موعد مع الرئيس .. زيارة النيجر |
الجمعة, 13 ديسمبر 2013 23:28 |
شيء جميل أن تلتقي برئيس الجمهورية ويفتح لك مجلسه وصدره، لتطرح عليه وتحاوره حول مشاكل وطنك، لكن الأجمل أن تلتقي به ثلاث مرات في يوم واحد ويستمع إليك بكل سرور وانتباه، دون قيود أو حدود أو مقاطعة أو استعجال أو حتى تشتيت انتباه، يصغي إليك بسمعه وبقلبه - ولعله أدرى به- وكأنه يتمثل قول الحكيم "إذا جالست العلماء فأنصت لهم. وإذا جالست الجهال فأنصت لهم أيضا، فإن في إنصاتك للعلماء زيادة في العلم، وفي إنصاتك للجهال زيادة في الحلم".
ثم يرد عليك نقطة نقطة دون إغفال أو تجاوز أو إلغاء أي لفظ ورد في حديثك إليه، بكل لباقة وكياسة مستخدما أمثلة في متناولك، لاهي بالسطحية والبساطة بحيث تحس بقصور فهمك، ولا هي بالألغاز المعقدة المستعصية على فهمك وتبصرك، يشدك بالحقائق ويبتعد عن العموميات، يرفد حديثه بالأرقام والتواريخ والأحداث، لا يسرع بحديثه فتعجز عن ملاحقته، ولا يبطء بحديثه فتمله، واضح العبارة لا توجد صعوبة في تتبع كلماته، حينما ينتقل من فكرة إلى أخرى لا ينشغل بالتفكير في ثالثة، لا يعيد بعض الأحرف أو الكلمات (لا يتأتئ)، بساطة عبارته الخالية من العجمة أو الرطانة من غير إطالة ولا تكرار، وكأنه يتمثل قول الجاحظ "البيان ترجمان القلوب وصيقل العقول".
في اللقاء الثاني الذي ضم أكثر من مائة مهندس ودكتور ومدير ومراقب جوي وتاجر ووجيه من الجالية الموريتانية المقيمة في النيجر، استمع الرئيس أولا لكل من أراد الحديث، وتتابعت الخطب، خطب عصماء، نوهت بالمسار الذي تنتهجه الدولة في مختلف الأصعدة، شدت على يد الرئيس، طالبت بحل بعض شواغل الجالية كتأمين خط جوي يربط (أنيامي) بـ(نواكشوط)، وكذلك بفتح مركز للحالة المدنية يمكنهم من ضبط تسجيلهم عليها، وكذلك بعض القطع الأرضية للعائدين بشكل نهائي لأرض الوطن. وأكد جميع المتدخلين على حيوية وفاعلية واقتدار القنصل العام الذي بذل كل ما تطلبه الأمر لإنجاح هذه الزيارة.
على الرغم من جمال وسلاسة وحسن اختيار عبارات تلك الخطب، فإن الخطبة التي ألقيت باسم منتسبي الطيران المدني كانت الأكثر اختلافا من بين كل تلك الخطب، فقد هنأت وباركت للسيد الرئيس المكانة المرموقة التي تحتلها موريتانيا اليوم على الصعيد الإقليمي والدولي حسب معايير وتصنيف المنظمة الدولية للطيران المدني، وكذلك انتخاب موريتانيا لرئاسة فريق السلامة لإفريقيا والمحيط الهادي كتعبير من المجتمع الدولي عن تقديره وإعجابه بالنتائج التي حققتها موريتانيا على أرض الواقع، كما عبرت تلك الكلمة عن ارتياحها الكبير للرعاية التي توليها الدولة لقطاع الطيران سواء تعلق الأمر بالمنشآت (مطار نواكشوط الجديد: بوينغ 737 التي هبطت وأقلعت منه، مما يدل عل تقدم الأعمال فيه) وما سيوفر من بنية تحتية ضرورية، وقدرة استيعابية، للنهوض بالطيران المدني ورواجه، أو تعلق الأمر بالقرار الشجاع والوطني بامتياز بإنشاء "الموريتانية للطيران" والسهر على تحسينها وتطويرها لتنافس في سوق النقل الجوي، ولما يترتب عن ذلك من منافع جمة للوطن، وأخيرا ختمت بتمنياتها على بقية مؤسساتنا العاملة في مجال الطيران المدني ( SAM, ONM, SNIM, et MAI ) أن تساير التقدم الحاصل على مستوى سلطة الطيران المدني الموريتانية وشكرت الكلمة كذلك تكريم وتوشيح المدير العام للوكالة الوطنية للطيران المدني بوسام فارس، وحقيقة استحقاقه لذلك، وأثنت على حسن اختياره أصلا لهذا التحدي الكبير.
أما اللقاء الأول فكان وسط الجماهير الموريتانية التي قدمت من كل أرجاء النيجر لاستقبال الرئيس، بفضل فاعلية القنصل العام ومساعدة التجار من أبناء الجالية الذين لم يبخلوا بما أوتوا وأنفسهم طيبة بذلك، ربما يكون الدافع الثاني لذلك الحشد منقطع النظير إقناع الرئيس بضرورة فتح مكتب للحالة المدنية، لأن هذا الكم الهائل بطبيعة الحال يصعب عليه التنقل إلى موريتانيا للتسجيل والعودة هنا لمزاولة أعمالهم والتي دون شك تعود بالنفع على الوطن من حيث كفايتهم هم، وما يستثمرونه ويحولونه إلى الوطن. على الرغم من الجو الاحتفالي البهيج والموغل في الصخب والضجيج، استطعت أن أحدث الرئيس ويحدثني. طبعا في هذا اللقاء علق القنصل العام على منتسبي الطيران المدني بقوله "تمكن رؤيتكم من 10 كلومترات"، وذلك في إشارة منه إلى القبعات والميداليات المزدانة بصورة الرئيس والتي تميز بها منتسبوا الطيران المدني عن جميع المستقبلين.
في اللقاء الثالث (ربع عزة)، وهو اللقاء الذي خصصه الرئيس لمنتسبي الطيران المدني، دار الحديث كله حول الطيران المدني ( الإخفاقات، التحديات، العقبات، النجاحات، الرؤية المستقبلية... )، وكان مدير الوكالة الوطنية للطيران المدني حاضرا (أداءً، عطاءً،إخبارا، استطرادا، إنشاءً، مثالا ونموذجا) لم يكن ذلك مقصودا ولا مجاملة ولا إدعاءً، ولكن حقيقة، يصعب اليوم الحديث عن الطيران دون الرجوع إلى هذه التجربة الفريدة والناجحة، ولعل الرئيس كان يبتسم ولسان حاله يقول "نعم ابوبكر".
أتحف الرئيس جميع الطلاب والمتدربين بمبلغ 500 يورو، مساعدة وتقديرا لما يقومون به من تخصص في المجالات العلمية المختلفة والتي يعاني البلد من نقص كبير فيها مثل مجال الملاحة والمراقبة وكذلك الأرصاد الجوية، والأهم من ذلك أنها (أي الهدية) عممت على جميع الطلبة والمتدربين، حضروا أو لم يحضروا، كلهم سواء.
أنيامي 02 ديسمبر 2013
المهندس محمد أبات الشيخ
|