قراءة في نتائج الانتخابات التشريعية الجزائرية | 28 نوفمبر

قراءة في نتائج الانتخابات التشريعية الجزائرية

أحد, 05/07/2017 - 00:20

نتائج الانتخابات التشريعية الجزائرية كانت متوقعة، مثلما كان متوقعا عزوف الناخب الجزائري، إذ لم تتعد نسبة المشاركة 38 بالمائة، أي أضعف من انتخابات عام 20122. نتائج الانتخابات كشفت أيضا عن إستراتيجية النظام القائمة على الحفاظ على الوضع كما هو عليه، والحفاظ على السلطة ومواصلة نفس النهج تحضيرا لمرحلة مابعد بوتفليقة التي بات واضحا أنها لن تنتهي إلا برحيله، وأن الحديث عن مرحلة انتقالية أصبح من الماضي، وأن الوضع السياسي الحالي هو تحضير لولاية جديدة بعد سنتين عندما يحين موعد الانتخابات الرئاسية، وأن الطامعين والطامحين لحكم الجزائر عليهم أن يتريثوا ويتحلوا بالصبر.

نتائج التشريعيات كشفت أيضا عن فشل ذريع للمعارضة التي لم تحصد سوى نتائج إستراتيجيتها التي قامت على  مبدأ المشاركة في الحكم رغم اختلافها مع السلطة وطعنها في شرعيتها ومطالبتها برحيل الرئيس وإعلان حالة الشغور أثناء رحلة علاج بوتفليقة، معارضة لم تتمكن من تحقيق إجماع حول برنامجها وفقدت كل مصداقية لدى الناخب الجزائري الذي يضعها في نفس السلة مع النظام الحاكم، ويعتبر أن من يمثلون هذه المعارضة هم في الواقع من النظام ولا يختلفون عن أحزاب الموالاة، ولهم نفس الأهداف بما فيها البحث عن الانتفاع واقتسام الريع.

من بين ماكشفت عنه نتائج هذه الانتخابات أيضا الصراع الذي بات مكشوفا بين سلال وأويحيى، صراع من أجل خلافة بوتفليقة أو على الأقل التموقع في انتظار اللحظة المناسبة، لكن هل فعلا ينحصر الصراع بين هذين الشخصين أم أن من يدير فعلا دفة الحكم له تصور آخر لجزائر مابعد بوتفليقة؟ سؤال يطرح لأن تاريخ الجزائر المستقلة شهد ذلك من قبل، فلا أحد كان يعرف الشاذلي بن جديد قبل أن يحكم الجزائر ويستمر في الحكم 12 عاما، كما أن اليامين زروال كان جنرالا مغمورا قبل أن يصبح رئيسا للجزائر، لذلك فإن مايجري يمكن أن يكون تمويها أو إشارة خاطئة قدمت لأويحيى وسلال لإلهائهما وإلهاء من يسير في فلكهما.

حزب الحركة الشعبية الجزائرية برئاسة عمارة بن يونس ضاعف عدد مقاعده، وهو حزب محسوب على الموالاة كون عمارة بن يونس مقرب من شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة، ويتوقع أن يلعب دورا في المرحلة المقبلة، مثله مثل حزب "تاج" (تجمع أمل الجزائر) بقيادة الوزير السابق وعضو مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي عمار غول الذي حصد 19 مقعدا ويتوقع أيضا أن يكون له دور خلال السنوات القادمة، وهذان الحزبان مثل أحزاب صغيرة أخرى تدور في فلك السلطة، ومقاعدها ستكون في خدمة الأغلبية الحاكمة.

حزبا الإرسيدي (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) والأفافاس (جبهة القوى الاشتراكية) دفعا ثمن مشاركتهما في الانتخابات بسبب العزوف الكبير الذي عرفته منطقة القبائل التي تعد الخزان الانتخابي لهذين الحزبين، وربما كان الخاسر الأكبر في هذا الاستحقاق هو حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي أسسه الزعيم التاريخي الراحل حسين آيت أحمد والذي دفع ثمن انشقاق صفوفه، وإستراتيجية الحزب القائمة على المشاركة والتي خدمت أهداف السلطة التي دائما ما تراهن على هذه التشكيلة لإضفاء بعض المصداقية على العملية الانتخابية.

بالنسبة للأحزاب الإسلامية، وإن ظفرت بعد تحالفاتها على مقاعد إضافية إلا أنها تبقى خارج دائرة التأثير، وما حذر منه البعض أن السلطة بصدد استعمال هذه الأحزاب في العملية الانتخابية بات أمرا واقعا، فنتائج هذه الانتخابات تعد نكسة لأحزاب تريد أن تلعب دورا سياسيا في البلاد، بل ستساهم في إضعاف أسهمها أكثر على الساحة السياسية، وتضرب مصداقية خطابها الذي لم يعد له الصدى الذي كان قبل سنوات بسبب الانقسامات السياسية، وبسبب المحيط الإقليمي والدولي الذي شهد تراجعا للطرح الإسلامي.

مايمكن استنتاجه من هذه النتائج هو تمكن السلطة الحاكمة من إبقاء الوضع كما هو، ومواصلة محاولات ضمان البقاء في السلطة، فبالإضافة إلى التحدي الاقتصادي بسبب انهيار أسعار النفط فإن السلطة لا تريد أن تفتح على نفسها جبهة أخرى على المستوى السياسي، ولم يكن أمامها من خيار سوى العمل على بقاء الحال على ماهو عليه، فالبرلمان الذي تمخض عن هذه الانتخابات سيكون صورة طبق الأصل لسابقه، مع فارق بسيط هو عودة الحديث عن المال الفاسد وتوغله إلى قبة البرلمان.

 

عبد الحكيم زموش
 

نشرت في : 05/05/2017