فــضــيــحــة طـلاق الــرئـيـس! |
الأحد, 26 يناير 2014 15:59 |
من غرائب الثقافة الاجتماعية الأوروبية، التي يدعونا بعض المستلَبين والمنحرفين والمسيئين والمنظمات العقوقية للاقتداء بها، والسير في ركاب منظومتها القيمية، أنها واحدة من أكثر الثقافات التي عرفها الجنس البشري تهتكاً وانحلالاً وانحطاطاً عبر التاريخ. وأعتقد أن هذه الرداءة والدناءة الذاتية الطافية، غير الخافية، تلعب دوراً كبيراً في فشل اندماج كثير من المهاجرين في أوروبا، على رغم كل الضغوط الثقافية والقانونية العنصرية التي تمارس عليهم هناك باسم الدفاع عن العلمانية والقيم الجمهورية وغير ذلك من ذرائع فجة ولا أساس لها من الصحة. ويشتهر عن الزعيم الفرنسي التاريخي جورج كليمانصو قوله «إن أميركا هي الدولة الوحيدة في العالم التي انتقلت رأساً من مرحلة البدائية إلى عصر الانحطاط دون المرور بمرحلة الحضارة»! وهذا الكلام إن كان يصدق على أميركا فهو يصدق أيضاً على أوروبا. وأكثر ما يتجلى فيه ذلك تحديداً هو منظومتها القيمية والاجتماعية، التي يُسمى فيها الشذوذ الجنسي «مثلية»، والبغاء والدعارة «حرية شخصية»، والعري والعهر «مسلكيات نضالية تقدمية»، والكفر والجحود «وجودية ونزعة نقدية طليعية»، والظلامية والعنصرية «قومية ووطنية»! وحتى في العلاقات الإنسانية يسجل لأوروبا أنها كانت هي أول مجتمعات في تاريخ الجنس البشري تدخل عملياً في مرحلة ما بعد العائلة! فقد رجعت الآن العلاقات بين الرجال والنساء في المجتمع الأوروبي، آلاف السنين إلى الوراء، لتعود علاقة مشاعية على شاكلة بعض ما يصوره الخيال الأنثروبوجي عن طبيعة العلاقات في مجتمع إنسان الكهف القديم! بل إن إنسان الكهف القديم ومجتمعات الفطرة عموماً لم يعرف عنهما كل هذا القدر من البوهيمية والبهيمية والغريزية والفجور! وأعتقد أن كل هذه المقدمات والاستطرادات ضرورية لكي نفهم بعض ما يستغلق حقاً على الفهم مما تتحدث عنه وسائل الإعلام أحياناً في العلاقات الاجتماعية الأوروبية، وخاصة بالنسبة للشخصيات العامة الشهيرة. ومن ذلك مثلاً ما سمعنا مؤخراً عن دوامة فضائح عائلية يتخبط فيها قصر الأليزيه هذه الأيام. فقد فضحت مجلة «لوزر» الرئيس فرانسوا هولاند ونشرت صورا لتسلله على دراجة خلسة تحت حراسة ضابط صف من الحرس الرئاسي، ليلة رأس السنة، ليبيت ضيفاً عند ممثلة لا تربطه بها أية علاقة رسمية. وبسرعة تفجرت الفضيحة، وحاصرته الصحافة بمنطق «الخيانة الزوجية». وهنا حقيقة غائبة عن أذهان كثيرين، وهي أن قطاعات عريضة من المجتمعات الأوروبية ليست في منطقها أصلاً عبارة «خيانة زوجية»، لأنها قد دخلت عملياً في مرحلة ما بعد العائلة، فلم تعد العلاقة بين الرجال والنساء تقوم على رابطة الزواج في الغالب! والرئيس هولاند نفسه الذي أعلن انفصاله عن رفيقته يوم أمس لم يتزوجها أصلاً في يوم من الأيام. ولذلك تحدث في بيانه عن «انفصال» وليس عن «طلاق»، وعن «رفيقة» وليس عن «زوجة». وقبلها كانت رفيقته طيلة حياته هي المرشحة الرئاسية السابقة سيغولين رويال، وقد أنجب منها أربعة أبناء، وبعد خسارتها لانتخابات 2002 ضد ساركوزي -وكان هولاند حينها أميناً عاماً للحزب الاشتراكي وأحد أبرز جيل «الفيلة» في الحزب- قرر الانفصال عنها. وذهب كل في طريقه. وبدأ هولاند بعدها مباشرة العيش مع الصحفية فاليري تريرفيلر التي أصبحت اعتباراً من يوم أمس هي أيضاً «طليقته» دون المرور طبعاً بمرحلة الزواج. وتعيش سيغولين رويال هي أيضاً بدورها مع رفيق آخر دون زواج، تحت سقف واحد وبين أربعة جدران! وهولاند هو ثاني رئيس اشتراكي لفرنسا. بعد الرئيس الأسبق فرانسوا ميتران الذي كان على النقيض منه متزوجاً رسمياً. ولكن أي زواج؟ فقد كان يقيم منذ عام 1981 مع زوجته دانيال وابنه في قصر «الأليزيه». إلا أن دانيال كانت هي أيضاً على علاقة بشخص آخر يدعى جان بالانشيه. وكان جان هذا يقيم، جهاراً نهاراً، وسط عائلة ميتران في القصر الرئاسي مع عشيقته زوجة رئيس الجمهورية. كما كانت تقيم مع العائلة أيضاً في القصر عشيقة للرئيس ميتران تدعى «آن بينجو». وقد أنجبت منه ابنة سمياها «مازاريت». وبهذه الكيفية عاشت العائلة، أو العائلتان، أو العائلتان ونصف، تحت سقف واحد طوال سنوات حكم ميتران. وكان رفيق زوجة الرئيس هذا المدعو بالانشيه يذهب كل صباح لشراء «الكرواسان» الطازج. وهو الخبز المفضل لدى ميتران في فطور الصباح، ويتناول الرئيس وزوجته، وصديقته وصديقها، وجبة الإفطار على طاولة واحدة. وليس من الصعب في هذه الأجواء البوهيمية الشهوانية الحيوانية تصور وجود علاقة أيضاً بين صديقة الرئيس «بينجو» وصديق الرئيسة «بالانشيه»! فكل هذا وارد في مجتمع ما بعد العائلة! وفي سياق آخر أعلن وزير الخارجية الألماني جيدو فسترفيله (48 عاما) زواجه من رجل الاعمال مايكل مرونز (43 عاما) خلال حفل مدني قاده رئيس بلدية بون يورجن نيمبتسش في سنة 2010 بحضور نحو 20 من الاقارب والأصدقاء. وتتيح قوانين كثير من الدول الأوروبية «حق» الزواج لشخصين من نفس الجنس -وإن كانت ألمانيا ليست من ضمنها وإنما تسمح بدلاً عن ذلك بعقد شراكة بدلاً من عبارة «زواج»، مع التمتع بكافة حقوق المتزوجين! فهل هذه المنظومة القيمية والاجتماعية هي ما يريد «الحداثيون»، و«التقدميون»، والحقوقيون، والعقوقيون، و«المناضلون» الليبراليون، لمجتمعنا تبنيه والسير على نهجه والاهتداء بـ«هديه»؟ سؤال لا ألتمس عليه أي جواب. --------------------- من صحفة الأستاذ حسن ولد حريمو |