أمم بلا وطن.. بدو يسافرون بملاعقهم |
الثلاثاء, 11 فبراير 2014 17:08 |
*عائشة السلوم : ميزهم مؤرخون عرب بـ»الرجال الملثمين»، أما الأوروبيون فقد استعصت عليهم صحراؤهم فوصفوهم بـ»الرجال الزرق، غريبي الأطوار»، كما قد صنفتهم اليونيسكو بـ»أصحاب أرقى وأجمل فنون بدوية في العالم». هم بدو لا يأكلون الطعام بأيديهم، بل يسافرون بملاعقهم!»، إنهم الطوارق الذين يجوبون الصحراء الكبرى بشقائها وتيهها، يعتنقون الدين الإسلامي وبعضا من المعتقدات الإفريقية، قريبون نوعاً ما من بدو العرب لحظة الترحال. «تينيري، ترها، إيمان» المفردات الأكثر تكرارا في حكاية الطوارق، «الصحراء، الحب، الحياة» هذه المفردات تجتمع في «الأتاي» ورق الشاي الأخضر الذي يستخدمونه ثلاث مرات على التوالي خلال النهار الواحد، يرون في المرة الأولى أنه مُرّ كحياة الصحراء، والثانية له نكهة قوية كالحب، ثم في الثالثة خفيف كآخر رمق بالحياة. يقول إبراهيم الكوني كاتب «قادم من رحم الصحراء»: الصحراء التي تطهر بدنها بالظمأ هي التي تطهر روح الإنسان، كما أعطت كل الحق للطوارق القادمين من عمق الصحراء أن يُسموا أنفسهم «أمازيغ – كال تماشق» وتعني «الرجال الأحرار». والصحراء أيضاً ترى أن من لا يخفي سراً لا يخفي عمقاً، لذلك الطوارق يرون أنفسهم أنهم أسطورة وليسوا بالمنظومة، فالصحراء لا تتجدد عندهم إلا بالأساطير، كأسطورة مدينة «واو» كما ذكرت في رواية «المجوس» للكوني «واو الفردوسيّة الخفيّة التي لن تستطيع أن تجدها في ضلوع امرأة..وهي أقرب.. من حبل الوريد» وأسطورة جلد الثور و أسطورة الإله «أمناي» التي ارتبطت بالأنثى المنقذ، أساطير دفعت للتساؤل: «من غير الأنثى أنقذ الصحراويين من الانقراض؟ من غير الأنثى في الصحراء يستحقّ التبجيل ويعامل بالقداسة؟». أسطورة الأنثى المنقذ تكشف كيف وُهبت المرأة عند الطوارق ما قبل الإسلام صفة الألوهية – والتي نفاها التوحيد طبعاً، رغم أنهم ما زالوا يستخدمون حتى الآن لفظ الألوهية ـ لغوياً – هناك، حيث للمرأة حظوة وقداسة لا كباقي الأشياء، جعلت من قوانين بعض القبائل في الطوارق أن من يسيء للمرأة يُنفى للأبد. و لأنها منشأ الحب أيضاً، تلعب المرأة في الطوارق دوراً هاما، بحكم أنهم مجتمع أمومي، كما يصفه الباحثون في علم الاجتماع، فهي من تختار زوجها المستقبلي، لا تقبل بتعدد الزوجات، كما يقول الدكتور محمد آغ «عدم مبالاة الطارقية بالطلاق، فالزواج ثانوي بالنسبة إليها، فمكانتها لا تأتي من كونها «زوجة»، متعة للرجل، فهي «تامات» وكفى… !!»، حتى إن الزعامة لا تنتقل من الأب، بل من الأم ، كما كشفت أسطورة «تينهينان» الأم الروحية لهم التي حكمت الطوارق في القرن الخامس الميلادي، لذلك لا تستغني السلطة لديهم عن حكمة النساء، وتتفاوت القبائل الطارقية في تقديسها للمرأة. لكن الحال لم يستمر هكذا، فقد ضاعت معظم الأساطير والحكايات، بسبب الاستعمار الفرنسي الذي أخل بالموازين، كما لم ترحمهم بعد ذلك المصالح الدولية ولا التوازنات الإقليمية، حيث إن الطارقي لم يتوقع في لحظة ما أن يكبل بقيود الحدود وجواز السفر بعدما كان يملك الصحراء الكبرى يمارس فيها الهروب بحثاً عن بئر جديدة، أو جنة «واو» التي تختبئ بزاوية ما في الصحراء، وقد تعني «تينيري أو الصحراء» الضياع للبعض، لكنها تعني لهم الحرية والهوية والإلهام ومساحات لا تنتهي. نضال الطوارق لا يخلو أيضا من الأسطورة، فمن الأسطورة التي تقول إن الطوارق تلثموا تكريما لنضال المرأة التي انتصرت في معارك تاريخية حققت فيها النصر العظيم لهم، إلى اليوم لا يزال مسلسل المرأة الطوارقية في النضال مستمرا، كحكاية «لالة فاطمة نسومر» أبرز وجوه المقاومة الشعبية في الجزائر والتي أطلق عليها المؤرخ الفرنسي لوي ماسينيون لقب «جان دارك جرجرة» تشبيها لها بالبطلة القومية الفرنسية «جان دارك». واستمر دور المرأة الطوارقية في أزواد.. ومؤخرا برز في قيادتها للمظاهرات والمسيرات ضد حكومة باماكو، ثم تنظيم القاعدة لتكون ضحية التصفية الجسدية المباشرة من قبل جيش مالي. و الفن لدى الطوارق شكل مسارا نضاليا آخر، ويمكن القول أيضاً إن الثقافة إن لم تتجدد تبق ثقافة ميتة، لذلك تجد أنغام موسيقى الروك من الجيتار امتزجت مع ألحان طوارقية قديمة فاتنة، ومثال للفن مجموعة «تيناروين» الموسيقية، وكما تم وصفهم بـ»فتية الرمل وفنتازيا البنادق»، غنوا ألحان الثورة والمقاومة، وألحان المنفى، اختاروا لغتهم الأم في الغناء ليغنوا عن أمة وجدت نفسها فجأة ضحية تقسيمات جغرافية، أمة وجدت نفسها فجأة بلا وطن.
*نقلا عن صحيفة مكة |