الرموز الانتخابية : ما العلاقة بين الرمز والشعار والعمل السياسي الذي تنهجه الأحزاب؟
الاثنين, 02 ديسمبر 2013 01:37

altفي الحملة الانتخابات  لجأت الأحزاب إلى الرموز، فلحق التوفيق بعضها بينما وقعت أخرى في صعوبة الاختيار وملابساته، والنظر في طبيعة الرموز المتداولة في الانتخابات، يندرج ضمن الدراسات الرمزية و الأنثربولوجية، وضمن الدراسات السيميائية لمظاهر الواقع المتعددة، والذي يتضمن طبيعة الرموز المستعملة في التواصل بين النخبة

السياسية والمواطنين..

و قد تبنت بعض الدول الرمز حتى صار تعبيرا عن عزتها الوطنية وصارت الرموز ذات دلالة وطنية كالدب الروسي و النسر الأمريكي والديك الفرنسي...

وتجدر الإشارة إلى أنه من الصعب خلق الرموز وإبداعها بطريقة آنية والتصرف فيها لأنها جزء من الموروث الثقافي والاجتماعي، ويعني ذلك أنها جزء من الرأسمال الذهني الاجتماعي والتاريخي المحلي والكوني، الذي لا يمكن خلقه بين عشية وضحاها لأنه متوارث وينتقل من جيل إلى جيل محملا بما فيه من الدلالات التي قد تنأى عن طبيعة عمل الحزب أو الهيأة التي اختارته ليعبر عن هويتها ونشاطها..

توزع الرموز الانتخابية

الاختيار الرمزي الذي قامت به الأحزاب الموريتانية يطرح أكثر من سؤال:

ما هي العلاقة بين الرمز والشعار والعمل السياسي الذي تنهجه هذه الأحزاب؟ هل هناك انسجام و مطابقة بين الأحزاب وهذه الرموز التي تحملها؟

وهل توفقت الأحزاب في اختياراتها للرموز التي تعبر عن التربية الثقافية والاجتماعية أم أن بعض هذه الرموز ظهر مغتربا عن واقعه مثل جزء غير قليل من النخبة السياسية؟

إن أهم نجاح لاختيار الرمز هو اختياره مرتبطا بالواقع الاجتماعي والتاريخي، لذلك فبعض الأحزاب، بغض النظر عن فوزها في صناديق الاقتراع أو عدم فوزها، قد نجحت في اختيار الرموز باختيارها لرموز مشحونة تاريخيا واجتماعيا وفي بعض الأحيان لها دلالات كونية متفق عليها..

و من بين الرموز المتداولة سياسيا في هذه الانتخابات نجد الرموز التالية:

الحصان الغزالة الورد الخيمة الميزان الكتاب الكف  السبحة القلم السيف الأيدي الجمل البراد الثور الهلال عمارات حديثة  الميزان السبع الأسد الجدع البقرة العين النمر الصقر النخلة السنبلة المشعل الرسالة شجرة قبضة اليد جهاز حاسوب المسجد الشمس....

ويمكن تصنيف هذه الرموز حسب طبيعتها السيمائية إلى حقول دلالية مختلفة: دلالة الرموز

 

     الرموز النباتية :

 

تحيل الرموز النباتية على الجمال أو الخصب والأصالة حتى تغرق المتلقي وتغمر متخيله بالخصب والعطاء والارتباط بالأرض، وتحقيق الوعود الانتخابية التي ستحول الحياة الاجتماعية إلى الأفضل:

النخلة أو عرش النخلة المحملة بالتمر ترمز بدورها إلى الخصب والصمود والأصالة..

والسنبلة رمز للخصب والأرض والنضج، للحصاد والحصيلة الوفيرة إشارة إلى الارتباط بالأرض والاهتمام الخاص بالمجتمع القروي..

الوردة ترمز إلى الجمال والجراح، كما ترمز إلى التضحية في سبيل الغير، فجمالها مقترن بالجراح والألم..

أما غصن الزيتون المثمر فيرمز إلى السلم والأصالة والارتباط بالأرض بالإضافة إلى كون شجرة الزيتون شجرة مباركة في الثقافة العربية الإسلامية. أما الشجرة فترمز إلى الارتباط بالتراث والقيم الأصيلة..

 

     الرموز الحيوانية :

 

يتمفصل اختيار الرموز الحيوانية إلى متوحشة وأليفة وطيور وحشرات، وتمتاز في الغالب بالقوة والسرعة...

