الحوار .. يحرق المنتدى / عبد الله الراعي |
الاثنين, 05 مايو 2014 10:05 |
إن الممارسة السياسية إذا لم تكن محكومة بحرفية ومهنية عالية قد تحرق الأجنحة وأحيانا تقتل مثلها كمثل النار الموقدة في فصل الخريف بواد ذي غطاء نباتي كثيف حيث يكثر الخشاش والحشرات ، إذ أن أعدادا هائلة من تلك المخلوقات الطائرة والزاحفة تهرع الى النار وكأنها تحتفل بذلك النور الجديد ، وبفعلها ذلك غير المحكوم بالعقل والحكمة فإنها تحترق وهي تحاول فهم تلك النار المبهرة !!
وقد حدث الأمر نفسه تماما مع المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة كما حدث مع سلفه منسقية المعارضة الديمقراطية .
إن الوعي السياسي يختلف إختلافا كبيرا عن العمل السياسي ومن يخلط بينهما فإنه يضيع ويحترق ، فالوعي السياسي مكانه القداسة ووقوده التضحية والبذل من أجل مصالح الناس والوطن ، وضابطه العقل والرزانة ومقاصده الوطنية وحرمة المجتمع ومصالح الدولة العليا ، في ما يذهب العمل السياسي الى المكاسب المادية والمصالح الشخصية والفئوية الضيقة وهو الأمر الذي يقع فيه كثير من ساستنا للأسف الشديد.
فأصبحت مقاصد السياسة تنحصر في مكاسب الأحزاب واستمرار أجندتها ، وفي مثل هذه الظروف فإن الوعي السياسي ينتكس وتحل محله أفعال الغوغاء وتجارة العمل السياسي القذر.
لقد شكل الحوار السياسي الأخير بين الأغلبية والمعارضة إمتحانا صعبا لممتهني العمل السياسي في أحزاب المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة ، حينما إحترقت أوراقهم وأنكشفت أقنعتهم وهم يضعون العراقيل والمطبات أمام عجلة الوعي السياسي الذي تقوده الأغلبية، وهم بذلك يحرقون أوراقهم وينكشفون للرأي العام الوطني والدولي .
وقد ذكرتني حكمتهم السياسية ، بسيدة الحكمة في أدبنا الخرافي ـ السيدة تيبة ـ إذ تروي الخرافة الشعبية أن طفلا في حي تيبة أرسله ذووه الى خيمة للجيران قصد سلفة لإكرام ضيف حل عندهم ، وصل الطفل الى خيمة الجيران وأعطوه مسألته غير أن نازلة حلت بهم حيث أن الطفل مد يديه بشكل ملتف على ركيزة الخيمة وعلق بها فإذا فتح يديه فإن ما في حفنتيه سيسقط على التراب ، والدقيق إذا خالط التراب يصعب فصله عنها ، وقد كانت السيدة "تيبة" في داخل الخيمة فأستشارتها الجماعة في الأمر فأوحت إليهم بإنزال الخيمة وسحب الركيزة من بين ذراعي الطفل .. وإلا فإن الحل الوحيد هو قطع يدي الطفل لإنقاذ الدقيق !! إنها حكمة تيبة ..
فالأمر ذاته وقع فيه المنتدى حين طالب بالقفز على الآجال الدستورية من خلال تمديد فترة الحوار حتى تتقاطع مع تاريخ إستدعاء هيئة الناخبين ، ومطالبته كذلك بحكومة موسعة وكأن البلاد تعيش وضعية إستثنائية تستدعيى حكومة وحدة وطنية ولم تقتصر مطالب المنتدى عند هذا الحد حين أوحت لهم أفكارهم بالمطالبة بحل البرلمان ، وكأنهم يعيدون حكمة "تيبة" !!
إن القلق بشأن المستقبل السياسي الذي تخشاه المعارضة يحتم عليها أخذ قسط من التفكير العميق في أبعاد العملية السياسية التى شوهتها التجارب في مختبرات منسقية المعارضة الديمقراطية وأرسلتها جنازة الى مختبر المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة.
إنه لم يعد يخفى على من يفقه في فهم السياسة مستوى الإفلاس الذي تعيشه بعض النخب السياسية ، لأن الخطاب السياسي هو المحرك والواجهة الفعلية لسفينة السياسة وإذا كانت تلك السفينة تتحرك دون ذلك المحرك فإنه محكوم عليها بالغرق وسط تلك الأمواج الهادرة وربما تأخذ في طريقها أولئك الركاب الذين لايجيدون السباحة في أمواج السياسة ، فيا خوفي على ركاب سفينة المنتدى من مصير مجهول.
وفي ظل ذلك الصخب والموج العالي يتضح أن الخطاب السياسي الذي تبناه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز هو الوحيد الذي وصل الى عامة الناس من الفقراء والطبقات المسحوقة طيلة عقود من الزمن في غياهب النسيان والحرمان .
لقد شكل ذلك الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية الضربة القاضية لخصومه ، حيث لامس ذلك الخطاب نفوس المواطنين وبعث فيهم الأمل ببداية التأسيس لمرحلة جديدة طابعها الإنسجام الإجتماعي وتعزيز الوحدة الوطنية وتدعيم التنمية الاقتصادية الشاملة.
وما يخشاه الطيف السياسي في المعارضة هو نجاح الرئيس في مأمورية ثانية ، بعد ما نجح في إطلاق آلاف المشاريع الاقتصادية والإجتماعية التى من شأنها خلق تحول جذري في مسار الدولة الموريتانية ، وذلك لعمري بمثابة قطع الطريق على تجار العمل السياسي الى غير رجعة.
إن المعارضة أضحت كمن يحاول حجب الشمس " بغربال السيدة تيبة " وفي كل المناسبات والخرجات الإعلامية لرئيس الجمهورية يبرهن لخصومه السياسين أنهم بمثابة من يحاول تسلق جبال الهيمالايا حافي القدمين مستخدما حبالا مفتولة في مصانع تايوان. |