ان يتحول عباس الى وسيط في حرب غزة فهذه واحدة من اكبر نكسات الشعب الفلسطيني |
الثلاثاء, 22 يوليو 2014 23:45 |
من اكبر النكسات التي لحقت بالشعب الفلسطيني منذ بدء العدوان الاسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، ان يتحول الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى واحد من الوسطاء الذين يسعون الى وقف هذا العدوان جنبا الى جنب مع بان كي مون امين عام الامم المتحدة، وجون كيري وزير الخارجية الامريكي وآخرين. استمعت اليوم الى تصريحات ادلى بها السيد عزام الاحمد عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” والذراع الايمن للرئيس عباس التي قال فيها “ان القيادة الفلسطينية قدمت اقتراحا في اطار المبادرة المصرية للتهدئة في غزة، يتضمن وقف اطلاق النار يعقبه مفاوضات تستمر خمسة ايام”، واضاف “ان مصر لم تمانع بالنسبة لهذا الاقتراح”. السيد الاحمد ينطبق عليه المثل الذي يقول “واخيرا فسر الماء بالماء”، فالمقترحات التي يتحدث عنها لا تتضمن اي جديد وتأتي تكرارا لجوهر المبادرة المصرية، باستثناء وضع سقف زمني للمفاوضات بين وفد المقاومة المفاوض من جهة، والوفد الاسرائيلي من جهة اخرى عمره خمسة ايام فقط. المسؤولون في السلطة الفلسطينية “مهووسون” لشيء اسمه المفاوضات وآلياتها واسقفها الزمنية، وكأن خبرتهم “الطويلة جدا” في هذا الميدان “وردية” و”مثمرة” يجب اقتداء الآخرين بها، وفصائل المقاومة على وجه الخصوص. السيد الاحمد وريسه وزملاؤه في السلطة يفاوضون اسرائيل منذ اثنين وعشرين عاما، اي منذ بدء مفاوضات اوسلو ومع ذلك لم يحققوا اي تقدم بل ما حدث هو العكس تماما، فقد انكمشت مساحة الارض التي كانوا يفاوضون من اجل استرجاعها بمقدار الثلث، وارتفع عدد المستوطنين الى 700 الف مستوطن واصبحوا دولة مستقلة بذاتها، وارقامهم ورقعتهم الاستيطانية في تزايد وتحظى بحماية السلطة وقوات امنها. فصائل المقاومة الفلسطينية التي تتصدى برجولة مشرفة للعدوان الاسرائيلي تعرف هذه الحقائق، وتستوعب دروس فشل السلطة بشكل معمق ولا تريد الوقوع في مصيدتها، ولهذا ترفض رفضا قاطعا اي مفاوضات بعد وقف اطلاق النار وتريد اتفاقا متكاملا واضح المعالم يلبي مطالبها وهي محقه تماما في هذا الموقف، وتجد تأييدا مفتوحا من الاغلبية الساحقة من ابناء الشعب الفلسطيني (باستثناء السلطة) بما في ذلك اسر الشهداء والجرحى الذين لا يريدون ان تذهب دماء ابنائهم سدى. *** ندرك جيدا، قبل ان يسارع البعض بالقول بأن كل يوم يمر دون وقف الحرب يعني المزيد من الشهداء والجرحى، ان وضع اهلنا في قطاع غزة صعب جدا في مواجهة عدو يتعمد قتل الاطفال وتدمير البيوت، او ما تبقى منها، فوق رؤوس اصحابها، ولكننا ندرك في الوقت نفسه ان القيادة الاسرائيلية المهزومة والمرتبكة، تريد استخدام مجازرها كورقة ضغط على فصائل المقاومة لاجبارها على رفع الرايات البيضاء والتنازل كليا عن مطالبها العادلة في رفع الحصار. القبول بوقف اطلاق النار ثم الذهاب الى مصيدة المفاوضات التي جرى نصبها باحكام، يعني الدخول في متاهة لا مخرج منها، والقول بان هذه المفاوضات ستنتهي في خمسة ايام حول قضايا سياسية وفنية معقدة مثل فخ المعابر والمطار والميناء واعادة الاعمار، وانهاء المنطقة العازلة الحدودية البرية وفتح البحر امام حرية الصيد، هو ضحك على الذقون واستخفاف بالعقول، لان