هل نحتاج الى دولة قانون ام دولة حقوق ؟/ الأستاذ/عبد الله ولد العالم |
الاثنين, 10 فبراير 2014 12:49 |
ما أقسى العبارات المستخدمة مؤخرا لوصف أساليب تدبير الشأن العام، وما أدهى تنامي سلطان النسبية الأخلاقية والعجز الأدبي الآئل إلى امتهانالشرعيات وسيادة أسوء مفاهيم الأنانية : "انا او الطوفان". ما أفظعها من وضعية وما اخطر الإفراط في هُجْر القول والعبث بالرمزية السياسية للدولة. ما اخطر التحلل من البعد الإيماني وما أكثر الخطايا المترتبة على ذلك التحلل في ميادين مختلفة: في فضائينا التفاعلي ، في مؤسساتنا السياسية ، في هياكلنا التربوية ، في قطاع أعمالنا ... وفي ميدان الاقتناء الإداري.
ففي كل هذه الميادين ارتكبت ولا تزال ترتكب للأسف الشديد أخطاء قاتلة تحت أغطية المشروعية.
ان التصورات المجتمعية المبنية على المشروعة القانونية - بما فيها الديمقراطية- ليست سُننا تعبدية وإنما هي سبل لجلب المصلحة العامة المتأتية من التشغيل الشامل لكافة موارد المجتمع .
لذا يتعين النظر الى المشروعية القانونية على أساس أنها مجرد وسيلة وليست غاية في حد ذاتها بل الهدف هو ريع تلك المشروعية باعتباره الضامن للتمتع بالحق. فالحق يجب ان يكون محور الغايات ومسوق التدبير فهو أصل الملك في خلفيته المشكلة للعدل كأداة للطمأنينة.
علينا - والحال هذه – استنباط أنماط تسييرية تحارب الاحتكار وتفي بمتطلبات التوزيع العادل وتجفيف مصادر الحرمان بواسطة الارتكاز على الخبرة المسلحة بأدوات جادة للإنصاف وليس عن طريق الترقيعات القانونية ، فالقانون لا يحظى بالمصداقية لأنه منصف بل لأنه قانون.
ولقد أعطى التقاعس الأوروبي الملاحظ في مصر بعدا خرافيا للقانون، كما ان التقبل الأمريكي للانقلاب واستمرار التعاون مع الحاكمين الجدد برهن على خواء الدعائم المؤسسة لدولة القانون و التي تبدو اليوم كبذخ نصوصي يستبيح الحيف ويستهوي صولة الركاكة.
فماذا يجني العامة من تنظيم ليس له انعكاس ايجابي على احترام الإرادة في تساوي الفرص والتمكن من المساهمة ؟
وما قيمة تسارع وتيرة النمو اذا كان الحق في الرخاء المعيشي حلما بعيد المنال لقطاعات عريضة من مجتمع المدينة وساكنة الريف عامة؟ ما الفائدة من كل ذلك ؟ .. من جلب التمويلات ، وحتى من الإفراط في الحريات ؟ وماذا يربح الإنسان اذا خسر ذاته؟
ما نتيجة قانونية الدولة اذا لم تمنع النيل من المصطفى عليه أزكى السلام وتعاقب الدعوة الى الانفصال وتفتيت البنيات الاجتماعية؟ بماذا تفيدنا القانونية اذا لم تحُل دون تنامي المثلية وانتشار طيش الاغتصاب ؟ وغير ذلك من الأسئلة المحيرة التي لا تواجهها النخب المزيفة الا بعبادة الحكام او التفنن في التطرف والإلحاد.
وكمثل كل مسار تعيس ، يستمر نهج مواصلة الاهتمام الفولكلوري المبالغ فيه بعقدة دولة القانون مقابل إهمال الجوهر مما ساهم فى انتشار محاذير كثيرة كالعنصرية والفئوية والشرائحية ، التي غدت غولا يلتهم كل شيء.
نعم ان أزمتنا تستعصي دائما برغم انتخاباتنا ورغم انقلاباتنا وذلك لأنها تجلٍ للممارسة الطويلة لعدم المسؤولية ، تجلٍ للممارسة الممنهجة لتخريب المسلمات: كل مسلماتنا بما فيها المالية والاقتصادية .....تجلٍ لممارسة تدمير الكنه الثقافي والاجتماعي .
انها بالأساس تجلٍ لاستمرار التمسك بالأغلفة الخاوية كوهم حداثي يغتصب الصفة التمثيلية ويبتر ذاتية الجماعة في مظهر كوميدي يرفض الاعتراف بالنقص الذي لا يملك تجاوزه.
وهي لعمري نفس الأزمة التي تلمس د. برهان غليون جذورها في عمق تاريخنا الحديث والذي هو تاريخ استبعاد الجماعة من ساحة المبادرة والفعل والمشاركة .
وبرغم وجاهة صيحات الألم التي يطلقها المغاضبون من حين لآخر بخصوص عمق بالأزمة ، فلم يكن لذلك ان ينال أدنى حد من الهبة والوقار نظرا لحرص هؤلاء المغاضبين على السير في ظلال المنفعة والاكتفاء بلعن ظلام الماضي دون التقيد بالأطر الناظمة لخلفيتنا الإيمانية.
وتذكرني عبثية الانجراف الحالي والتي هي تغريد خارج السرب بقصة - نشرتها سابقا - لأحد شعرائنا انشد في خروج رهيب عن الموضوع بكائية بها تعزل عديم التهذيب خلال ندوة شعرية لشجب الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 فرد عليه الشيخ عدود رحمه الله بكلمة "انديسان".Ndeyssan
وانديسان عبارة افريقية يستخدمها أخوتنا في الضفة للتعبير عن الحسرة والمعانات، أجرى الارتشاء اللغوي Corruption linguistique على تراتب حركية أحرفها تغييرا فبدل الرفع جزما ،ربما لكون العرب لا تبدأ بساكن ، كما أضاف ألـــــفا ليـــنة تنطق همزا قبل النون التي استحدثت.
وفي ذات المنحى اللساني مدها التداول العربي بأبعاد ومعان جديدة فغدت ردعا فكريا في شكل تمجيد يغلفه العتب الساخر. والردع الفكري القائم على المحاججة الصارمة وتسيير إكراهات العون الخارجي هو ما نحتاجه اليوم لبناء دولة الحقوق القادرة على محاربة الرعب اللفظي و غيره من مظاهر تفكيك لحمتنا ....... فهل نحن فاعلون؟
الأستاذ/عبد الله ولد العالم إداري- خبير استشاري
|