ولد عبد العزيز وهواية ركل العهود / أحمد ولد الوديعة |
السبت, 12 أبريل 2014 13:14 |
في سيرة ومسيرة الجنرال الرئيس محمد ولد عبدالعزيز الكثير من النقاط المعتمة الجديرة بالتوضيح واستخدام كل الأحزمة الضوئية الكاشفة – إن أجزنا لأنفسنا استخدام لغة المستشار بالرئاسة الدكتور إبيه ولد محمد محمود – أهمية هذه النقاط ليس لدورها في فهم شخصية الرجل الذي يحكم البلد عمليا منذ قرابة عشر سنوات، بل لإدراك تأثيرها العميق على حاضر ومستقبل التدافع السياسي؛ فالغريب بل والمستفز ربما أن بعض هذه الصفات غير الحميدة غير معروف لدى الرأي العام والفاعلين رغم وضوح وتجلي مظاهره وتطبيقاته مرات عدة ومع شخصيات وجهات سياسية متنوعة.
خلال هذه العشرية غير المشرقة من تاريخ دولتنا التي حكم العسكر عليها بالظلام والاعتام منذ أكثر من خمس وثلاثين سنة، ركل الجنرال عهودا للوطن؛ لديمقراطيته، ولأمنه، ولقواه السياسية مجتمعة ومنفردة، وهو اليوم على أتم الاستعداد لإشباع رغباته في الدوس على العهود بحلقات جديدة قد يكون أقربها نتائج الحوار الجاري، ولن يكون أبعدها وقوعا أو احتمالا، كسر ظهر الدستور من خلال تعديل دستوري يلغي مادة تحديد المأمورية التي كان قد حلف أيمانا مغلظة أن لاتكون مما يطاله المس أو التعديل.
من باب الذكرى التي تنفع المؤمنين، وما أحوج معارضينا للإيمان الحق بالقيم التي يرفعون شعارات لجهدهم النضالي، من هذا الباب الذي يندر أن يستفيد منه هواة الركل على العهود دعونا نستعيد محطات من سجل عهود الجنرال الرئيس المتحفز بكل ما يملك للانقضاض على مأمورية جديدة .
- في العام 2005، وبعد أن بلغ الاحتقان والقمع والدوس على الحريات مستويات غير مسبوقة في عهد ولد الطايع، وفي ظل وضع كانت فيه المعارضة التقليدية وغير التقليدية في أعلى مستويات جاهزيتها لإحداث التغيير، كان العقيد يومها محمد ولد عبدالعزيز ينقض على السلطة ويقوم بما سماه بحق باحث غربي رزين التغيير الذي جاء لكي لايكون هناك تغيير.
في تلك الأجواء المشحونة بالرعب والقمع والانقلابات قررت النخبة السياسية الموريتانية أن تعبر عن " حسن النية" فتقبل مرحلة انتقالية يقودها العسكر وفق مسار تشاوري يتم الاتفاق عليه مع الجميع.
وبعد أشهر قليلة من الانقلاب ذهب الجميع إلى ابروكسل ليشهدوا العالم من هناك على وثيقة عقد وعهد يلتزم فيها العسكر المشرفون على الانتقال بتسليم السلطة لمن ينتخبه الشعب، وبالامتناع عن كل أشكال التدخل في العمل السياسي، وهي الوثيقة التي احتفى بها الموريتانيون والعالم وكانت بمثابة قطع الشريط الرمزي لمسار التعاطي الدولي مع الانقلاب واعتبار ما يجري في موريتانيا عملية انتقال ديمقراطي.
عاد الساسة إلى نواكشوط محتفين بتعهدات ابروكسل، وعاد العقيد محمد ولد عبدالعزيز والزمرة الانقلابية معه إلى عادتهم في نقض العهود، منغمسين في العملية السياسية وواضعين الأسس الأولى لعملية التمرد على الديمقراطية التي ستدور وقائعها في يوم آخر من أيام أغسطس الظرف الزمني المفضل لبيانات وتمردات وتعهدات وتنصيب الرئيس الجنرال.
- في العام 2008، وبينما كان الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله يهم بالتحرر من قيود واشتراطات الزمرة العسكرية، كان ولد عبد العزيز يحضر أوراق تمرد علني على رئيس أخذ شرعيته من انتخابات حظيت بتزكية معتبرة من الطيف السياسي ومن المراقبين.
شكل العقيد كتيبة برلمانية باشر توجيهها من الحرس الرئاسي، وشرع في تحضير خطط الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلد، وسريعا أثبت الجنرال أن درجة استهتاره بالديمقراطية كبيرة فأعلن " وضع حد " للتجربة الديمقراطية منصبا نفسه رئيسا لتنفيذ برنامج لم يتبلور حينها من تفاصيلها سوى أن قرار إقالته لاغ، وأن الموجود من العدالة سيتم توزيعه بين الجميع .
