عندما تستهدف الأمة الموريتانية!/ عبد الله حرمة الله |
الخميس, 09 يناير 2014 00:15 |
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً ... وحسب المنايا أن يكن أمانيا... المتنبي "موريتانيا جمهورية إسلامية لا تتجزأ، ديمقراطية واجتماعية. تضمن الجمهورية لكافة المواطنين المساواة أمام القانون دون تمييز في الأصل والعرق والجنس والمكانة الاجتماعية. يعاقب القانون كل دعاية إقليمية ذات طابع عنصري أو عرقي" المادة الأولى من الدستور الموريتاني متضمنا 25 يونيو 2006تعديلات لم يتحدث الموريتانيون في تاريخهم السياسي عن مسألة "الرق" أكثر من عشرية الألفين الأولى، ولم يسيئوا إلى ديناميكية "التحول الاجتماعي" أكثر من هذه الحقبة التي يفترض أن تكون أكثر هدوءا في مسار التشكل "للأمة الموريتانية"، التي كانت دائما حاضرة في قلوب الكثيرين، حتى في أحلك مراحل "السيبة" التي عرفتها منطقة الصحراء الكبرى بصفة عامة، وما أصبح فيما بعد موريتانيا بصفة أكثر خصوصية! مابين تبادل الاتهامات والتطفل على أساليب وآليات البحث والنقد في مجال العلوم الإنسانية، لم يبق "حفاروا القبور" على متسع للمنطق والتجرد والابتعاد عن الانجراف في نهر "عاطفة" عابرة للقرون! ولدت منذ عقدين وبضع سنين ابن سيد و"أمة" ارتقت بالمعرفة والطاعة والمحبة، وآنا وأبناء "الأرقاء" "مواطنون"، للجمهورية الإسلامية الموريتانية: على شهادة الميلاد، في المدرسة، في غرف الجراحة بالمستشفيات، في حلقات اللعب والرفض، على الرصيف، في المخبزة، أمام القاضي، في الجامعة، في الوظيفة، في الزنزانة، في "مختبرات" التعذيب، على موائد رئاسة الجمهورية، في الأحزاب.. حتى في التجمعات القبلية... أعتبر الحديث أكثر مناسبة ـ مادمنا مصرين على نبش القبور ـ عن "أبناء الأسياد" من "الأسياد"، و "الأرقاء السابقين" أو "الحراطين" على الأصح! فلا آنا مارست الرق على أحد، ولم يمارس على أصدقائي من "الحراطين" الذين أصبحوا محامين وضباط سامين ووزراء وأطباء ومهندسين، وحتى آباء لأحفاد أسياد أجدادهم! عندما تستهدف مواطن الجمال بالثقافة الموريتانية! إن ثاقفة "البيظان" و"الحراطين" على حد السواء ليست عدوانية ولا هي "بركيكة" كما يحلوا لمن يصرخ من دون حنجرة من "المناضلين"، أن يصفها! بل هي حصيلة التعايش الغنية بمواطن الجمال، وحلقات التعثر.. هي نسيج من صناعة الذاكرة، والدم، والمودة، القيلولة، الشعر، الولاء، الكرامات، المراعي، وقيم جمالية لاتعد ولا تحصى... إن أي مطالبة مهما كانت طبيعتها تمر لامحالة عبر المحافظة على تلك الثقافة، من خلال مشاريع جادة لإحيائها ومنحها المكانة اللائقة كمرجعية سويولوجية وأنتروبولوجية، وحتى إنسانية للبيظان، كمجموعة تجسد جمالية وتماسك بياض وسواد العين المبصرة لمستقبل يرفض تعثر الوخز العابر، لأطماع وسخافات عابرة لمفردات الذاكرةّ الدامية. نفس الأسلوب، تعتمده بعض الأوساط المتطرفة بالغرب، للتشكيك في المرجعية الأخلاقية للثقافة العربية بصفة عامة، والإسلامية منها بصفة خاصة، حيث يزخر "أدب" اليمين المتطرف في أوروبا ببعض المحاولات الرامية إلى إفراغ إبداع "المتنبي" كجزء من تراثنا، من أبعاده الجمالية الصرفة، وتقديمه "كمنظر" للعبودية التي طبعت، حسب مزاعمهم علاقة العرب والسود عبر التاريخ بصفة عامة. على المستوى السياسي، يتحدد تجسيد هذه النظريات العدوانية عبر الهجمة البربرية على الأمة السودانية ومحاولة تقسيمها، تارة تحت غطاء التدخل الديني، والعرقي، والإنساني، في أحايين كثيرة. في موريتانيا، يمر الطريق لامحالة عبر ضبط وتطوير الثقافة من شعر شعبي وفلكلور، ليمكن أجيال القرن الحالي من تصور المستقبل تحت يافطة المصير المشترك، تعزيزا وإثراءا لواقع المساواة الذي أتاحته الجمهورية، على علاته، منذ الاستقلال. من الرق إلى مجرد انتهاكات لحقوق الإنسان! كنت قد شاركت في إطلاق ما توهمناه "مشروع جيلنا" في منتصف التسعينيات من القرن الماضي "نجدة العبيد"، كمحاولة لامتصاص مواطن السخط الاجتماعي من طرف جزء من المجتمع الموريتاني ورث ماضي الغبن والاستغلال.. ساعتها فرض علينا النظام السياسي مواجهة مفتوحة، محيلا كل النوايا والخلفيات التي مهدت لهذا المشروع إلى معارضة سياسية، ينبغي استئصالها.. والطريف أن النظام الأمني لولد الطائع استغل "لمواجهتنا" نفس الأشخاص المتطاولين، اليوم، على أمن واستقرار الأمة الموريتانية، بعد