تفاقم التوترات العرقية بسبب الصراع في مالي
الخميس, 07 نوفمبر 2013 15:34
altيقول مراقبون أن الصراع الذي تفجر في مالي في الأونة الأخيرة قد تسبب في تدهور العلاقات الاجتماعية، مما أدى إلى مخاوف من اندلاع أعمال انتقامية بين بعض النازحين وشكل عقبات كبرى تعوق المصالحة .

وقد سقطت مالي في هوة سحيقة من الفوضى بعد الإطاحة بالرئيس أمادو توماني توريه في مارس 2012، أتاحت الفرصة لسيطرة الطوارق المتمردين الانفصاليين على شمال البلاد، ثم تم طردهم لاحقاً من قبل متشددين إسلاميين مدججين بالسلاح.

ومن الجدير بالذكر أن الكثيرين في جميع أنحاء مالي يلقون باللوم على الطوارق والعرب الذين ساعدوا الإسلاميين في الاستيلاء على جزء كبير من شمال البلاد. وعندما تدخلت القوات الفرنسية في يناير لطرد المسلحين، استهدف المدنيون العديد من الطوارق والعرب، وساد مناخ من الشك في العديد من المدن الشمالية والوسطى، وقال كثير من الناس أنهم يخشون أعمال العنف الانتقامية. 

وقد نشأت التوترات العرقية في مالي منذ وقت طويل، واندلع العنف الطائفي في الماضي، ولكن الدراسة التي أصدرتها منظمة أوكسفام في شهر أكتوبر الجاري كشفت أن الصراع الذي نشب في عامي 2012 و2013 قوض العلاقات الاجتماعية بشكل أكثر عمقاً من أي أعمال عنف سابقة.

وأكد ستيف كوكبرن، مدير سياسات وحملات أوكسفام في غرب أفريقيا، أن “هناك شعوراً عاماً بأن تدهوراً كبيراً قد أصاب العلاقات الاجتماعية. وهناك شعور بالخوف الشديد من العودة إلى الديار”.

وأضاف خلال حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن بعض النازحين واللاجئين “يخشون من أن تحدث توترات وصراعات داخل المجتمع، وأن لا يتحقق سلام دائم، وأنهم قد يضطرون لمغادرة ديارهم مرة أخرى في المستقبل القريب”.

وبغض النظر عن الصراع الأخير، أشارت أوكسفام إلى أنه يُنظر إلى الفقر المتفشي منذ فترة طويلة، والفساد والغضب بسبب التخلف والتهميش والظلم في شمال مالي على أنها العوامل التي تقوض العلاقات الاجتماعية.

وتساءل كوكبرن: “كيف يمكن لدولة مالي ابتكار إجراءات تقنع تلك الأصوات المعارضة بالانضمام إلى عملية مصالحة أوسع؟” وأضاف أن العديد من المشاركين في الدراسة أعربوا عن عدم إيمانهم بمؤسسات الدولة، وأظهروا ثقة أكبر في الآليات التقليدية للحكم.

وأوضح أن “برامج المصالحة يجب أن تتم على مستوى المجتمع المحلي. فهي لا تتعلق باتفاقات سياسية على مستوى عال بقدر ما تتعلق بالقدرة على شرب الشاي مع جارك. هل سيرد صديقك على مكالمتك؟ هل ستتمكن من أخذ الماشية إلى التاجر؟”

انعدام الثقة

يبدو انهيار التماسك الاجتماعي واضحاً في الميل إلى تعميم اللوم. فقد ألقى 60 بالمائة من المشاركين في استطلاع الرأي، الذين يعتقدون أن العلاقات الاجتماعية ساءت، باللوم كله على الجماعات العرقية، وليس الأفراد، بحسب تقرير منظمة أوكسفام، الذي أشار أيضاً إلى أن التهديدات والعنف والوصم بالعار ساهموا في توتر العلاقات.

“تم نهب منازل العرب والطوارق الذين يشتبه في أنهم تواطؤوا مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد (MNLA) التابعة للطوارق والحركة من أجل الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا (MUJAO). وفي بعض الأحيان، لم يكن هناك أي تمييز أو محاولة لمعرفة ما إذا كانوا قد تعاونوا مع المتمردين أم لا. فطالما أن لديك بشرة فاتحة اللون، فأنت مستهدف،” كما أوضح يوسف تراوري، وهو مساعد تنفيذ مشاريع في المنظمة الدولية للهجرة (IOM) في غاو.

وفي السياق نفسه، تصاعد انعدام الثقة إلى أعلى مستوياته بين النازحين، الذين تعرضوا لمعاناة الفرار والعيش في ملاجئ. وقال كوكبرن من أوكسفام أنه بالنسبة لبعضهم، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم إجبارهم فيها على ترك بيوتهم.

العودة إلى الديار؟ وقال بعض اللاجئين الذين شملهم الاستطلاع في دراسة أوكسفام، لاسيما من مجموعة الطوارق العرقية، أنهم لا يرغبون في العودة إلى ديارهم، كما أوضح كوكبرن، مضيفاً أن “هذا يشكل تحدياً واضحاً من حيث إيجاد حلول لمشاكل النازحين”.

من جانبه، قال هاشمي مايغا، الذي يعمل في جمعية المستشارين الزراعيين في الساحل (ACAS)، وهي منظمة شريكة للمنظمة الدولية للهجرة تتخذ من غاو مقراً لها وتدعم تتبع العائدين، أن “التعايش صعب، فالمشكلة تنحصر بين أولئك الذين دعموا المتمردين وأولئك الذين لم يدعموهم”.

