الجزائر: رئيس تحت الاقامة الجبرية وقنابل صوتية مفزعة |
الاثنين, 10 فبراير 2014 10:32 |
الحديث عن أوضاع الجزائر يراكم المرارة في النفس، فهي بلد جمع الله فيه ما تفرق على الأرض من آيات جمال الطبيعة، يكفي تلكم الفسيفساء في جغرافيتها أن تجعلها من أهم دول العالم جذبا للسياحة، ثروة الجزائر لا يمكن أن يختزلها مقال ولا حتى موسوعة، فهي من أغنى البلاد على وجه البسيطة، وتاريخ شعبها من فجر الوجود الى غاية الاستقلال، حافل بمراحل ومحطات كذلكم ثرية، ودون إطناب كل المعطيات المادية الملموسة تنتهي من المفروض الى نتيجة واحدة، وهي أن تكون الجزائر من أقوى الدول في العالم في كل المجالات، وأكثرها استقرارا وازدهارا وتأثيرا في اقليمها بل وحتى على الصعيد الدولي، لكن وللمفارقة مع صحة ما تقدم ذكره، واقع الجزائر المرئي والذي لا تخطئه عين بصير، أنها على عكس ذلك تماما، هي الآن أفقر من المغرب وتونس بكثير، نموها معطل بشكل لافت، اقتصادها فاشل وطبعا تأثيرها يكاد يكون معدوما في القضايا العربية فضلا عن الدولية، كل آلاتها التي وهبها الله معطلة، واستقرارها هش متوقع اهتزازه في أي لحظة، هذه الحقائق باختصار هي ما يبعث في النفس مزيدا من الأسى والحسرة، عند الحديث على الجزائر أكبر الدول العربية وأغناها، واحدى أهم ركائز قوتها ودعائم بنائها من المفترض. لا يمكن لعاقل أن يختفي وراء إصبعه، ولا أن يحجب الشمس بغربال كما يقال، المشهد الجزائري اليوم كما تعرضه الصحافة الدولية بائس وتعيس، لكن المحزن أن السلطة في الجزائر تحاول عبر اعلامها العقيم، وعبر بعض رموزها وقياداتها ودعوني اقول بصراحة بيادقها، أن تحجب بكل صفاقة ضوء الشمس بغربالها المهترئ أصلا، أكاد أجزم أن كل المعنيين بالجزائر في العالم ومعظم الشعب الجزائري، على قناعة بأن رئيس الجمهورية في حالة عجز كلي، ووضعه اليوم أشبه بالإقامة الجبرية، لم يعد عاجزا عن الوقوف لمدة دقيقة واحدة حتى تلتقط له صورة مع وزراء الحكومة الوهمية، إنما أخطر من ذلك كل العالم شاهد عجزه عن النطق في المقاطع الشحيحة التي عرضت، ومنها المركبة كما فضحها الاعلام الدولي، وبلغ الأمر من الإسفاف والانحطاط درجة غير مسبوقة، حيث يستدل بعضهم على صحته وقدرته بتعداد حركة يده. لم تتأتى لي فرصة مقابلة رئيس الجمهورية لما سعيت لذلك منذ نصف عام تقريبا، لكن المفاجأة حين ذهبت الى المنطقة الخضراء كما أصفها عادة، غرب العاصمة حيث اقامة رجال الدولة، كان صادما بالنسبة لي أن أجد رئيس الجمهورية في مكان غير تابعة لمؤسسة الرئاسة، وقدم لي القوم مبررات واهية حتى لا أقول مدعاة للسخرية، أحالتني هذه الصورة لوضعية رئيس الجمهورية الراحل الشاذلي بن جديد، الذي فرضت عليه الاقامة في محمية الرئاسة بزرالدة فترة قبل إقالته، وقد منع عليه دخول مكتبه وتم عزله بشكل كلي عن واقع الأحداث المتسارعة حينذاك (رواية عن مبعوث الرئيس الراحل محمد بوضياف)، غير أن الرئيس الحالي قد منعه المرض، ومحيطه عزله عن قصر الرئاسة، ليبقى متحكما في الصورة التي يعرضها للرأي العام، ويتحدث بل ويتحكم من ورائه وباسمه في شؤون الدولة، ومن وراء المسؤولين في قصر الرئاسة، علينا ان نتذكر هنا كيف منع كبار قادة الدولة من زيارة الرجل مرارا، كلما أصيب بانتكاسة ونقل الى المستشفى العسكري الفرنسي. في ظل هذا الوضع الغير