السبع يرمز إلى القوة والغلبة والحرية في الفعل والمبادرة، لا أحد يمكنه أن يقف في طريقه، فقد يحيل سياسيا على الليبرالية والحرية في الفعل..

الحصان رمز السرعة والقوة والفحولة وإثبات الذات، وهو بدوره يرمز إلى اللبرالية كطريقة اقتصادية وسياسية في تدبير الشأن العام، ويرمز أسطوريا إلى الزمن المستمر..

الجمل رمز الصبر والأصالة، ويرمز إلى الصبر على المشقة والقدرة على التحمل..

الغزالة هي رمز الرشاقة والسرعة والجمال، وقطع المسافات الطويلة في فترة وجيزة، وهي خير ما يرمز إلى البيئة والسياحة، أما التنمية فتحتاج منها رمزيا إلى مسافات وقفزات..

العقاب يعتبر من الجوارح التي لها شرف ومكانة في مخيلة العرب، لأنه طائر قوي لا يأكل إلا من صيده، وينقض على طرائده من عال، وله نظر ثاقب يضرب به المثل فيقال (أحد من نظر العقاب)...

النحل و النمل رمز الجد والعمل والإنتاج الذي فيه خير الناس والمجتمع فهي لا تمل من العمل فهي تليق أكثر للتعبير عن العمل والكد... لكن النحل أيضا لاسع في بعض الأحيان.. الديك يرمز إلى النهار و الضوء وهو أسطوريا كائن شمسي معاد لليل.. أما الثقافة العربية فاعتبرت أن له خصالا يقتدى بها منها الاستيقاظ المبكر والكرم والسخاء..

 

     الرموز الجسدية :

 

الكف في الثقافة الشعبية رمز لدفع الحسد وكشف الحساب والمصير..

العين ترمز إلى الحسد وتستعمل في الاعتقاد الشعبي لدفعه ...

الأيادي المتشابكة ترمز إلى التعاون و التضامن.

أيادي متشابكة لسحنات مختلفة ترمز للوحدة و نبذ العنصرية و التمييز...

 

     الرموز الضوئية :

 

الشمعة تتضمن نفس الرمزية التي للضوء الذي يحاول أن يطرد الظلام بتحقيق العدل الاجتماعي، والشمعة رمز للاحتراق والتضحية من أجل الآخرين الهلال رمز الضوء والزمن الدائري وهو لا يخرج عن المنطق الرمزي السابق مع تركيزه على المرجعية الدينية.

الشمس الساطعة رمز للحقيقة المنكشفة بدون لبس، وهي رمز ضوئي يعبر عن وضوح التوجهات والاختيارات..

المشعل رمز للقيادة و السبق و إزاحة رمزية الظلام..

- الرموز التراثية:

السيف رمز الأصالة و الشجاعة و الكرامة و الحرية، وهو التعبير عن المكون العروبي ...

البراد رمز الأصالة والانتماء إلى الثقافة الموريتانية الأصيلة.

المفتاح رمز الأمل وللحلول المختلفة لكل المشاكل العالقة، وكبر حجم المفتاح يدل على قدرته على فتح جميع الأبواب..

الخيمة ترمز لقساوة العيش والعزلة وسط الصحراء و هي رمز حضاري وموروث ثقافي موريتاني، و الخيمة هي الوحدة الأساسية المكونة ل( الفريڭ) مجموعة الخيام التي يجاور بعضها البعض سواء لسبب قرابة أو انتجاع مراعي أو لقرب المياه أو لسبب من الأسباب ...

 

     الرموز الأدوات:

 

الميزان رمز العدالة والمساواة وهو بالإضافة إلى دلالته المحلية رمز كوني للعدل و الإنصاف.

السبجة تستخدم  في المجالات الدينية كتعبير عن التدين او التصوف، وهناك من يستخدمها كجزء تكميلي لأناقته ووجاهته من خلال حمل السبح النادرة والنفيسة، وهناك من يستخدمها للتسلية وتنشيط حركة اليدين، وهناك من يقوم بجمع أنواع مختلفة من السبح كهواية مثلها مثل الهوايات الأخرى، و عموما السبحة فائدتها الأساسية في ضبط حساب التسبيح والاستغفار...

الكتاب والقلم رمز الثقافة والعلم وتطور المجتمع انطلاقا من الأفكار و المعرفة..

العمارات الحديثة رمز للغنى يمكن أن يكون رمزا للحداثة و تنمية المجتمع.

الحاسوب رمز الحداثة والمستقبل، و هو عبارة عن جهاز إلكتروني قادر على استقبال البيانات ومعالجتها إلى معلومات ذات قيمة، وفي الغالب يكون قادراً على تبادل هذه النتائج والمعلومات مع أجهزة أخرى متوافقة....

