أسألك التأجيلا... |
الاثنين, 05 مايو 2014 10:03 |
الناس، في السماع، مذاهب.. بعضهم يسمع القطعة كاملة بحواسه مجتمعة؛ يسمع الوتر والصوت، وينظر تطور دراما القصيد، يتذوق الجمال ويتحسس العواطف والأخيلة... وربما أعاد السماع مرات ومرات ليكتشف جديدا في كل سماع متجدد. هذا النوع، الذي أصبح نادرا، يطلق عليه أصحاب الصنعة "السّمِّيع".. نوع آخر يسمع بأذنيه فقط فيوقعه الإيقاع في الفخ، فيختار مقاطع بعينها، ضاربا عرض الحائط بوحدة القصيد، وتناغم أوتار الآلات مع الأوتار الصوتية لكتابة قصة لا تعني ما تقول، ولا تقول ما تعنيه... يروي نزار قباني في رائعته "أسألك الرحيلا"، التي غنتها نجاة الصغيرة بصوتها الشجي الحزين، رواية حب شرقية، تبدأ بالرحيل، وتنتهي بالبقاء... بطلة القصة غريبة الأطوار، ترى بقاء الحب بالانفصال، فتنادي بالرحيل، وتسوق الحجج الدامغة على ضرورته "لخير هذا الحب". تستدعي الذكريات والتاريخ، والأسطورة والواقع... ثم تنقلب فجأة، بعد ذبول "أزهار الشر"، وتساقط الشعارات في "خريف الغضب" من الربيع، تراوغ في "دردشة فوق النيل"، تستعطف فيها، مثل كليوباترا، بطلها.."انزع حبيبي معطف السفر*** وابق معي حتى نهايات العمر...". هنا أيضا تجد البطلة السيكوباتية كل الحجج لضرورة البقاء.."..كي يورق الشجر،...كي يهطل المطر..." ضرورة البقاء تتجاوز عواطفها السياسية، ومصالحها الانتخابية، إلى أن تصبح ضرورة طبيعية... وللمزيد من الاقناع تعتذر عن رفعها شعار الرحيل.."لا تكترث بكل ما أقول... في زمن الوحدة أو وقت الضجر." وتبوح أخيرا، بما صورته الروايات الشرقية مسكوتا عنه، تحوم حوله الاستعارات، ويلوح إليه التلميح خلف أستار الابتسامة الخجول، والاحمرار على ضعف، ونقص الأكسجين، والصمت الفصيح..." إبق معي إذا أنا سألتك الرحيلا." كان الأمر صعبا.. ثلاث سنوات من الممانعة والمعارضة، والتمنع والتظاهر للإصرار على التأجيل.. قمة الرمزية! لكن العتب على ظاهريتنا التي قرأنا بها نص "إخوان الصفا" الذي أرسلوه مع "خلان الوفا" من أصحاب السوابق النضالية و الوظيفية، عبر "مسارات" ، "في زمن الوحدة"، و"تدوينات" "وقت الضجر".. لا تعني ما تقول، ولا تقول ما تعنيه... انشغلنا بالتفاصيل؛ باللحن، بالكلمة، بالأداء.. بينما انتقل الآخرون سريعا، مثل أبطال فرنز كافكا، من الرحيل إلى التأجيل... لعل اللعوب تظل وفية لشعر نزار وصوت نجاة فتهتف بالرئيس، بعد انقضاء مأموريته، "ارجع إلي.. إرجع كما أنت..صحوا كنت أو مطرا..."، فقط..تجنب الربيع... -------------------------- من صفحة الأستاذ اسحاق الكنتى على الفيس بوك |