بحث هذه القضايا، منفردة او مجتمعة، والاتفاق عليها، مع عدو مراوغ مبتز يحتاج الى خمسة قرون وليس خمسة ايام، وكبير مفاوضي السلطة الدكتور صائب عريقات ورئيسه اول من يعرف هذه الحقيقة. ثم بعد ذلك نأتي الى مسألة في غاية الخطورة والاهمية معا، وهي مسالة الضمانات بشأن التزام الطرف الاسرائيلي بالاتفاقات التي يمكن ان تتبلور من خلال هذه المفاوضات، وآليات تنفيذها على الارض، فالرئيس عباس ومعاونوه اعتمدوا على الضمانات الامريكية في وقف الاستيطان، والافراج عن الاسرى الفلسطينيين، وانهاء مفاوضات الوضع النهائي في غضون تسعة اشهر، فاين هذه الضمانات الامريكية، وهل التزمت بها امريكا الدولة الاعظم واجبرت حليفها الاسرائيلي على تنفيذ ما تعهد به؟ ألم يغسل جون كيري الذي يتواجد حاليا في القاهرة يديه من هذه الضمانات دون ان يوجه كلمة نقد واحدة للاسرائيليين؟ فصائل المقاومة لم تخض هذه الحرب، ويقدم اهلنا في قطاع غزة حوالي ستمائة شهيد حتى الآن واربعة آلاف جريح ومئات الآلاف من المشردين من اجل الوقوع في مصيدة ثانية من المفاوضات العبثية يشارك في نصبها من لدغ من هذا الجحر اكثر من مرة للأسف. ارقام الشهداء الفلسطينيين في ارتفاع.. نعم.. ولكن ارقام القتلى الاسرائيليين في ارتفاع ايضا، ومعها الخسائر الامنية والاقتصادية والمعنوية الاسرائيلية، فعندما تقرر معظم شركات الطيران الغربية وقف رحلاتها الى مطار تل ابيب، فهذا يعني الكثير لمن يفهم في الاقتصاد والسياحة وعلم النفس العسكري، ولم يأت هذا الانجاز بالصدفة، وانما بناء على حسابات دقيقة رسمتها صواريخ المقاومة التي يسخر منها ومفعولها بعض “العقلاء” العرب. الرئيس عباس لا يريد المقاومة، ولا يريد انتفاضة، ولا يريد وقف التنسيق الامني او حل السلطة، لا يرد ان يفعل شيئا على الاطلاق وهذا ليس من حقه، ويجب ان يكون هناك من يردعه من حركة “فتح”، وهذا للأسف غائب كليا، ولكن يجب منعه، طالما ان هذه خياراته، ان لا يفرضها على المقاومين، ويتدخل في شأنهم، ويفرض نفسه عليهم. *** المقاومة لا تبالغ ولا تكذب لانها مقاومة مؤمنة، فعندما اعلنت عن اسر جندي اسرائيلي، ونشرت صورته واسمه ورقمه العسكري، وانطلقت حملات التشكيك تماما مثلما انطلقت مثيلاتها حول وقوع قتلى بالعشرات في صفوف الجيش الاسرائيلي، وها هي حكومة نتنياهو تضطر لبلع كبريائها وغرورها الكاذبين وتعترف مكرهة بالخطف وارقام الجنود القتلى. نتمنى على القيادة الميدانيين لحركات المقاومة و”حماس″ بالذات، زعيمتها، الذين يقودون هذه المعركة المشرفة ان لا يستمعوا الى السلطة ومبادراتها وكل الوسطاء الآخرين الذين يدعون الحكمة والعقلانية ويلقون المحاضرات في “المرونة” و”الواقعية” وهم الذين يكرهون المقاومة اكثر الف مرة من كراهيتهم لنتنياهو، ولو خيروا بين الاثنين لاختاروا نتنياهو، وان يتمسكوا بمطالبهم، فصمودهم البطولي بدأ يعطي ثماره وبشكل متسارع. غزة يجب ان تنتصر في معركة الكرامة هذه، لانها تستحق الانتصار لما قدمته من شهداء وتضحيات، واول من قدموا هذه التضحيات قياداتها الصامدة التي تقود من تحت الارض على رأسهم اسماعيل هنية ومحمود الزهار وخليل الحية والقائمة تطول. انهم القلة المؤمنة التي ستهزم الاكثرية الباغية باذن الله، طالما استمروا في الاعتماد على ربهم وانفسهم، وهم كذلك، وللمرة الثاني نقول ان النصر صبر ساعة، فصبرا آل ياسر. |