 أرغمنا المحتلون … على الربط بصورة منهجية بين ذوي البشرة الفاتحة والإسلاميين. ولم تعد العلاقات الاجتماعية كما كانت في الماضي

وفي إشارة إلى العرب والطوارق من ذوي البشرة الفاتحة، أضاف قائلاً: “أرغمنا المحتلون … على الربط بصورة منهجية بين ذوي البشرة الفاتحة والإسلاميين. ولم تعد العلاقات الاجتماعية كما كانت في الماضي”. وأشار إلى تعرض رجل يشتبه في أنه تعاون مع الإسلاميين للضرب حتى الموت مؤخراً في أحد أسواق غاو.

مع ذلك، فقد عاد الآلاف من النازحين إلى ديارهم منذ طرد الإسلاميين من المدن الشمالية الرئيسية، وهي تمبكتو وغاو وكيدال. كما كان لتشجيع الحكومة المالية دور في هذا، وأعدت الحكومة مخططاً لدفع رسوم النقل وإعادة توطين موظفي الخدمة المدنية الذين يستأنفون عملهم في الشمال.

وخلال الفترة من يناير إلى سبتمبر، عاد حوالي 65,000 شخص إلى موبتي وغاو وكيدال وتمبكتو، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، ولكن 40,000 آخرين انتقلوا إلى المدن الجنوبية من الشمال، على الأرجح بسبب عدم وجود فرص اقتصادية وصعوبة الحصول على الخدمات الأساسية.

العنف وسبل العيش

ولا يزال انعدام الأمن يشكل تهديداً للعائدين إلى الشمال. ففي أواخر سبتمبر، شن مسلحون هجمات في مدينتي تمبكتو وغاو، كما اشتبك مقاتلو الحركة الوطنية لتحرير أزواد مع جيش مالي لفترة وجيزة في كيدال.

“يجب أن تتأكد الحكومة من تحقيق الأمن لأننا لن نقبل أن يتم إرسالنا إلى مجازر،” كما أكد أومارو سانغاري، وهو طبيب بيطري يعمل في مؤسسة حكومية، في إشارة إلى هجوم انتحاري وقع في شهر سبتمبر في تمبكتو. وقال أيضاً “إننا لن نضحي بحياتنا للحصول على رسوم النقل وإعادة التوطين. يجب تأمين المدينة أولاً”.

مع ذلك، يقول العديد من العائدين أنهم يشعرون بأن الأمن قد تحسن، ولكن الصعوبات المالية تؤدي إلى تعقيد عملية إعادة التوطين أيضاً، كما أوضحت ستيفاني دافيو، مديرة مشروع مصفوفة تتبع النزوح التابع للمنظمة الدولية للهجرة.

وأضافت دافيو أن “ما رأيناه هو أن الكثيرين ذهبوا إلى الشمال أيضاً، وعندما رأوا أن الظروف هناك [كانت سيئة]، وخاصة حالة منازلهم ومزارعهم … قرروا العودة إلى الجنوب ببساطة لأنه لم تكن لديهم أي وسيلة للبقاء على قيد الحياة”.

وقد عاد البعض الآخر إلى الشمال بعد مواجهة مصاعب اقتصادية في الجنوب. وقال تراوري، مساعد تنفيذ المشاريع في المنظمة الدولية للهجرة، أن حوالي 4,500 شخص عادوا إلى مدينة غاو من العاصمة باماكو والمناطق الجنوبية الأخرى بين شهري أغسطس وسبتمبر.

“السبب الأول الذي يقولون أنه جعلهم يعودون هو عودة الاستقرار، والسبب الآخر هو الصعوبة الاقتصادية في المناطق التي كانوا قد ذهبوا إليها طلباً للأمان،” كما أوضح مستشهداً بالمشاكل المتعلقة بالحصول على السكن الملائم والتعليم والصحة والغذاء وكذلك صعوبات في التكيف مع الحياة في ملجأ.

من جهتها، قالت فاتالمودو مايغا، وهي أم لخمسة أطفال، في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنها عندما عادت إلى غاو، وجدت أن جزءاً من منزلها قد تضرر من جراء القصف، واحتل أشخاص لا تعرفهم الجزء الآخر.

وأضافت قائلة: “لقد فقدت زوجي خلال فترة الاحتلال الإسلامي لغاو، لكنني قررت العودة لأنني عشت طوال عمري في غاو. إن الأمر يشبه البدء من جديد. أشعر وكأنني غريبة في بيتي. ولم أعد أعرف مدينتي أو بيتي. وقد انضم بعض جيراني إلى المتمردين … إنهم من قام بسرقة حيواناتي”.

كما تعطلت الحياة الاقتصادية بعد رحيل العديد من الطوارق والعرب الذين كانوا من كبار التجار في الشمال. وأوضح مايغا من جمعية المستشارين الزراعيين في الساحل أن أسعار السلع الأساسية – مثل الشاي والتمر والسكر والزيت والدقيق – قد ارتفعت.

أما كوكبرن، فحذر من أن”الثقة بين المجموعات المختلفة تقلصت، ولذلك انخفض مستوى التجارة فيما بين الناس”.

من جانبه، وعد إبراهيم بوبكر كيتا رئيس مالي الجديد بالتصدي للأسباب التي أدت إلى الإطاحة بسلفه والاستيلاء على النصف الشمالي من البلاد.

المصدر: شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)

إعلان

الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox

فيديو

البحث