عربة الاطفاء الكويتية قد تفشل في اطفاء الحريق السعودي القطري هذه المرة
الاثنين, 10 مارس 2014 00:58

atwan-555.jpg44عبد الباري عطوان: اذا صحت التقارير الاخبارية التي تقول بأن الشيخ صباح الاحمد امير دولة الكويت (88 عاما) قرر قطع فترة النقاهة التي يقضيها حاليا في الولايات المتحدة بعد اجرائه عملية جراحية “بسيطة وناجحة” والعودة الى الكويت لمواصلة جهود الوساطة “المزمنة” التي يقوم بها بين

 المملكة العربية السعودية وقطر، المتمثل قي قرار الاولى والامارات والبحرين سحب السفراء من الدوحة، فان الفصل الجديد من مهمته هذه سيكون صعبا، وفرص النجاح ربما تكون محدودة جدا.

من يتابع قناة “الجزيرة” القطرية ونسخها المتعددة (القناة العامة، الجزيرة مصر، الجزيرة مباشر”، يجد انها صّعدت من تحديها للمطالب، والشروط السعودية، التي اطلق عليها الاعلام القطري وصف “املاءات”، وباتت تبالغ في برامجها في الهجوم على المشير عبد الفتاح السيسي ونظامه، واستضافة اعضاء في قيادة حركة الاخوان المسلمين، والمتعاطفين معهم، بشكل اكثر كثافة من السابق.

العلاقات السعودية القطرية اتسمت دائما بالتوتر والمعارك وتعود الازمة في جذورها الى الصراع القبلي بين آل سعود (عنزة) وآل ثاني (تميم) في نجد، وتسجل وقائع التاريخ ان الحكم السعودي طالب عام 1913 بضم دولة قطر الى مملكته باعتبارها جزءا من اقليم الاحساء، ووجدت هذه المطالب مقاومة شديدة من البريطانيين، وبعد الحاح من هؤلاء تخلى السعوديين عن مطلبهم هذا بعد عامين، ولم تعترف السعودية رسميا بحدود قطر الحالية الا عام 1965.

 

السنوات العشرون الماضية شهدت حربين، الاولى في منطقة الخفوس الحدودية عام 1992، والثانية عندما دعمت السعودية والامارات ومصر محاولة انقلاب وقف خلفها امير قطر الاسبق الشيخ خليفة بن حمد وانصاره، وهناك من لا يستبعد تكرار السيناريو نفسه في المستقبل القريب اذا لم تخضع قطر للمطالب السعودية كاملة وبسرعة وهو امر مشكوك فيه.  

 

***  

جيرمي شابيرو مسؤول ادارة التخطيط في الخارجية الامريكية ومساعد هيلاري كلينتون السابق كتب مقالا خطيرا جدا في مجلة “فورين بوليسي” الامريكية النافذة في عدد تموز (يوليو) الماضي، قال فيه ان كيل الادارة الامريكية وحلفائها في المنطقة تجاه قطر قد طفح بسبب دعهما للاسلام السياسي المتطرف، وزعزعة استقرار الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي ومنع قيام حكومات وهياكل الدولة من خلال دعمها لجماعات متشددة تحمل فكر “القاعدة” وهدد قطر بالاقدام على اربعة خطوات اذا لم توقف سياساتها هذه نلخصها كالاتي:

 

*الاولى: فتح ملف العمالة الاجنبية والانتهاكات التي تتعرض، ونظام “السخرة” المفروض عليها، وبما يؤدي في نهاية المطاف الى سحب حق منح قطر لتنظيم تصفيات كأس العالم عام 2022، وهناك دعاوي قانونية في هذا الصدد.

 

*الثانية: اتهام دولة قطر بدعم “الارهاب” ومنظمات اسلامية متشددة مثل “النصرة” و”الدولة الاسلامية” اللتين تتبنيان فكر تنظيم “القاعدة”.

 

*الثالثة: احياء الخلاف السعودي القطري وتصعيده الى اقصى درجة ممكنة.

*الرابعة: دعم الجناح الآخر في اسرة آل ثاني الحاكمة سياسيا واعلاميا وتحضيره كبديل للامير الحالي ووالده، وتاريخ قطر الحديث حافل بالصراع على الحكم بين افخاذ الاسرة الحاكمة واجنحتها.

ثلاثة خطوات تحققت حتى الآن، فقد تم فتح ملف انتهاك حقوق العمالة الاجنبية، وتبعه اتهام صحيفة “الواشنطن بوست” لقطر مرتين بالارهاب ودعم تنظيم “القاعدة” وايراد ادلة في هذا الصدد، وها هي الخطوة الثالثة تتحقق هذه الايام اي احياء الصراع القطري السعودي، ولا استبعد شخصيا ان يتم تنفيذ الخطوة الرابعة اي احياء الانقسام داخل الاسرة الحاكمة وتصعيده في الاشهر المقبلة، وما محاولة اعطاء ادوار جديدة للشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء وزير الخارجية الاسبق ومهندس الانقلاب على الامير الجد خليفة بن حمد اذا صحت الانباء في هذا الصدد التي قالت انه اوفد الى الباكستان الا خطوة استباقية للايحاء بتماسك الاسرة الحاكمة.

