إن سيالي الأنوف يعلمون اوباما كيف يجب أن يمتخط ويقيم العالم ولا يُقعده. وتوجد عندهم دعاوى من هنا الى واشنطن عن “الفانتازيا” و”الاستخذاء”: فيا له من رئيس ضعيف جدا يضيع مرة اخرى فرصة حرب قرم ثانية بل حرب عالمية ثالثة. طوبى لنا لأن عندنا نتنياهو الذي لا حاجة الى رقصة
التانغو الكاسحة التي يرقصها في ساحة الايباك، الى اثنين، بل يكفي راقص واحد هو ممثل وكاذب ايضا لم يكن قط يقصد “الدولتين”. فمتى سيتم البدء في أكل الاوراق والقبعات.
إن امريكا كبيرة لكنها ذليلة، أما اسرائيل فصغيرة لكنها فخورة، وهي مضطرة الى مواجهة قوة كبيرة مثل اوغندا تحكم على “النشاط اللوطي” بالسجن المؤبد.
وقد اكتفت القدس هذا الاسبوع بتصريح ضعيف كأنما يتخبطها مراسلنا براك ربيد من المس. إن قوتنا في مواعظنا وضعفنا في الاخلاق. “لنا مصالح”، كما ورد وكأنما لا توجد لروسيا مصالح في اوكرانيا وللصين في التبت
. تلقيت هذه المكالمة في طريقي الى لقاء الدلاي لاما في زيارته للبلاد: “في هذا الصباح أرسلت بجين برقية تحذير اخرى شديدة اللهجة”، أبلغني نائب المدير العام فلان.
“ولا يجوز لك باعتبارك وزيرا في الحكومة أن تتجاهل مصالحنا”. وتجاهلتها ولقيته.
كيف نخلص الدولة اليهودية من التحول الى البهيمية.
حُلم هنا ذات مرة حلم النور لكنه انطفأ منذ زمن، فقد قطع شخص ما التيار عن المادة المركزية في وثيقة الاستقلال. ليست اسرائيل اسوأ الدول فهي ليست مثل اوغندا لكنها موجودة هناك في مكان سيء في الوسط وهي ما زالت تتدهور في سلم الفرق والتسامح والفساد. وانها دولة تقوم باحتلال وتريد أجرها كأنها ديمقراطية مستنيرة في محيط مظلم
. ربما أصبحنا بعد منتصف الليل، ولم يعد ايقاظ الحلم ممكنا.
ليس التخلي عنه مؤلما فقط بل هو خطير جدا. وأنا لا أتخلى عنه لأنه ليس حلما بل هو من ضرورات الواقع، فمن غيره لا يوجد ضمان لاستمرار المشروع الصهيوني دون أن يفقد سبب بقائه. وفي مقابل ثرثرة نتنياهو الهوليوودية حينما قال “سأقف ثابتا على حراسة مصالحنا” – أدفن بذرة الشك الوجودي وأقول إن “المصالح” ليست كل شيء فالمباديء والقيم تفوقها أكثر من مرة.
هل كان التعاون مع نظام الفصل العنصري مجديا في المدى البعيد؟ وهل ربحنا ربحا مستديما من مصادقة الجنرالات في الارجنتين والمجموعة العسكرية في تشيلي؟ وهل بقي ثقب اسود لم ندس فيه أنفنا الطويل؟.
كنا ننكر مذبحة الشعب الارمنية الى أن قام اردوغان وتكلم بكلام العصيان. “لا تنسَ مصالحنا” قال لي بيرس وباراك موبخين بعد ان زرت الكنيسة وأيدت الذكرى وطلب الاعتراف. يوم تركيا ويوم اوغندة التي نتاجر بالسلاح معها ونطرد اليها لاجئين لوطيين من افريقيا.
هكذا يفعل الجميع وهكذا تفعل اسرائيل وهكذا تزيد في عمق الغربة الصهيونية.
إن مجرد وجودنا في هذه المنطقة يقع خارج جدار الطبيعة والتاريخ لأنه قام شعب فجأة فمضى الى ارض بعيدة غير فارغة. والى اليوم ينشب جدال في أنه هل غلبت قوة الطرد من هناك قوة الجذب من هنا أم الع
. إن المجتمع الدولي بمجلسه مكّننا من العودة بفضل العهد القديم، وكان يفترض أن يكافئه الشعب اليهودي ببشرى جديدة، وهنا ولدت “دولة اخرى” لا تقدم بل تؤخر. فقد وعدتم بالنور وبغصن الزيتون وحصلنا على شمير وبيبي وشييت. فأين هو النور الخالص، هذا هو السؤال وأنا اسأل ايضا.
أصبحت “المصالح” قصة تغطية تكمن فيها المقابح والمظالم. اليوم سيعود نتنياهو الى البلاد بعد أن دافع عنكم ببطولة وتخلى عنكم في واقع الامر. فهو لم يدرك الى اليوم الدولة الزجاجية التي نجلس جميعا فيها وهو يرأسها باعتباره إبن نوع “السيدة الاولى”.
بقلم: يوسي سريد
هآرتس 2/3/2014
|