني اتخذت القرار الصحيح  هو أنني قاومت كل الفشل بقوة وفرضت نفسي بقوة رغم العراقيل  التي واجهتني في مواصلة العمل  وتربية أبنائي  ففضلت في فترة ما  أن أتفرغ وأهتم بتربيتهم  تربية سليمة لأنني أومن أنّ الاستثمار الحقيقي  في تربية جيل صالح  يخدم المجتمع  وتربية الابناء  لا تنتظر  بينما الابداع ينتظر  وربما  يعود بقوة  ونضج  أكبر  مما كان عليه ، رغم أنني نجحت في اثراء الساحة الادبية في فترة الثمانينات  خاصة عندما أسست أول مجلة للأطفال  في تاريخ الأدب الجزائري ، إلاّ أنني لم  أُنصف  من طرف الدولة ولا الوزارة المعنية الى غاية الآن  عدت إلى الساحة الابداعية في  سنة 2012 فقط  والسبب يعود لابني أسامة  الذي ذهب للدراسة في باريس فكانت لي الفرصة   للتحدث معه عبر شبكة التواصل الاجتماعي التي  فتحت لي عن طريق الصدفة المشاركة الفعلية والنشر في المجموعات الأدبية  والمشاركة في العديد من النوادي والمسابقات  التي أتاحت لي الفرصة للعودة الى الابداع والكتابة والنشر والطبع حيث  في وقت قياسي طبعت ثلاثة دوواين  ومجموعة من قصص للأطفال وشاركت في كتاب أنطولوجيا الأدب العربي وهو كتاب ضخم تحت عنوان { تحت ظل النبض } صدر عن أكاديمية دار العنقاء  ومنتدى الفينيق تحت اشراف الشاعر زياد السعودي من الأردن الشقيق  الذي اختار مجموعة من الكتاب والشعراء العرب ساهموا في إثراء هذا الكتاب وهذا  طبعا يعتبرأكبر  تحدي  لي كأديبة وشاعرة وصحفية أثبتت وجودها بقلم  استطاع  أن يتحدى كل الصعاب ، ليس سهلا أن توفق المرأة المثقفة  بين  مسؤوليات البيت وخاصة اذا  كان الزوج كاتبا كبيرا وروائيا  وصحفيا  وسياسيا ،يجب أن تكون كالفولاذ  ونبيهة جدا وتقسم وقتها بين الاهتمام  بالأولاد والابداع . صحيح  أنني اتعب أحيانا ولا أجد الوقت لي وأتعب في وجودي في هذا العالم الرجولي الذي  يفرض هيمنته  التعسفية   على المرآة .لكنني أتحدى كل العراقيل ، ويعتبر  تحديا  كبيرا جدا  والضريبة باهظة الثمن  كلها على حساب وقتي وصحتي ، إلاّ أنّ الصمود والقوة الفكرية والثقة في النفس والتحدي يصنعان المجد والنجاح ، ولا يمر يوم بدون ابداع ، أكتب المقالة الصحفية  والنقد الأدبي الذي أعتبره تكملة للمبدع لأنه يبحر في عمق الكتب الجديدة ..وأيضا أبحر في عشق السفر والرحلات ، لي مجموعة من المقالات عن مغامراتي  في العديد من دول العالم سميتها أدب الرحلات. أعتقد أن المبدع  أو الصحفي  لا يفوّت فرصة أن يكتب تجربته أثناء رحلاته السياحية لأنه يساهم في إثراء الأدب العالمي ونقل  ثقافات وحضارات شعوب أخرى إلى بلده.

المصدر: رأي اليوم اللندنية