السلطة الحاكمة في قطر التي تعتنق المذهب الوهابي السلفي المتشدد، (جميع دول الخليج الاخرى باستثناء سلطنة عمان التي تتبع المذهب الاباضي والسعودية تتبع المذهب المالكي) تتبنى حركة الاخوان، وتدعمها كخيار استراتيجي في مواجهة السعودية التي يقوم الحكم فيها على عقد سياسي بين آل سعود والحركة الوهابية، ومن منطلق “المناكفة” بل والاستفزاز للحكم السعودي في معظم الاحيان، والا كيف يمكن تفسير اقامة الحكومة القطرية اكبر مسجد على ارضها، واطلقت عليه اسم مسجد الامام محمد بن عبد الوهاب، وجعلته المسجد الرسمي للدولة وهو ما لم تفعله الدول السعودية نفسها مهد الحركة الوهابية؟!

 

دعم الاخوان هو نقطة قوة الدولة القطرية ومصدر ضعفها في الوقت نفسه، فهي كدولة صغيرة تحتمي بحركة اسلامية كبرى لها فروع في مختلف انحاء العالم الاسلامي، وتتحالف مع حكومة اردوغان وريثة الامبراطورية العثمانية في هذا الاطار ، وتوقفها عن هذه السياسة قد يؤدي الى انهيار هذا التحالف وزوال مظلة او ورقة الحماية الاخوانية.

 

خاصة بعد ان خسرت معظم الشارع العربي نتيجة لفشل الثورات العربية او اغلبها في تحقيق الرخاء والتغيير الديمقراطي المنشود، وبات الكثيون يميلون الى تصديق نظرية المؤامرة التفكيكية وتدمير الجيوش العربية.

 

***

 

  قطر تراهن دائما على المعسكر الآخر المواجه لمعسكر السعودية فقد انضمت الى معسكر “الممانعة” بقيادة سورية وحماس وحزب الله وايران في مواجهة “محور الاعتدال” الذي تزعمته كل من مصر مبارك والسعودية وباقي الدول الخليجية، ووقفت في خندق الرئيس صدام حسين وسخرت قناة “الجزيرة” لدعمه في مواجهة معسكر دول اعلان دمشق، ولكن دون ان تتخلى عن تحالفها سورية وحزب الله، مثلما دعمت الاخير، اي حزب الله اثناء العدوان الاسرائيلي عام 2006 وتعهدت ونفذت اعادة اعمار الجنوب، ثم انقلبت عليه وعلى سورية لاحقا مثلما انقلبت على ايران.

 

 الشيخ صباح الاحمد، الذي يستحق التعاطف في مهمته الجديدة، سيجد نفسه امام جبل ضخم من العناد في الطرفين، فمن الواضح ان المزاج السعودي مزاج حرب وتصعيد، في مقابل مزاج قطري متحد ويبرر تحديه الصلب هذا بأنه يرفض الاملاءات والخنوع.

 

القمة العربية التي ستعقد في الكويت ويريد الشيخ صباح انقاذها محكوم عليها بالفشل مسبقا، ليس بسبب الخلافات الخليجية، وانما الخلافات العربية المتفاقمة ايضا، فلم يعد هناك اي شيء استراتيجي موحد يجمع العرب او حتى الخليجيين الذين تباهوا دائما بتميزهم وتجربتهم الوحدوية.

 

اعلان السعودية الحرب على الاخوان المسلمين هو اعلان حرب على قطر بالدرجة الاولى، واذا كانت الاخيرة تحاول الاستجارة بايران علاوة على تركيا، فلا نستبعد ان تحاول الاولى اي السعودية ترميم علاقاتها مع سورية، او حتى مع ايران نفسها، لان عداءها لقطر اشد من عدائها لايران، والعكس صحيح، ومن يتابع تحالفات القبائل الاسلامية، وامراء الطوائف في الاندلس غير المفهومة، وغير المنطقية يدرك ما نقول.

 

عربة الاطفاء الكويتية التي يقودها الشيخ صباح الاحمد ستواجه صعوبة كبيرة في اطفاء الحريق السعودي القطري، ليس لانها لا تملك الماء الكافي، وانما لان هذه النيران اكبر من ان تستطيع اطفاءها هذه المرة او هكذا نعتقد.

 

من سوء حظ من يمسكون بدفة القيادة في قطر ان رهانهم على حكم الاخوان في مصر وتونس ووصولها الى السلطة في سورية قد خسر، بينما يترنح حليفهم رجب طيب اردوغان تحت الضربات الداخلية الموجعة من قبل خصومه واصدقائه السابقين (فتح الله غولن) والوقت قصير جدا لنسج تحالفات استراتيجية جديدة، خاصة بعد ان خسروا الروس دون ان يكسبوا الامريكان!

رأي اليوم