الأناضول: “التحرش واحد، والدافع مختلف”، هكذا فسّر خبير اجتماعي حوادث التحرش الجنسي بالنساء، التي شهدتها التجمعات المختلفة، السبت الماضي، في الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، سواء خلال الأجواء الاحتفالية في ميدان التحرير،
وسط القاهرة، أو احتجاجات مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مشهدين لحالتين مختلفتين من التحرش، المشهد الأول يتضمن مقطع فيديو يظهر مجموعة من الشباب المصريين، وهم يحاولون إخراج سيدة من وسط الحشود، نتيجة تعرّضها لتحرش جنسي، خلال الاحتفال بالذكرى الثالثة للثورة، في ميدان التحرير. فيما تضمن المشهد الثاني مقطع فيديو آخر، أظهر مجموعة من الفتيات، يتعرّضن لشد ملابسهن، وحجابهن، أثناء توقيفهن من قبل السلطات الأمنية، خلال مسيرة احتجاجية لمؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي، منددة بالأوضاع في البلاد.
ويظهر الفيديو احتجاز مجموعة من الفتيات، في مداخل إحدى المحال التجارية، التي يحميها جندي يرتدي ملابس عسكرية، ويحاول بعض المتجمهرين أمام المحل الاعتداء على الفتيات أثناء خروجهن من المحل، وذلك بسبهن، وجذب ملابسهن، بينما يقوم آخرون بالتحرش الجنسي بهم، قبل ركوبهن، إحدى الحافلات التابعة للشرطة المصرية.
وفي حديث للأناضول، قال محمد المهدي، استشاري الطب النفسي بجامعة الأزهر، إن حادثة التحرش الأولى في ميدان التحرير تشبه إلى حد بعيد الحالة التي كان عليها المحتفلون، الذين يرون أن إحياء ذكرى الثورة بالرقص، والغناء، لا مانع أن يأتي معه التعرّض لبعض النساء في الميدان بالإيذاء الجسدي.
وأضاف المهدي: أما التحرش في الحالة الثانية، بالفتيات المعارضات، فقد تم بدافع الانتقام والإهانة، ومنعهن من التظاهر مجددًا، لكن الخطورة في أن يتحول فعل التحرش الانتقامي هذا إلى “ثأر” بين أهالى وذوي الفتيات، تجاه من قام بمثل هذه الأفعال، خاصة وأن الفيديو يوثق الحادثة، ويمكن تحديد من قاموا بالتحرش.
ولفت المهدي إلى أن هذه الحوادث كثيرا ما شهدها ميدان التحرير في الآونة الأخيرة، قائلا “المجتمع المصري أصبح بيئة محرضة على التحرش جراء الظروف الحياتية الصعبة، التي يعيشها المصريون ومنها، الازدحام، وزيادة نسبة العشوائيات، والخطاب الديني، والإعلامي المحرض على اختصار المرأة في كونها جسد، إضافة إلى انتشار تعاطي المسكرات والمخدرات”.
واعتبر المهدي أنه من الضروري تحرير مصطلح “التحرش الجنسي” وتحديده؛ للوقوف على حجم الظاهرة، ومن ثم وضع إجراءات الوقاية والعلاج، وحتى يتمكن الضحايا من معرفة حقوقهن القانونية في الحالات المختلفة.
وكان مركز “النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب” (مركز حقوقي غير حكومي)، قد أصدر تقريرًا، في العام 2013، رصد فيه عددًا مما وصفها بـ”حالات التعذيب الجنسي التي تعرضت لها المتظاهرات في ميدان التحرير، والشوارع المحيطة به”.
وعرض التقرير شهادات مفصلة لبعض الفتيات، حول ما تعرّضن له في الميدان على يد مجهولين، وبشكل جماعي في مظاهرات مختلفة في العام 2013. وفي حديث للأناضول، قالت الناشطة ماجدة عدلي، إحدى المشاركات في تقرير “النديم” “أنا مع فكرة التعريف بالانتهاكات، التي تتعرض لها النساء، لـفضح مرتكبيها وردعهم، وتوصيل رسائل لهم بأن ما يفعلون لن يؤدي غرضه من ترويع النساء، والحد من اشتراكهن في الاحتجاجات الشعبية”.
وبحسب المقدم محمد الزغبي من الإدارة العامة للآداب بوزارة الداخلية المصرية، فإن بيانات الإحصاء الجنائي تشير إلى أن جرائم التعرض للنساء (التحرش)، وصلت خلال عام 2012، إلى 9 آلاف و468 حالة، لافتاً إلى أن محافظة الإسكندرية، شمالاً، سجلت فيها أعلى المعدلات، بينما لم تسجل محافظة شمال سيناء (شرقاً) أي حالات تحرش. ونوّه الزغبي، في تصريحات سابقة للأناضول، إلى “وجود حوادث كثيرة تقع دون الإبلاغ عنها، وذلك لأسباب اجتماعية مرتبطة بالعادات والتقاليد”، مشيرا إلى أن “نسبة جرائم هتك العرض وصلت إلى 329 جريمة خلال عام 2013، تمكنت الشرطة المصرية من ضبط 265 حالة منها”، سجلت العاصمة القاهرة منها فقط 91 حالة. بينما وصل عدد جرائم الاغتصاب خلال العام نفسه إلى 112 حالة، ضبط منها 94 حالة، وكان نصيب العاصمة منها 27 حالة، وفسّر الزغبي ازدياد حالات التحرش الجنسي بـ”عدم إقدام المرأة على الإبلاغ عن المتحرش، واطمئنانه بأنه لن يتم معاقبته، يجعله يتجرأ على التحرش بشكل متكرر”.
|