وعلى طريق الانقلاب على الرئيس المنتخب قطع قائد الانقلاب عهودا لبعض القوى الديمقراطية التي كانت في صف معارضي ولد الشيخ عبدالله وكانت تعتبر حكمه مجرد مظهر من مظاهر حكم العسكر، وبالطبع لم يكن حال العهود غير المعلنة أحسن من حال تلك التي شهد عليها العالم في ابروكسل، أو تلك التي صوت عليها الموريتانيون في الدستور أو في الانتخابات العامة أو الرئاسية.
- في العام 2009،وبعد عشرة أشهر من مقاومة الانقلاب العسكري، وفي ظل رعاية دولية وإقليمية كبيرة تم التوقيع في دكار على اتفاق مشهور شهدت عليه الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي، ونص على تفاصيل حل سياسي توافقي، كان الجنرال وفيا للركل عليه؛ إفراغا للكثير من نقاطه من محتواها، والتفافا على البعض الآخر وتملصا فجا من النقاط الخاصة بالحوار السياسي في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية.
- وفي العام 2009 كان الجنرال يذرف الدموع المصطنعة في كيهيدي على ضحايا سنوات الجمر، متعهدا بحل مشكل الإرث الإنساني وتعويض ضحايا سنوات القمع الطائعية، لكن تلك الدموع جفت سريعا، واستمر الجنرال كما لابد أن يستمر على خط سيده الملهم في رفض مجرد معرفة الحقيقة في تلك الأحداث المأساوية التي قتل فيها مئات الموريتانيون الأبرياء، وهجر عشرات الآلاف.
لقد تبنى الجنرال عزيز في السنوات الماضية من مأمورية سياسة يمكن أن نسميها سياسة شراء الدماء في معالجة ملف الإرث الإنساني ، وهي مقاربة زادت عمليا من شعور الضحايا وانصار العدل بمزيد من الظلم، إنها في الواقع بمثابة عملية القتل الثانية لضحايا سنوات الجمر، فحين يتم تحويل قضية اضطهاد أفراد وجماعات ومجموعات إلى قضية تتم المساومة عليها ويشترى الصمت عنها بمالبغ مالية من من هو فيها من الزاهدين فمعني ذلك أن القتل والاستهداف شمل أيضا الكرامة الإنسانية للمواطنين المضطهدين والحالمين بتحقيق العدل على حد سواء.
- في العام2011، وفي أوج ألق ثورات الربيع، وبينما الشباب الموريتاني مشرئب الأعناق لموعد مع التغيير الجدي قبل الرئيس الجنرال الدخول في حوار سياسي مع بعض الأطراف المعارضة، مسطرا معهم عهودا ومواثيق كان مصير أغلبها ذات السلة المهملة التي استقبلت من قبل تعهدات ابروكسل ومقتضيات الثقة،ويمين الترقية، وأصوات الموريتانيين في الانتخابات الرئاسية، وبنود اتفاق دكار.
ولعل من أهم الخلاصات التي خرج بها حوار ما بعد الثورات هو تلك التعديلات الدستورية التي نصت في الدستور على تجريم ممارسات الاسترقاق واعتبارها جرائم ضد الإنسانية لاتسقط بالتقادم، بيد أن تطبيق هذا النص الدستوري الجديد نال حظه الوافر من الركل والدوس، فاستمرت الإدارة والقضاء في إنكار وجود الرق، ومساندة ممارسيه بكل ما يضمن إفلاتهم من العقاب، وجاء إنشاء وكالة وطنية لمعالجة مخلفات الاسترقاق ليؤكد أن دار ابن لقمان على حالها، وأن الرجل الذي يكرر في كل مناسبة أنه لاتوجد عبودية في موريتانيا غير معني بالتحرك خطوة واحدة على طريق تخليص موريتانيا من الظلم الفادح الواقع على مكون مهم من مكوناتها الوطنية.
وخلال سنوات المأمورية المنقضية وعد الرئيس وأخلف في قضايا عديدة تبدأ بالحرب على الفساد التي تحولت فسادا، وزبونية ومحسوبية، وثراء فاحشا لمجموعة قليلة من المنتفعين المرتبطين بالقصر، وتستمر مع وعود التشغيل وتوفير فرص العمل، ولا تنتهي مع عشرات المشاريع التي دشنت ولم تتم أو التي أعلن عنها ولم تر النور رغم تجاوز الآجال المحددة لذلك.
تلك ملامح من السجل الوطني لإحصاء ركلات الرئيس الجنرال بعهوده، وهي للتدقيق مجرد ملامح ومن السجل الوطني فلو أردنا الاستقصاء، وقبلنا النزول إلى سجلات الركل للأفراد والمجموعات والجهات السياسية والولايات والمقاطعات والقطاعات لطال الحديث وتشعب بل ربما أدركنا موعد الانقضاض على المأمورية الثانية ونحن لما نصل بعد إلى مرحلة قيادة فخامته للحرس الرئاسي أيام حكم سيده الملهم العقيد ولد الطائع. |