السينما الموريتانية.. من «سيارة العفاريت» إلى انحسار دور العرض | 28 نوفمبر

السينما الموريتانية.. من «سيارة العفاريت» إلى انحسار دور العرض

ثلاثاء, 12/06/2016 - 10:10

رغم التدهور الاقتصادي والفقر وانتشار الأمية، تعد التجربة الموريتانية في السينما، التي استضافت مهرجان “نواكشوط للفيلم القصير”، خلال الأيام القليلة الماضية، رائدة. «تعدد الثقافات وامتزاج الهوية والموقع الجغرافي».. أبرز المقومات التي شكلت السينما الموريتانية؛ حيث تقع موريتانيا فى شمال غرب إفريقيا على شاطئ المحيط الأطلسي، وتجمع بين شمال وجنوب القارة السمراء، وتضم فئات مختلفة ما بين عرب وأمازيغ وأفارقة، ويعيش أهلها على مهنة الصيد البحري.

سيارة العفاريت

عرف الشعب الموريتاني السينما من خلال «سيارة العفاريت» في أربعينيات القرن الماضي، حيث كانت عربات متنقلة تجوب الشوارع تابعة للمستعمر الفرنسي، الذي كان يحتل البلاد آنذاك، وداخل العربات شاشات يعرض عليها انتصاراتهم في الحرب العالمية الثانية لتنقل سحر الصورة إلى هذا المجتمع البسيط.

بدايات انطلاق السينما

سحرت سيارة العفاريت الشعب الموريتاني، واستحوذت على اهتمام كبير، خاصة من جانب الشباب المثقف، وفي نهاية حقبة الخمسينيات، افتتح الفرنسي “آل غوميز” دور عرض سينمائية، بعد حصول الدولة الموريتانية على استقلالها، ورغم سطحية الأفلام التي كانت تعرض آنذاك، لكنها لاقت إقبالا من بعض الشباب، في حين وصفها بعضهم بـ«يد المستعمر لنشر الخزعبلات في عقول الشباب».

في فترة الستينيات، اكتسب الفن اهتماما كبيرا في موريتانيا، فيبدو أن الحرمان من الترفيه الذي عاصره الشعب ولد شغفا كبيرا بالصورة والسينما، ورغم أن تجارب السينما الموريتانية كانت متفاوتة، لكن هذا الفن وجد زخما داخل قلوب مواطنين هناك، ليظهر الشاعر “همام أفال” أحد رواد السينما الموريتانية.

كان لـ”أفال” دور كبير في السينما الموريتانية؛ فأنشأ عددا من دور العرض السينمائية في العاصمة نواكشوط، بالإضافة إلى شراء سينما “آل غوميز”، ولم يقف عند هذا الحد، بل أنتج العديد من الأعمال السينمائية، قد لا ترتقي أن تكون أعمالا احترافية، لكنها ساهمت في تأسيس التجربة الموريتانية، ومن أفلامه “ميمونة، وبدوي في الحضر، وترجيت”.

اختفاء صالات العرض

شهدت السبعينات حتى نهاية الثمانينات، انحصار السينما؛ عندما انجرفت إلى التجارة التي تعتمد على الإثارة والإغراء، ما أحدث صداما كبيرا للمجتمع الموريتاني، خاصة المتدين منه، واختفت صالات العرض السينمائية وأصبحت مخازن للبضائع والسلع.

 

وفي أواخر السبعينات، انتشرت التجارب المسرحية، وكانت الفرق الشبابية تقدم عروضا مسرحية تشبه الكوميديا السوداء، لكنها لم استحسانا وقبولا لدى الشعب الموريتاني، بالتزامن مع ظهور التليفزيون الموريتاني الذي أسسته الدولة، ليقطع الطريق على محبي الفن السينمائي.

دخلت الشاشة الصغير بيوت جميع الموريتانيين الفقراء والأغنياء، وأصبحت جزءا أساسيا لا يستغنى عنه، طوال اليوم، وانتشرت ظاهرة شرائط الفيديو، التي تباع داخل الأحياء، وكانت البديل عن صالات العرض السينمائية.