طول انتظار في أروقة القاعات المظلمة للأجهزة الأمنية، التي كان همها الشاغل، حمايته حتى بثمن تفتيت أواصر عمران السلم المدني بالجمهورية. بعد الاعتراف، وترسيم أساليب مدنية وحقوقية لمتابعة المخلفات، كنوع من أساليب انتهاكات حقوق الإنسان، بغية تسويتها بمساهمة السلطات الإدارية، والنخب، وحتى رموز المجتمع التقليدي، في بعض الأحيان.. فلم يعد من مبرر لصك آذاننا بأساليب وآليات "نضالية" لم تعتمدها "الحر" في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، رغم هول المشهد آنذاك. صحيح أن المنظمات المسيحية، أساسا بفرنسا وإيطاليا، انزعجت كثيرا من ترحيل نشطائها من "دارفور"، مما قد ينعكس على حجم الميزانيات التي تستفيد منها، والتي لابد لها من نشاطات تستوعبها.. لكن لامبرر لتطبيق الانعكاسات الميدانية، لتعثر في العلاقات الدولية، مرفقا بحتمية إيجاد مقاربة ميدانية لتوازنات الحسابات المتخمة للمنظمات المسيحية الأوروبية، على السلم المدني بالجمهورية الإسلامية الموريتانية. إسرائيل وراء "القضية"! يجمع خبراء العلاقات الدولية، على أن الدبلوماسية الإسرائيلية تسخر بعض منظمات حقوق الإنسان الدولية، وغالبية الهيئات المانحة، لفرض "التطبيع" على دول العالم الثالث، والإفريقية منها بالذات.. وقد تجسد ذلك بالنسبة لموريتانيا عبر "المعارضة" الشرسة التي تعامل من خلالها المجتمع الدولي مع التحولات السياسية الأخيرة في البلد، رغم المرونة التي طبعت تعامله مع بعض الدول الإفريقية التي عرفت تجارب أكثر دموية.. بعد انتصار الجبهة الشعبية الداخلية، وحركة التضامن الإقليمية، والعربية منها بالذات، من خلال فرض الأمر الواقع على الشركاء الغربيين، ومخاطبتهم بلغة "الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة"، يبدو أن الخارجية الإسرائيلية وأعوانها من هيئات المجتمع الدولي، لم تغفر لموريتانيا هدير الجرافات التي عبثت بجمالية نادرة بمقر سفارتها بنواكشوط، كأول التجليات الحقيقية لهذا التحول السياسي الذي تحصنه شعبيته ودمقرطة أساليبه. أكدت مصادر صحفية ودبلوماسية عارفة بالمنطقة الضلوع المباشر للسفارة الإسرائيلية بدكار في محاولة تنظيم وتعبئة جيوش بعض المنظمات الحقوقية والنقابية، وبعض الشخصيات السياسية الموريتانية لزعزعة الأوضاع الأمنية بموريتانيا، من خلال اللعب على الوتيرة العرقية والاجتماعية، عبر الهزات الأخيرة التي عرفها عالم الشغل من محاولة "لتمرد" الحمالين، التي ظهر في مابعد أنها مجرد قضية وضعية قانونية تشترك فيها جميع شرائح المجتمع الموريتاني.. لكن الأخطر، والذي مازال مستمرا، هو محاولات النيل من قيم ومرجعية المجتمع الموريتاني العربي الإفريقي الإسلامي، وتقديمها للرأيين العامين الدولي والوطني، على أنها عائق أمام معضل المساواة. هل من حقنا التفرج مكتوفي الأيدي؟ ينضاف إلى العامل الخارجي، والذي يعتبر الأكثر خطورة في عملية المواجهة المفتوحة ضد الدولة الموريتانية، من خلال الاستهداف المباشر لمجتمع البيظان شكلا ومضمونا، ينضاف الصراع الداخلي على مستوى بعض نخب "الحراطين"، التي عودها النظام الأمني لولد الطائع على المتاجرة بألوان أجسادها، كورقة سياسية، في مواجهة "خلافة" مسعود ولد بلخير، الذي جسد عبر مشواره السياسي إرادة الدولة والمجتمع في موريتانيا لدمج حقيقي لمختلف مكونات المجتمع في ممارسة السلطة.. بعض المتربصين لخلافته، معنويا ـ على الأقل ـ يعتقدون، مخطئين، أن السبيل يمر عبر "راديكالية" قد تأتي على أخضرهم ويابسهم، المجسد لحصيلة عقود من تهذيب وتزكية الممارسة السياسية في إطار الدولة الحديثة. من الناحية الرمزية، والتي لها أهميتها في تاريخ الأمم، تجسد جغرافية السلطة في دولة المؤسسات التي تعيشها موريتانيا، دون أبسط منة، أكثر من إشراك حقيقي لشريحة "الحراطين" بوصفها جزءا لايتجزأ من مجتمع البيظان، في ممارسة السلطة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.. فهل من حقنا التفرج مكتوفي الأيدي، على المحاولات، الخبيثة للعبث بهذه اللوحة الجميلة التي تعكس واجهة موريتانيا كأمة تحارب الفقر، والتطرف، والصهيونية، والعنصرية.. وتحاول جاهدة أخذ موقعا عبر مصاف الأمم لتنتصر الثقافة الموريتانية، كحصيلة لمقارعة "أنيكور" المودة، والمحبة والتسامح.. والعافية التي لا يعدلها شيء؟ ملاحظة: نشرفي العام 2010 وأعيد نشره من جديد..
|