هل مجتمعاتنا طفولية؟.../الزين ولد العربي
الأربعاء, 09 أكتوبر 2013 15:58

من الممكن أن نصادف في حياتنا أناس تجاوزوا مراحل عمرية متقدمة، أو يتقلدون مناصب عليا في أماكن هامة، أو يظهرون ذكاء أو براعة في مجال معين كالرياضيات أو الفيزياء، و رغم ذلك فهم مازالوا يتجاوبون مع المحيط و البشر بطريقة غير ناضجة أو يمكن

وصفها بالطفولية، بمعنى أن ردود الأفعال التي يمارسونها نتيجة للتفاعل مع المحيط و البشر تكون غالبًا شبيهة بتصرفات الأطفال، فالطفل عادة عندما يتعرض للضغط من أقرانه المتسلطين أو ممن يكبرونه سنا، أو يتعرض للصدمات العاطفية أو حالات الحزن أو الإحباط يبدأ بالبكاء و الصراخ أو ربما تجاوب بطريقة عدوانية كالشتم والصراخ. يتصرف الطفل عادة دون تفكير متجاوبا مع عواطفه و انفعالاته و هو لا يحسب لعلاقاته على المدى الطويل أي حساب و لا يعبأ أحيان كثيرة لصورته في أعين الناس إلا عند بلوغه سن معينة هذا إذا كان نموه طبيعيا. الطفل عادة يتعجل النتائج، و إذا أراد شيئا أراده الآن ليس في وقت آخر، و في بعض الأحيان تجده يقضي وقتا ممتعا في إيذاء الآخرين و التحرش بهم، الطفل يصعب عليه تفهم حاجات الآخرين و التوفيق بينها و بين حاجاته كما أنه نادرا ما يتقمص شعور الآخرين، و يصعب عليه الالتزام تجاه أمر ما في ظل وجود المغريات من حوله، و هو لا يفهم الكثير من الأمور مما يفترض بالكبار فهمها كالحاجة إلى النظام، النظافة، الحاجة إلى الراحة و النوم، الادخار، و التعلم و العمل و الحاجة إلى الكسب، لماذا يمرض الناس و لماذا يموتون؟ و كيف ولدتني أمي؟ و من أين أتيت؟ و أين الله؟ و أمور أخرى . و حتى لا أتحامل على الطفل كثيراً في مقالي فإن الطفل له أعذاره في كل هذا، فهو لم يحصل على فترة كافية في الحياة تؤهله لفهمها (أو محاولة ذلك)، و لم تسنح له الفرصة ليمتلك أدوات لتطوير ذاته أو الحصول على إجابات مرضية لأسئلته الملحة، الخبرة و المعرفة التي يمتلكهما لا تجعلانه قادرا على المقارنة مع أحداث سابقة لأن معظم ما يحدث أمامه يحدث للمرة الأولى، و سيكون من الظلم أن نعاقبه أو نحكم على قدراته من خلال التجارب الأولى في الحياة، الطفل عادة ليس لديه القدرة ليضع قوانين "Ground rules" لتحركه خلال أي منظومة اجتماعية، و ليس لديه القدرة أن يعرف من تلقاء نفسه أين تنتهي حريته و أين تبدأ حريات الآخرين، كما أن الحس القيمي لديه لم يعط الفترة الكافية ليتطور فيحفزه أو يمنعه لعمل شيء ما، و هو لا يعرف كيف يمكن أن يبدي آراءه المخالفة لغيره دون أن يسيء إليه أو يبدأ بالصراخ في وجهه ما لم يعلمه أحد عكس ذلك. ويمكننا من خلال الاختلاط بالآخرين أن نجد أن كثيرا من الكبار مازالوا غير ناضجين وجدانيا و انفعاليا، حيث أن ردود أفعالهم تتشابه إلى حد كبير مع الوصف السابق للطفل، و لا يمكن الحكم على النضج من عدمه لدى الكبار حتى يطبق عليهم ضغطا معينا يستفزهم للقيام بردود أفعال تعكس مدى نضجهم من عدمه، و هي طبيعة الحياة فلا حياة بلا ضغوط، لذلك فهناك فرصة كبيرة لمراقبة تصرفات الناس و التعلم من أخطائهم. لكن يبقى السؤال : هل هناك عذر للكبار في عدم نضجهم و سلوكهم الطفولي؟ إن الأفراد هم من يشكلون المجتمع و كنتيجة تلقائية لكون معظمهم غير ناضج أن يكون المجتمع في مجمله غير ناضج! و من الممكن أن يتأخر نضوج المجتمع أو أن يتوقف نموه عند حد معين، فالمجتمعات التي لا ترى إلا تحت قدميها، تستنزف كل مالديها، تعبث في أوقاتها، لا تلتزم بشكل مستمر بخطط و لا أهداف، لا تتحرك من تلقاء نفسها أو تتحرك بشكل عشوائي في معظم الأوقات و كنتيجة للضغوط المطبقة عليها فقط، المجتمعات التي يحتك أفرادها ببعض بعدوانية ظاهرة، و لا تجد بين حواراتهم ما يمكن أن تصل في نهايته إلى نتيجة أو إلى تصور لما كانوا يتراشقون من أجله، المجتمعات التي لا تحاول الإجابة على اسئلتها الملحة أو ترتجل بفوضوية حلولاً آنية، والمجتمعات التي لا تدرك حاجاتها الأساسية و تخلط بين كلمتي "التطور و الترف"، "الكرم و البذخ"، "الرجولة و العربجة"،" العصبية و الدين". المجتمعات التي لا" تصنع" ولا" ترى" جمالا، المجتمعات التي تلدغ من نفس الجحر خمسين مرة.. تختار الجمرة و تترك التمرة في كل مرة ! هي مجتمعات طفولية لم تنضج بعد! و علي أن أفرق هنا بين أن يتمتع الإنسان بحس الطفولة الذي يمكنه من الاستمتاع بالحياة و حب الاستكشاف، و بين التصرف بطريقة غير مسئولة و غير ناضجة، فبينهما فرق واضح و كبير ! النضج مطلب ملح و واقعي لما نحن مقبلين عليه في السنوات القادمة، و نحن هنا ضمير منفصل "عائد" على الوطن بكل تأكيد، ولا بد أن نعي أن مزيدا من الفوضى لن تخدم الوطن، و أن مزيدا من العنف لن يزيدنا إلا ضعفا و انكسارا، النضج حالة تسبق الحضارة، و هي كلمة لا تعني بالـتأكيد أن نصبح جادين طوال الوقت، و أن لا نستمتع بأوقاتنا كما يفعل الآخرون، لكنها تعني أن لا تصبح كل أوقاتنا عبثاً في عبث، و العبث في رأيي ثقافة مستعصية لا يمكن فك طلاسمها دون نضج وجداني و انفعالي يمكننا من الإحساس بقيمة الحياة التي توهب للإنسان مرة واحدة، فإما أن يعيش الإنسان فيها خاويا و سطحيا يعبث و يلهو دون الشعور بالمسئولية، و إما أن يهب حياته لرسالة سامية يعيش من أجلها و من أجل الأجيال القادمة.

الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox

فيديو

البحث