الهجرة

شغف جيل من الشباب الموريتاني بحب الصورة والفن، فسافر إلى المعاهد الأوروبية لدراسة السينما؛ منهم من عاد مرة أخرى ومنهم من بقى لعدم وجود جو ملائم لصناعة السينما في موريتانيا، كان أبرز من لم يعودوا، المخرج محمد هندو، الذي عمل في مجال إخراج الأفلام بباريس، بالإضافة إلى عمله مدبلج صوت للممثل الأمريكي ايدي ميرفي، والمخرج سوخنا الذي أخرج فيلم “الجنسية المهاجرة”، أيضا السينمائي عبد الرحمن سيساقو، الذي سافر إلى روسيا ودرس هناك، وعندما تخرج استقر في فرنسا، وأسس مؤسسة “شنقيط فيلم”، وأنتج أفلامه، ويعد من أشهر السينمائيين الموريتانيين في العالم، وله مشاركات دولية عديدة، بجانب استقرار، عبد العزيز أحمد محمد الحسن، أحد مؤسسي الحركة السينمائية في موريتانيا، في إحدى دول الخليج العربي.

المعوقات

من المعوقات التي واجهت السينما الموريتانية، عدم وجود صالة عرض واحدة أو معهد متخصص في تدريس السينما، أو وزارة ثقافة مكلفة بدعم السينما والفنون أو دعم حكومي لإنتاج أفلام سينمائية أو اهتمام من جانب التليفزيون الوطني، ما أدي إلي نقص الإنتاج المحلي، فكل محبي السينما لا يجدون إمكانيات لصناعة السينما أو مناخ يصلح للعمل.

وكان تأثير هذه المعوقات واضح في انحصار السينما الموريتانية في إنتاج الأفلام الوثائقية فقط نظرا لمحدودية الوسائل وضعف الإنتاج، ومن بين هذه الأفلام “الباحثات عن الحجر” للمخرجة مريم منت بيروك، الذي يتناول نساء مدينة ازويرات في رحلة بحثهن عن الأحجار الكريمة، وتوج هذا الفيلم في مهرجان “فيسباكو”، كما فاز بجائزة الأمل الوثائقي في مهرجان السينما الإفريقية الخامس ببروكسل.

دار السينمائيين الموريتانيين

مؤسسة قائمة على دعم السينما والفنانين والموهوبين، حيث تنظم الدار ورش تدريبية عامة حول الصناعة السينمائية وكورسات مونتاج وتصوير وإخراج وكتابة، أسسها المخرج عبد الرحمن ولد أحمد سالم المسرحي الموريتاني، لذا يحظى بمكانة كبيرة وسط الطبقة المثقفة في موريتانيا.

 

كما تسعى الدار إلى إيجاد بديل عن عدم وجود صالات عرض سينمائية باستغلال الساحات العمومية لتنظم عروض سينمائية منتظمة للأفلام التي لا تعرض على التلفاز، فضلاً عن “الشاشة الرحالة” التي تجوب الشوارع لعرض الأفلام في البادية وتسمى قوافل سينمائية.

من إنجازات دار السينمائيين الموريتانيين، إنتاج خمسين فيلما للمحترفين والهواة، من بينهم الفيلم الوثائقي “نواكشوط”، “رجل وخيمة وعلم”، “جذور مشتركة”، “وادان تي في”، “تاكسي الديمقراطية”، “جمعيتنا”، وغيرها من الأفلام.

مهرجان الأسبوع الوطني للسينما

ورغم عدم وجود صالة عرض واحدة فى موريتانيا، إلا أنهم نجحوا في تنظيم مهرجان سينمائي عالمي تحت مسمي “الأسبوع الوطني للسينما”، الذي يقام سنويا بمشاركات عالمية وعربية وإفريقية متنوعة، وتم تغيير اسم المهرجان إلى “مهرجان نواكشوط للفيلم القصير”، الذي تنظمه دار السينمائيين الموريتانيين بالتعاون مع الحكومة، وبدعم من مجموعة نواكشوط الحضرية وولاية إيل دو فرانس وبشراكة مع ممولين محليين عديدين.

 

وتتنافس الأفلام المشاركة في المهرجان على ثلاث جوائز، “مسابقة أفلام الورشات” التي تتنافس فيها مقاطعات انواكشوط التسع، و”مسابقة الأفلام الوثائقية التلفزيونية” التي تتنافس فيها أفلام من إنتاج قنوات تلفزيونية، و”مسابقة الأفلام الدولية”، وتتنافس عليها تسع دول هي (موريتانيا، مصر، تونس، المغرب، العراق، السنغال، فرنسا، إنجلترا، إسبانيا)، لنجد أن المعوقات أحيانا تكون سببا في نجاح تجارب مميزة.