أداوت الحرث و الزراعة ترمز لقوة العمل والحرث العصري و التقليدي يحاول الجمع بين الحرث والعمل على الأرض والآلة والتقنية..

حصر الدلالة

ويمكن حصر الدلالة في هذه الرموز التي تختزل المشهد السياسي الموريتاني اليوم في أربع توجهات كبرى:

رموز الأصالة والتراث تعبر عن توجهات محافظة تتشبث بالهوية الوطنية والأصالة الموريتانية.

رموز الحداثة تتطلع إلى المستقبل وتتخذ رموزا استهلاكية رمزا لها، وغالبا تكون هذه الرموز الاستهلاكية خالية من أي عمق رمزي. رموز تحاول الجمع بين فكرتي الحداثة و الأصالة.

رموز الضوء لها دلالة رمزية وأسطورية تفيد الضوء الذي يقضي على الظلام وترمز إلى تصور المشروع البديل للواقع.

التأويل

إن تنوع هذه الرموز وتعددها يعبر عن تشعب المشهد السياسي وصعوبة التمايز الفكري بين الأحزاب، فبعض الرموز تكاد تفقد أي بعد سياسي، ناهيك عن أنه مثلما تتداخل البرامج السياسية تتداخل بعض الرموز يمينا ويسارا، مما يجعلها منفتحة على تحالفات و استقطابات رمزية..

وتظهر بعض الرموز مستوردة من واقع سياسي وسياق ثقافي آخر مما يسقط أصحابها في التبعية الرمزية على الأقل، ورموز أخرى تفتقد مطلقا للتربة السياسية، فالرمز ينبغي أن يعبر ويختزل طبيعة السياسة التي يتبناها الحزب. هناك إذن سوق رمزية تسندها الثقافة الاجتماعية والمتخيل الجمعي ويتم فيها تداول الرموز، إنها تختلف عن العلامات البسيطة أو الكلمات التي تشكلت تاريخيا عبر توافق أو اصطلاح، فالرموز تتميز بثباتها وانغراسها في الأذهان والعقول كما تتميز بتحكمها الثقافي والاجتماعي...

لذلك فإن اختيار الرمز له تأثير خاص في مسار الحزب لأنه يثير الناخب ويؤثر على اختياراته تماما مثل أسماء البضائع و المحلات التجارية والمقاهي والسيارات...

إن الرموز مثل اللغة متفق عليها منذ زمن بعيد ومستمرة في التداول، ومن الصعب أن نتصرف فيها بالتغيير، إنها أكبر منا سنا فهي تسوق المستعمل لها ولا تنساق إليه، وتستعصي عليه لأن وراءها تمثلات و استيهامات إن هو أراد أن يتصرف فيها أو يغير من دلالتها لضرورة أو حاجة طارئة، لأن لها تاريخها الخاص ولها وعيها الثقافي المفعم بالمعنى الأسطوري والتاريخي..

وبالإضافة إلى ما تتميز به الرموز من بنية ثابتة مخترقة للمخيلة ومنظمة لطبيعة الإدراك، فإنها تتميز بغنى دلالي وبقدرة تعبيرية فائقة، فالرمز يختزل ما يطلب منه سياسيا، يختزل عمل الحزب ويعبر عنه ويرهن مستقبله، فهو ما لم يتحكم في اختياره قد يمارس العبث بمن اختاروه عن غير وعي أو بدون دراسة لدلالته المباشرة وغير المباشرة.

والرموز ترشح بالدلالات البعيدة والقريبة فهي قادرة على مخاطبة وجدان المواطن، وبما أن الرمز الذي نقصده موجه إلى الهيأة الناخبة فإن التفاعل مع الرموز وحدها قد يخلق مشكلا في غياب برامج واضحة تمايز في طبيعة الاختيارات ووضوح البرامج الانتخابية التي تقترح حلولا عملية...

وربما يعود ذلك إلى كون بعض الأحزاب لا تتوفر في الغالب على ثقافة رمزية كافية أو أنها لم تسمع بعد عن علم اسمه علم الرموز أو أنثربولوجيا المتخيل أو قد تكون بحاجة ماسة إلى مستشارين ثقافيين في هذا المجال، فحاجة السياسي إلى المثقف قد تكون أكبر في مستقبل الأيام من يدري؟

 

مولاي الحسن ولد مولاي عبد القادر

رئيس تحرير صوت العمال