قانوني، والمخالف للمادة 88 من الدستور بشكل فج، تسير أمور الجزائر كما جرت العادة مع الأسف، وبمثل هذه السياسات المافياوية يتقرر مستقبلها، ولعل من صور عبث دوائر السلطة، تلكم القنبلة الصوتية التي فجرها أحد رؤساء الأحزاب التي توصف بالثقيلة، موجها عبر الاعلام اتهامات خطيرة لرئيس جهاز المخابرات، والتي بالفعل أثارت تساؤلات على مستوى الاعلام الدولي كما تعرضت له الصحافة الفرنسية وقناة البي بي سي وغيرها، وموجة من التفاعلات لدى الاوساط المهتمة داخل الجزائر، أكانت سياسية أوإعلامية، وأكاد هنا أجزم بأن صرف الأنظار عن الخطر المحدق بالجزائر هوالمراد من دوي هذه القنبلة الإنشائية، والتعمية عن الوضع المأساوي تكاد فعلا تبلغ مداها. وبما أن هذا السيناريوالمُعدّ مسبقا، قد أظهره صناع السياسة في الجزائر الى العلن، ومضوا عمليا في تنفيذه، أجدني مضطرا لتسجيل موقفي منه، والذي عبرت عنه حين أعلمت به منذ أكثر من نصف عام، يومها لم تكن الشخصية التي فجرت القنبلة الصوتية هذه أمينا عاما، ساعتها أخبرني بعضهم أنهم سيطيحون بالأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير (الأمر الذي كان يبدوساعتها وفق المعطيات مستحيلا) ويرفعون هذه الحالية، ولعلمي بسوابقها العدلية ومتابعتها القضائية وما يحيطها من شكوك حول فساد ذمتها المالية، أبديت استنكاري لهذا الخيار البائس، فكان الرد أنها مؤقتة ولها مهمة لافتعال صدام تحديدا مع جهاز المخابرات، ثم يتخلصون منها كما جرت العادة مع من سبقها، والمراد كله من وراء هذه المسرحية الهزلية، خلق جومن الاحتقان والتجاذب على مستوى الطبقة السياسية والنخب، الى درجة ترخي بظلال القلق لدى الشعب والتخوف من المستقبل المجهول، ما يجعل الكل مهيأ لقبول مرشح السلطة بإجماع، تفاديا لأي انزلاق مُتوهم. مرشح السلطة محجوب اسمه عن التداول حاليا، تماما كما كان المشير السيسي قبل تقلد منصبه، وستجعل منه المخلص للجزائر كما نتابع حاليا في مصر، ولاشك لدي أن الطبقة السياسية الورقية والنخب ستلتف حوله. لقد رفضت هذا العرض من اساسه في حينه، واستنكرت العبث واستغفال الشعب والقفز الى الأمام، بدل مواجهة الواقع وارساء قواعد دولة عادلة بطبقة سياسية مسؤولة وواعية، والاستمرار في الاعتماد على أشباه رجال ومرتزقة سياسية، هذه في اعتبارنا جريمة اخرى ترتكب بحق الجزائر دولة وشعبا حاضرا ومستقبلا، وكان حريا بصناع السياسة والقرار في الجزائر أن يرتقوا لمستوى الوعي بالخطر الجدي الذي يتهددها في كثير من المفاصل، خاصة وأن المرشح المزمع تقديمه كنائب رئيس للجمهورية، في حالة خيار استنزاف الأخير الى آخر لحظة من حياته، اورأوا أن درجة الاحتقان المفتعل قد بلغت المستوى المرجو لعرض البديل المخلص، يمكن تقديمه للساحة دون هذه القنابل الصوتية، بل وحتى دون فرض اقامة جبرية على رئيس الجمهورية. أسجل موقفي الآن علنا بعد ان عبرت عنه قولا في حينه مع من بأيديهم الأمر: أرفض بشكل قاطع ترشيح شقيق الرئيس، تكفينا قضايا الفساد التي تفجرت في بلجيكا والولايات المتحدة فضائحا، وأرفض استغلال سلطة الرئاسة بعهدة رابعة عبر رجل بات وضعه الصحي يدعوللشفقة والدعاء له، كما أرفض ترشيح رجل السلطة (الجنرال) عبر هذه الادوات الرخيصة والاساليب المافيوية، والله المستعان على قادم الأيام. اسماعيل القاسمي الحسني فلاح جزائري |